امنحوا الصغار شارعاً فى مدينة النشر
امنحوا الصغار شارعاً فى مدينة النشر


محمد عبد الحافظ ناصف يكتب: امنحوا الصغار شارعا في مدينة النشر

أخبار الأدب

السبت، 11 يونيو 2022 - 02:50 م

كتب: محمد عبد الحافظ ناصف

المسألة تحتاج للحوار والنقاش بين كل الأطراف للوصول لحل يصب فى مصلحة أدب الطفل والطفل المصرى فى النهاية، ومن الممكن أن يتولى هذا الحوار المركز القومى لثقافة الطفل

المؤسسات الوطنية الحكومية هى التى تتحمل عبء إصدار الكتب والمجلات الدورية بأسعار مدعومة، نظرا لأنها غير هادفة للربح المادى ولكنها تهدف إلى بناء الطفل المصرى فى المقام الأول


> فى الاستطلاع التالى يكتب متخصصون عن مشاكل النشر فى أدب الأطفال، وكيفية تطوير تلك الصناعة المهمة، وأسباب عزوف بعض دور النشر عن الاستمرار فى هذا المجال، ولماذا تركت السوق لدور دخيلة تهتم بالربح أكثر من اهتمامها بالمحتوى؟

 

يُعتقد أن استثمار كل دولار على الطفل فى مرحلة الطفولة المبكرة والطفولة بصفة عامة سوف يعطى ويوفر حوالى 16 دولاراً فى المستقبل، فالاستثمار فى ثقافة الطفل بصفة عامة وأدب الطفل بصفة خاصة يؤتى أكله فى بناء شخصية الطفل فى أقرب وقت بعد عدة سنوات من تراكم المعارف والمشاعر والقيم والخبرات التى تحدث فى الوصلات العصبية التى تبدأ فى التكوين داخل الطفل من بداية عمل الحواس الخاصة به وحتى السنة السادسة بشكل كبير وتزيد بعد ذلك حتى يصل إلى اكتمال بنائه بالعناصر كافة.


ففى عشرينيات القرن الماضى بدأت انطلاقة جديدة ومختلفة لفرع جديد من فروع الأدب؛ فرع خاص بالطفل، أدب الطفل الذى لم يكن موجودا قبل هذا العقد من القرن العشرين بزخم يجعل القارئ المصرى بصفة خاصة والأدب العربى يلتفت إليه ويجعله من أساسيات الشراء للمنتج الثقافى المهم، وربما يكاد يكون الأوحد والأبرز وقتها، أخيرا ظهر كتاب للطفل يشتريه الكبار للصغار كهدية تنقل الطفل المصرى لآفاق أخرى.


وفى نهاية العشرينيات، ظهرت أو ل مكتبة متخصصة لبيع أدب الطفل فى مصر وهى مكتبة كامل كيلانى، كما ظهرت أعمال رائد أدب الطفل كامل كيلانى سابقة على إنشاء تلك المكتبة التى تسكن شارع المبتديان الآن مستقرة ومعها دار الهلال كواحدة من أقدم دور النشر المصرية المتخصصة فى الثقافة العامة وأيضا كتاب الطفل.


لا شك أن حركة نشر كتاب الطفل (Fiction. Non-fiction) بدأت بسيطة منذ مائة عام ولكنها فى تصورى لم تأخذ قوتها حتى الآن بالشكل الذى يحقق الطفرة الكبيرة فى القراءة؛ وهناك أسباب منها ما هو مرتبط بثقافة لدى الناشرين تعتقد أن أدب الطفل مجرد «تسالى» أو حكايات أو مجموعة من المعلومات التوعوية الدينية أو الأخلاقية التى لا تتعدى ذلك، علاوة على أنها تدار بدون رؤية استراتجية بناء على أهداف محددة وطويلة الأمد، وظلت طوال الوقت مرتبطة بشخصيات محبة لأدب الطفل أو دور نشر عامة أو خاصة مؤمنة بالقضية، ولعبت الظروف الاجتماعية والسياسية أيضا دورا فى دفعها أو عرقلتها؛ فكان ذلك بمثابة قبلة الحياة لأدب الطفل.


وقد شهد أدب الطفل على يد الأدباء الكبار عبد التواب يوسف ويعقوب الشارونى وأحمد نجيب طفرة جديدة وكانوا بمثابة رواد حقيقيين لجيل ثان، أضافوا الكثير لأدب الطفل من خلال رؤى جديدة وعصرية بعد الرائد الأول كامل كيلانى.


وحدثت هناك طفرة أخرى فى التسعينيات فى نشر كتب الطفل من الهيئات العامة أو الخاصة، وتصدرت المشهد مكتبة الأسرة للكبار وللأطفال أيضا، وتواجدت كذلك بعض المؤسسات الصحفية كى تكون فى مشهد القراءة للجميع وبدأت تُصدر عددا مهما من مجلات الأطفال وقتها؛ ومنها مجلة علاء الدين برئاسة عزت السعدنى ومدير التحرير أسامة فرج من الأهرام ومجلة بلبل (فارس) برئاسة مؤمن زهيرى من أخبار اليوم ومجلة وكتاب قطر الندى من الهيئة العامة لقصور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة برئاسة محمد السيد عيد ومدير التحرير أحمد زرزور وتم دفع مجلة سمير العريقة دفعات للأمام برئاسة جديدة للدكتورة شهيرة خليل من دار الهلال فى بداية الألفية الجديدة.


كان من المفترض مع وجود حركة دافعة لنشر كتب الطفل أن تزيد الحركة أكثر وأكثر، ورغم ضخ المعونة الأمريكية ملايين من الدولارات لشراء وإنتاج كتب للأطفال بشروطها التى قصرت المشاركة فى المشروع على دور النشر الخاصة ولم يكن لدور النشر العامة وحتى المتخصصة منها مثل دار المعارف الأهم والأعرق فى نشر كتاب الطفل أى نصيب. وسيطرت دور النشر الخاصة على المشروع ولم يكن لها بالطبع رغبة بعد ذلك فى نشر كتب للطفل بأسعار لها هامش ربح معقول إلا للمسابقات بعد أن تذوقت حلاوة المعونة والجوائز العربية.

>أرقام مزعجة
وذهبت الكتب لمكتبات بعض المدارس؛ إلا أن الكتب فى تلك الخزانات ظلت مغلقة ولم يستفد منها تلاميذ المدارس نظرا لغلو سعر العهدة على الموظف نظرا لارتفاع سعر الكتاب، فأغلقها الموظف بأقفال تنوء بها العصبة أولو القوة، ولم تشفع زيادة حركة الجوائز المصرية والعربية بمبالغ كبيرة فى زيادة حركة النشر لأنها صارت مرتبطة ببعض الكتب الديجيتال التى لا تستكمل دور النشر طباعتها إلا بعد الفوز!


تلك الأسباب ربما قد تشى بزيادة عدد المنشور من كتب الأطفال، لكن العكس هو الصحيح بناء على الأرقام المزعجة التى حصرتها حركة الإيداع القانونى من دار الكتب والوثائق القومية والتى حددت أن ما يقرب من 900 إلى 1969 رقم إيداع لكتب الأطفال قد خصصت خلال السنوات الثمانية الأخيرة؛ من 2014 وحتى 2021، ربما كان لأحداث 25 يناير وعدم استقرار الوضع السياسى والاقتصادى وجائحة كورونا وأخيرا الحرب الروسية ظلال كبيرة على حركة النشر عامة والطفل خاصة.


والجدير بالذكر أن 1500 دار نشر عامة وما يقرب من 300 دار خاصة تنشر للطفل والكبار؛ منها مؤسسات قومية تنشر عددا كبيرا من تلك الكتب، مما لم يعط طفرة لنشر كتب الأطفال فى تلك السنوات لأن دور النشر الخاصة التى تقدر بالمئات لم تقم بنشر كتب الطفل كما يجب لأنها لم تجد فى هذا النشر ما يزيد أرباحها نظرا لطبيعة التكلفة الزائدة لكتاب الطفل، فبلغ إجمالى ما نشر من الكتب حوالى 9978 خلال ثمانى سنوات وهى موزعة كالآتى: «سنة 2014 (895 كتاباً)، 2015 (1111 كتاباً)، 2016 (986 كتاباً)، 2017 (1194 كتاباً)، 2018 (1454 كتاباً)، 2019 (1969 كتاباً)، 2020 (1257 كتاباً)، 2021 (1112 كتاباً). 


وبقراءة وتحليل تلك الأرقام لو قسمنا هذا العدد على ما يقرب من حوالى 1500 دار نشر سيكون نصيب هذه الدور نشر ما يقل عن كتاب واحد سنويا لكل دار!! ولو قسمنا هذا العدد على الدور التى تنشر للطفل إضافة للنشر العام وعددها يقترب من 300 دار نشر بما فيها دور النشر العامة التى تنشر أكبر عدد من تلك الكتب دون النظر للجوائز العربية التى تجيد بعض دور النشر الخاصة اصطيادها، فسيكون نصيب الدور المتخصصة حوالى أربعة كتب وربع كتاب سنويا.


واستكمالا لحركة النشر الخاصة بالطفل؛ فداخل مصر تصدر حاليا 6 مجلات موجهة للأطفال دائمة الصدور من سن 9-16 عاما وتصدر عن وزارة الثقافة والمؤسسات القومية والوزارات، وتبذل تلك المجلات والمؤسسات دورا مهما وكبيرا بل وخارقا لكى تصدر فى موعدها وهى موزعة كالآتى: مجلة قطر الندى الصادرة عن هيئة قصور الثقافة، وهى نصف شهرية، وتطبع حوال 10 آلاف نسخة، مجلة علاء الدين الصادرة عن مؤسسة الأهرام، وهى مجلة شهرية، «مجلة سمير» الصادرة عن دار الهلال وهى مجلة أسبوعية تطبع 10 آلاف نسخة، مجلة «فارس» وهى مجلة شهرية تصدر عن مؤسسة أخبار اليوم وتطبع 5 آلاف نسخة شهريا، مجلة «نور» الصادرة عن الرابطة العالمية لخريجى الأزهر وتطبع 10 آلاف نسخة شهريا، وأخيرا مجلة «الفردوس» الصادرة عن وزارة الأوقاف وتطبع 10 آلاف نسخة شهريا.


كما يوجد عدد من سلاسل كتب للأطفال تصدر عن وزارة الثقافة والمؤسسات الصحفية المختلفة التى تعتبر إضافة مهمة وجادة لحركة أدب الطفل، علاوة على النشر العام بتلك المؤسسات والسلاسل الخاصة النوعية، ويحدث ذلك من الإيمان بأدب الطفل بعيدا عن حسابات المكسب والخسارة التى تحرك بالطبع كل دور النشر الخاصة بشكل كبير وأساسى، وتمنعها تلك الفلسفة عن المغامرة بنشر ورقة واحدة من أى كتاب للطفل إلا بعد حساب المكسب والخسارة لأنه فى الواقع كتاب مكلف فى الطباعة وفى التجهيزات الخاصة به وكذا العقود المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية للكتاب أو الرسامين والمخرجين للكتب.


 وبتحليل تلك الأرقام التى ذكرتها نكتشف أن المؤسسات الوطنية الحكومية هى التى تتحمل عبء إصدار هذه الكتب والمجلات الدورية وبأسعار مدعومة، نظرا لأنها غير هادفة للربح المادى ولكنها تهدف إلى بناء الطفل المصرى فى المقام الأول.

حلول مطروحة
وعليه فإن الكتب الصادرة فى مصر غير كافية للطفل ولا تتناسب مع تعداد الأطفال الموجودين، علاوة على أنها غير مناسبة وقليلة جدا لمرحلة الطفولة المبكرة، كما لا يوجد اهتمام نوعى بالمعارف والمعلومات الخاصة بالطفل فى المراحل المتنوعة؛ فكتب الطفل تنقسم إلى كتب الخيال وكتب المعلومات التى يجب أن تتواجد على أرفف مكتبات الأطفال وبين يدى الأطفال الذين يعشقون القراءة. 


 > وعليه يُقترح عدد من الأمور يُعتقد أنها ضرورية لدفع حركة نشر أدب الطفل فى مصر منها:  
-إصدار مجلة متخصصة لسن ما قبل المدرسة (4-6) تكون مدعومة من مؤسسات الدولة وواسعة الانتشار وموجودة بالحضانات بالتضامن ورياض الأطفال بالتربية والتعليم، والجدير بالذكر أن هذا المقترح يأتى ضمن الخطة التنفيذية لاستراتجية الطفولة المبكرة التى يشرف عليها المجلس القومى للطفولة والأمومة والتى لم تطلق حتى الآن وفى انتظار إطلاقها فى أقرب وقت. 


> دعم المالية لزيادة دورية الصدور لمجلة قطر الندى التى تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة لتكون أسبوعية بدلا من نصف شهرية لتسد العجز الكبير فى دورية الصدور الأسبوعى من المجلات فى مصر والعالم العربى. 

> عودة دورية صدور كتاب قطر الندى من قصور الثقافة لنصف شهرية بواقع 24 كتابا فى السنة. 
>زيادة عدد الكتب والنسخ من الدوريات المختلفة من المركز القومى لثقافة الطفل لتسد العجز الكبير من كتب الطفل التى تصدر من دور النشر.  
> زيادة عدد الكتب والنسخ الصادرة من الهيئة العامة للكتاب من خلال مشروع لنشر كتب الطفل الصادرة عن الهيئة، يراعى فيها التنوع والمراحل العمرية.
> إتاحة الكتب الورقية المنشورة رقميا على مواقع وزارة الثقافة مجانا لسد العجز ولمراعاة الأبعاد الوطنية؛ فكثير من الدور التى تنشر للطفل لها ثقافة دينية قد يكون بعضها متشددا، لذا وجود نشر آمن للطفل من خلال دور النشر العامة والمؤسسات الصحفية الوطنية العاملة فى هذا غاية فى الأهمية وضرورة ملحة.

> تزويد مكتبات الطفل بوزارة الثقافة والتربية والتعليم والشباب والرياضة بالكتب التى تصدرها الوزارة والمؤسسات المتخصصة فى نشر الطفل مثل دار المعارف والهلال ومجلة فارس وعلاء الدين وسمير.

> التوسع فى برتوكول وزارة الأوقاف مع الهيئة العامة للكتاب مع سلسلة رؤية ومن يريد من الوزارات الأخرى للتعاون فى نشر كتب الطفل.
>الدعوة من خلال وزارة الثقافة لتخفيض الرسوم والجمارك على مستلزمات كتب الطفل مقابل نشر عدد من الكتب يكون مرضيا ومناسبا لمقدار التخفيض من دور النشر التى تحصل على التخفيض.


وأخير أود أن أقول أن المركز القومى لثقافة الطفل لعب منذ عام 2019 وحتى الآن دورا مهما فى نشر كتب وبحوث الطفل بعدد يقترب من 120 كتابا متنوعا فى كل فروع أدب الطفل وبحوثه، القصة والرواية والشعر والمسرحية والرموز وإبداعات الطفل وتبسيط الروايات العالمية ومجلد ثقافة الطفل وسلسلة بحوث الطفل وسلسلة التوثيق والكتب العلمية والكتالوجات وكتب المؤتمرات والبوسترات التوعوية. 


والجدير بالذكر أن النسبة المئوية لما صدر من المركز خلال السنوات الثلاث السابقة (19-21) يساوى مقدار ما يزيد علي  خُمس (20%) مما صدر عن المركز طوال 42 عاما منذ أن أنشئ المركز بالقرار 130 لسنة 1980.


وعليه فإن مؤسسات وزارة الثقافة والمؤسسات الصحفية الحكومية تتحمل العبء الكبير لنشر أدب الطفل، وأمام تراجع دور النشر الخاصة عليها أن تزيد من الكم والكيف المقدم للطفل حتى تقتنع دور النشر الخاصة بأهمية ومسئولية نشر كتب الطفل، وتجد لها سبيلا للربح يساعدها فى تحمل ذلك، ومن الممكن أن ينقلب الوضع وتقوم الحكومة ممثلة فى كل هيئاتها العاملة فى الطفل بدعم شراء وتزويد مكتبات الطفل الخاصة بها والتوقف عن الطباعة ويقتصر دورها على الدعم والرعاية فقط، وتلك رؤية تفضل دعم كل كتاب للطفل من الوزارات المعنية ولو بمبلغ محدد أو شراء عدد من النسخ.


 لا شك أن المسألة تحتاج للحوار والنقاش بين كل الأطراف للوصول لحل يصب فى مصلحة أدب الطفل والطفل المصرى فى النهاية، ومن الممكن أن يتولى هذا الحوار المركز القومى لثقافة الطفل بالتعاون مع اتحاد الناشرين المصريين ومركز بحوث وتوثيق أدب الطفل ولجنة ثقافة الطفل بالمجلس الأعلى للثقافة وآخرون.  

اقرأ ايضا

سماح أبوبكر عزت: عملي بمجال أدب الطفل لم يكن قرارًا

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة