عالم المزادات
عالم المزادات


«آخر ساعة» تقتحم عالم المزادات l كيف تشتري كنزا بجنيهات زهيدة؟

آخر ساعة

الأحد، 06 مارس 2022 - 02:37 م

إيثار حمدى

فى أواخر التسعينيات كان هناك رجل يعيش فى إنجلترا يمتلك طابعا نادرا لا يوجد منه إلا نسختان فى العالم، الأولى معه، والثانية يقام من أجلها مزاد فى صالة كريستى بلندن، فقرر أن يشتريها، وظل يرفع السعر حتى وصل به إلى مليون ونصف المليون دولار، وبعد أن دفع المبلغ واستلم الطابع مزقه أمام الجميع، ثم أخرج الطابع الذى معه، وهو يقول للحضور إنه النسخة الوحيدة فى العالم وعرضه فى المزاد، ليبيعه فى النهاية بـ9 ملايين دولار.. ليست هذه هى القصة العجيبة الوحيدة فى عالم المزادات الذى يحتوى قصصاً مشوقة بلا عدد.. فقد دخلت "آخرساعة" عالم المزادات لتتعرف على أسراره، وتستمع إلى حكاياته المليئة بالدهشة والتشويق.

داخل إحدى صالات المزادات الشهيرة بمنطقة مصر الجديدة، رصدنا ما يحدث من عمليات العرض والبيع والشراء، وراقبنا لهفة هواة جمع المقتنيات والتحف النادرة وهم يتفحصون المعروضات قبل أن يقرروا الحصول عليها بأى ثمن.

شهيرة أمين، الإعلامية بقناة النيل الدولية، تقول إنها ورثت حب المزادات عن والدتها التى كانت تهوى جمع القطع والتحف النادرة، وتحكى عن قصة بيانو حصلت عليه من مزاد فى قصر عابدين عام 1985 بمبلغ 11 ألف جنيه، وحاليا ترفض بيعه بعد أن وصل سعره إلى 350 ألفاً! 

أما الخبير المثمِّن يحيى ألفي، فيسرد تاريخ المزادات فى مصر قائلا: قبل عام 1952 كانت معظم صالات بيع الأنتيكات والتحف مقتصرة على الأجانب هم من يمتلكونها، وأغلب الإنجليز كانوا فى هذه الفترة يجددون الأثاث الخاص بهم أو يعيشون فترات قصيرة فى مصر ثم يرحلون، وقبل مغادرتهم يقومون ببيع الموبيليا والأنتيكات الخاصة بهم فى صالات المزادات ليحصلوا على أعلى سعر.

وأضاف: فى عام 1957 صدر قانون رقم 100 بترخيص الصالات عن طريق وزارة التجارة، من أجل تقنين أوضاعها، على أن يكون من يتملكها مصريا ومن أم وأب مصريين وحاصل على مؤهل عالٍ، مع السماح للأجانب أو من ليس لديهم مؤهل عالٍ ممن يمتلكون الصالات ولديهم بطاقة ضريبية قبل ظهور القانون بثلاث سنوات بتملك صالة للمزادات.

وتابع: أغلب أصحاب الصالات فى ذلك الوقت كانوا غير متعلمين ولا يحملون شهادات، بل ويعملون فى الكامب الإنجليزى الذى يبيع بضائع الميناء والمستودعات، ما جعلهم يشتغلون فى الصالات بالطريقة نفسها.

استطرد الخبير المثمن: أصبح كل من يرغب فى امتلاك صالة بعد صدور القانون حاصلا على مؤهل عالٍ، ولديه شهادات من الحكومة تفيد بأنه لا يعمل فى القطاع العام أو الخاص. وقال: إن عدد الصالات فى مصر منذ إصدار القانون وحتى الآن لا يتعدى 180 صالة، بينما عدد الصالات التى تعمل فعليا لا يتعدى 20 صالة، وباقى الصالات إما توفى أصحابها أو شعر بعضهم أن دخلها لا يكفيه فقام ببيعها، وحولوا نشاطها إلى بيع وشراء عادى بدون مزادات، لتفادى ما يدفعونه من مبالغ كبيرة للرقابة وللضرائب.

وحول الأشياء التى تصلح لأن تُباع فى المزاد قال يحيى ألفي: كل شيء على الكرة الأرضية يصلح أن يدخل فى المزاد، وأى شركة أو مصنع لديه ماكينات أو سيارات خاصة بالموظفين أو نقل البضائع أو الحديد والخردة المتبقين من المقاولات والمعدات الثقيلة من لوادر وغيره وحالتها جيدة، ولم يعودوا فى حاجة لها بدلا من الاستغناء عنها وتكهينها يتم عرضها فى مزاد لتعم الفائدة على الكل البائع والمشترى وصالة المزاد والدولة.

وأوضح أن أفضل أنواع البضائع الموجودة حاليا هى الخردة بكل أنواعها من نحاس وحديد زهر وبلاستيك وكرتون وورق وخشب، فمن يعمل بها لا يخسر مطلقا وهى البضائع الأكثر مشاركة فى المزادات العلنية.

وقال: للأسف بسبب القيمة المضافة أصبح الأمر الآن صعبا، فعلى سبيل المثال تعرض الشركة الطن بـ1000 جنيه يضاف إليه 5% رقابة لوزارة التجارة مقابل إشرافها على المزاد العلنى بالإضافة إلى 5٫5% للخبير عمولة وقيمة مضافة، والضرائب تحصل على 14% قيمة مضافة، وضرائب تجارية تصل إلى 1 أو 2% فنجد أنفسنا أمام 25% زيادة على ثمن الطن وهو مبلغ ضخم، ولتفادى دفع هذه المبالغ، ابتكر بعض الخبراء نوعا جديدا من المزادات أطلق عليه البيع بالمظاريف المغلقة، وتطور بعد ذلك ليصبح بدون حضور المتزايدين أنفسهم.

وطالب الوزارة باتخاذ إجراء ضد هذا الوضع وأن تضع يدها عليه، وتلغى ما يسمى بـ"القيمة المضافة"، وبدلا من خسارة الدولة قيمة الـ5%، يعود الناس مرة أخرى للمزادات العلنية، وقال: بالطبع لا يجوز إلغاء المزادات المغلقة فليس من حق أحد أن يمنع التاجر من بيع بضاعته، ولكن فى حالة تسهيل الإجراءات لن يكون هناك حاجة للمزادات المغلقة وسيعود معظم التجار والخبراء للمزادات العلنية.

وأضاف: نطالب وزارة التجارة الداخلية بعمل ميثاق شرف على هيئة رول مثل رول المحكمة يضاف فيه كل أسماء الخبراء، وعددهم ليس كبيرا، الخبراء الموجودون فى السوق لا يتعدى عددهم 200 خبير، ومن يعمل منهم بالفعل 15 أو 20 مكتبا، وإذا تم توزيع الشغل عليهم ستعقد جلسة مزاد يوميا وكل خبير يأخذ دوره، بالتالى الحكومة ستحصل على نسبة 5% وهى نسبة جيدة بالإضافة إلى نسبة الخبير والضريبة، وسيكون التاجر فى منتهى السعادة والرضا، وتنتهى فكرة احتكار شخص واحد معظم المزادات نظرا لأنه يدفع جيدا تحت الطاولة والبقية يتفرجون فقط.

وشرح: هناك عميل متخصص فى تجارة التحف والأنتيكات وآخر فى الخردة، وثالث يبحث عن الفرص الاستثمارية، مثل محطات البنزين والمصانع والشركات، فى حين تختلف معايير تتمين التحف عن اللوحات أو الأنتيكات فكل شيء حسب حالته، فاللوحات على سبيل المثال تختلف من كونها مرسومة بالزيت أو هاند ميد أو رسم جواش أو طباعة أو تقليد من لوحات أصلية أو جوبلان أو أبيسون، إضافة إلى عمرها، وهل هى موقعة بتاريخ أو بدون وإذا كانت بتاريخ يكون الأمر أكثر سهولة، وما هى بلدها: فرنسية أم إنجليزيية أم مصرية أو إيطالية وفقا لجنسية الرسام ونبحث عن الفترة الزمنية التى عاش فيها وبناء على كل هذا نحدد قيمة اللوحة، ونفس الشيء بالنسبة للتماثيل هناك الكثير من التماثيل الموقعة، ووفقا للتوقيع نعرف صاحب التمثال، قد يكون هناك تمثال أصلى من الرخام الأبيض وله ست نسخ مقلدة من البرونز والرخام الأخضر والخشب، فنبحث حتى نعرف من قلدها وكلٌ منهم له سعر.

وعن أغلى ما قام بتثمينه قال يحيى ألفي: الأمور تختلف حسب نوعية المزاد، ففى عام 2000 قام بتثمين مصنع حلج أقطان تابع لإحدى الشركات القابضة الماكينات الإنجليزية المتواجدة فيه صنعت عام 1860 وأفضل من الماكينات الحديثة، وصل سعره إلى 2 مليار و200 مليون.

وعن الدعاية الخاصة بالمزادات يقول إنها تكون إما عن طريق إعلانات الصحف أو السوشيال ميديا أو الاتصال بالأصدقاء والعملاء من هواة جمع التحف من المزادات، ومنهم من يشترى من إحدى الصالات ويبيع فى صالات أخرى معروفة بالأسعار المرتفعة، وهناك من يرغب فى شراء قطعة أثاث ولكن بسعر أقل من السوق فيبدأ فى حضور المزادات حتى يعثر على طلبه.

وعن مزادات العقارات يقول ألفى إن أغلب العقارات الموجودة فى السوق لم تتغير إعلاناتها منذ عامين ولا أحد يعلم عن هذا فهناك تخمة فى العقارات، ولكنهم يستفيدون بعرض عقاراتهم فى إعلانات تخصم من الضرائب التى تتحمل قيمة الإعلان بالكامل.

تقييم الأسعار

فيما يقول الدكتور أحمد سامي، مالك إحدى صالات المزادات بمصر الجديدة: كل ما كان أقدم فى العمر كان أعلى فى السعر، ولكن ليس بالضرورة أن يكون كل ما هو قديم غالى الثمن، فيتم تحديد جنسيته، وهل هو  مختوم أم لا، والأعلى قيمة "الرفايع الفرنسية"، واللوحات يتم تقييمها وفقا للفنان الذى رسمها وحالتها.

وأضاف: بالنسبة للصالونات، كل موديل له سعره ويحدد السعر وفقا لنوع الخشب وخامات الأقمشة من الأبيسون والجوبلان، وليس جميعها أسعارها كبيرة فهناك موديلات قديمة غير مطلوبة ولا يفضلها الكثيرون، وهناك موديلات مهما مر عليها الزمن مطلوبة ولا تبطل مطلقا.

وعن خطوات العرض قال إن العميل يقوم بإرسال الصور، ومن ثم عرضها على الخبير المثمن ليحدد ما إذا كانت تصلح أم لا، وفى حال قبولها يتم الاتفاق على السعر الابتدائي، ويفتتح المزاد بثلثى السعر حتى يصل للرقم المطلوب أو أكثر وإذا لم يبع يلغى ويعرض مرة أخرى.

وأوضح أنه لا يوجد شروط أو تأمين للمزاد فمن حق أى شخص أن يحضر المزاد وعندما يعجبه أى قطعة يدفع 50% من ثمنها وبقية المبلغ بعد 3 أيام من المزاد مضاف إليها 10% عمولة و5% للوزارة و5% للخبير المثمن.

ويؤكد أنه لا يبيع التحف والأنتيكات المتواجدة فى الصالة سوى من خلال المزاد، لافتا إلى وجود الكثيرين من هواة التواجد داخل أجواء المزادات واقتناء بعض القطع النادرة بأسعار غير مسبوقة، مؤكدا أن المشترى من حقه أن يعرف أن القطعة أصلية أو مقلدة منذ البداية، وهل توجد بها عيوب أم سليمة.

ويرى أن البيع بالمزادات أفضل بكثير بالنسبة لاقتصاد الدولة من البيع والشراء بشكل عادى لأن الشخص يسدد ضرائبه للحكومة بشكل منتظم، وفى المقابل المعارض شغلها مفتوح.

القطع النادرة

من جانبه، يقول الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادى الدولي، إن ما يباع فى المزادات قطع نادرة قرر أصحابها الاستغناء عنها أو لم يعودوا بحاجة إليها، ويشير إلى مزاد علنى فى أمريكا يبيع كل من يمتلك شيئاً لم يعد يحتاج إليه، ومن يرسى عليه السعر يحصل على القطعة التى يريدها، ويحكى  عن قصة آلة كاتبة قام بشرائها منذ 40 عاما، فى وقت لم يكن فيه الكمبيوتر قد انتشر وكانت تخزن ما يكتب عليها وتطبعه، فهى نصف آلة كاتبة ونصف كمبيوتر، وبالتالى لم يستطع مقاومة اقتنائها، دفع فيها 80 دولاراً عندما كان الدولار يعادل 3٫4 جنيه، ويحتفظ بها حتى يومنا هذا، وكانت الوحيدة تقريبا فى مصر.

وأضاف: تطورت الفكرة ولم تعد تقتصر على التحف والمقتنيات القديمة فقط، فمثلا هناك شخص لديه محل أحذية ولكن البيع ليس فى أفضل حالاته فيقوم بعرض بضاعته فى المزادات وبدلا من بيع قطعتين فى اليوم يبيع 100 حذاء بأسعار مخفضة وبالطبع يربح أموالا كثيرة وتعم الفائدة على البائع والمشتري.

ويوضح: أمتلك أنا وزوجتى كنوزا فى منزلنا، وبعد أن هاجر أبناؤنا للخارج، اتفقت معها عندما يتوفى أحدنا يقوم الآخر بعرضها فى مزاد أو التبرع بها لجمعية خيرية ونكمل ما تبقى من حياتنا فى دار للمسنين لنجد من يرعانا فلن نقدر على العيش بمفردنا.

وحكى عن مزهرية ورثتها زوجته عن والدها، عندما شاهدها أحد ضيوفهم ذات مرة أصيب بحالة من الاندهاش والانبهار وعندما سأله قال إنه يريد أن يشتريها بنصف مليون جنيه، ووصل بالمبلغ إلى نصف مليون دولار!

تعجب الدكتور رشاد وسأله عن السبب فقال إنها لأهم فنان فى ألمانيا لم يصنع منها سوى 3 نسخ فقط وهذه إحداها، ولا أحد يعلم عنها شيئا، وعرض علينا أن يوصلنا بصالة مزادات عالمية ليصل سعر المزهرية إلى 15 أو 20 مليون دولار، ولكن زوجته رفضت لأنها من "ريحة والدها".

وتابع: هناك نوعان ممن يحضرون المزادات، الأول يهوى اقتناء التحف والقطع النادرة والثانى متخصص فى التقاط القطع النادرة، وهنا نكون ضربنا عدة عصافير بحجر واحد فمن جهة المشترى استفاد باقتناء قطع نادرة والدولة استفادت بالضرائب التى تحصل عليها، وصالة المزادات المتخصصة تستفيد أيضا فحجم الاستفادة فى المزادات أكبر من البيع والشراء بشكل عادي، بالإضافة إلى أنها ليست مبيعات تقليدية ولكنها تحف ولكن للأسف ليس هناك الكثيرون ممن يعرفون حقا قيمة هذه التحف.

ويرى د. رشاد أن الأساس فى المزادات هو التحف والأنتيكات، وعن مزادات السيارات قال هناك بعض الشركات تعرض مجموعة من السيارات فى مزاد علنى أو سيارات مفروض عليها ضرائب كثيرة وقرر أصحابها الاستغناء عنها فتجمع وتعرض فى مزاد ومن يرغب يحضر معه متخصصا فى السيارات ويختار السيارة التى يريدها ويعاينانها ويشتريها إذا كانت حالتها جيدة، وهى بالطبع تعتبر إيرادات للدولة لأن الجمارك مصادرة ولا أحد يريد أن يدفع والدولة تريد أن تحصل على حقوقها فتكون هذه طريقة جيدة لاسترداد الحقوق.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة