عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

ما هو أكثر خطورة .. تطبيع تدريجى لتداعيات الجائحة والحرب

الأخبار

السبت، 11 يونيو 2022 - 07:51 م

عبدالله البقالى

ليس وحده فيروس كورونا الذى نجح فى تطبيع علاقاته مع الأفراد والجماعات، ولم يعد شبحا مخيفا فرض ظروف عيش استثنائية طيلة أكثر من سنتين كاملتين، بما خلف ذلك من خسائر فى الأرواح البشرية ومن تكاليف اقتصادية هائلة. وليس وحدها الحرب التى انتظرت إلى أن تراجعت شراسة فيروس كورونا وضعفت قوة فتكه بالأشخاص لكى تندلع، والتى تبدو أنها من حيث الشكل تدور بين جارين جمعت بينهما الجغرافيا وباعدت بينهما الحسابات السياسية، بيد أنها فى الجوهر وفى العمق تجرى أطوارها المدمرة بين القوى العظمى التى لم يتوان صراعها و تنافسها الشرس على مناطق النفوذ فى العالم وعلى إدارة شئون الاقتصاد العالمي.

ليس هذه الحرب وحدها من دخلت مرحلة التطبيع إلى أن صارت أحداثها، التى كانت مرعبة فى بدايتها و تحتل باستمرار وطوال اليوم واجهة اهتمامات وسائل الإعلام فى مختلف بقاع المعمور، وفرضت على أطرافها الحقيقية الإسراع باتخاذ رزمة من القرارات والتدابير التى لم تختلف عما عاشه العالم إبان ضراوة الجائحة من حيث العزل والحصار، لكن هذه المرة فى حق طرف واحد فقط، إلى أن صارت هذه الأحداث اليوم، التى زادت حدتها و تنامت خطورتها، جزءا من الحياة اليومية العادية للمواطن فى مختلف أنحاء العالم، و تحولت إلى الأخبار اليومية المعتادة متجهة إلى أن تصبح مشابهة كثيرا لأخبار أحوال الطقس وأسعار صرف العملات. و بدا واضحا اليوم أن الحسابات المكشوفة لأطراف الحرب لم تكن دقيقة ولا سليمة، وأن توقعات أجهزة الجيوش والاستخبارات العسكرية  والأمنية للأطراف كافة لم تكن محسوبة بالدقة لخوض مثل هذه الحروب الضارية والمدمرة. فالواضح أن كل طرف كان يتوقع حسم الحرب فى بدايتها،

وأن الطرف الآخر غير قادر على مواجهة الحرب متوسطة أو بعيدة المدى، بل إنه ما إن تطلق الرصاصة الأولى سيضطر الطرف الآخر إلى رفع الراية البيضاء. أو قد تكون الجاهزية والحدة التى تعاملت بها الأطراف المباشرة وغير المباشرة مع ظروف وشروط هذه الحرب وراء المأزق الذى قادت إليه التطورات المتلاحقة والمتسارعة إلى أن أضحت أطرافها متورطة فى حرب لا تجد حاليا سبيلا ولا مخرجا يخلصها منها. و لعل كل طرف من القوى العظمى المشاركة فى هذه الحرب يفكر اليوم فى عدم تمكين خصمه من تحقيق النصر قبل أن يفكر فى تحقيق النصر لفائدته. ثم لأن الحرب الجارية لا تبتعد كثيرا عن مفهوم و طبيعة الحرب العالمية الكبرى التى تقوم و تنشب بين القوى العظمى المؤثرة فى الأوضاع العالمية بسبب حسابات و اعتبارات و أسباب تستند إلى صراع المصالح و المنافسة الحادة على مناطق النفوذ فى العالم، وهذا ما ينطبق بالتحديد وبالتدقيق على هذه الحرب.


ليس وحدها هذه الحرب التى دخلت رزنامة الحياة اليومية العادية، ولا فيروس كورونا قبلها، بل الأهم و الأدهى من كل ذلك أن التداعيات الخطيرة المترتبة عن مرحلة الجائحة وعن الحرب القائمة بين الجيران الأعداء سلكت طريقها المعبد نحو التطبيع العادي، مؤشرة على تطورات و توقعات غير مسبوقة فى التاريخ المعاصر، دون أن ينجح أحد، بما فى ذلك، ليس أطراف الحرب، بل كذلك المنتظم الأممي، والمنظمات الدولية المختصة وغير المختصة فى عزل مخلفات كورونا، ولكن خصوصا تداعيات الحرب عن المعطيات المرتبطة بالاستقرار والأمن فى العالم. ولم تعد الحرب تقتصر على مواجهة عسكرية مسلحة بين أطراف متحاربة، بل امتدت وانتشرت لتطال قضايا الأمن الغذائى العالمى والهجرة القسرية ومجالات وقطاعات أخرى لا تقل أهمية. والواضح أن أطراف هذه الحرب تيقنوا أنها لن تحسم بالمواجهة العسكرية المباشرة، و أنه لا بد من استخدام جميع الأساليب و الأدوات فى محاولة لإضعاف الخصم و إنهاكه اقتصاديا لإجباره على رفع راية الاستسلام. وهكذا سارعت أطراف الحرب إلى إعلان قرارات عقابية مالية واقتصادية ضد بعضها البعض، وتعمدت إحداث اختلالات عميقة وقوية فى سلاسل الإنتاج والتوريد والتصدير والتسويق، وفى الأنظمة المالية والجبائية العالمية، وغير ذلك كثير من التدابير والإجراءات التى تراهن عليها أطراف الحرب فى عملية الحسم. و هكذا وجدت الحياة البشرية نفسها رهينة حسابات وأدوات الحسم فى الحرب، وهذا ما يفسر بكل تأكيد الزيادات المهولة فى أسعار العديد من المواد الاستهلاكية،

وفى المواد الطاقية، ومواد البناء، والنقل والخدمات وغيرها كثير ومتعدد. وبالتالى فالذى اليوم هو بصدد تحقيق التطبيع ليصبح جزءا عاديا ومكونا طبيعيا من مكونات الحياة البشرية اليومية. وهكذا لم يعد غريبا أن تستيقظ الشعوب كل صباح على زيادات مهولة فى أسعار العديد من المواد الاستهلاكية و الخدمات، وعلى ندرة مواد كثيرة أخرى. ولم تعد صادمة رزمة من القرارات اتخذتها حكومات دول منتجة لمواد استهلاكية ضرورية للأمن الغذائى والقاضية بتقليص حجم الصادرات من هذه المواد، إن لم يصل الأمر فى بعض الحالات إلى توقيف ومنع تصديرها تحسبا من الزمن القاسى الذى تؤشر تطورات الحرب على قدومه.


والخلاصة أن النتيجة لم تقتصر على حدوث الأزمة الصحية العالمية الخطيرة، ولا على إعلان نشوب حرب خطيرة تعود بنا إلى زمن الحربين العالميتين الأولى والثانية، بل ما هو أكثر خطورة هذا التطبيع الذى يستتب بين الشعوب، ويتعلق بالأمن الغذائى العالمي، وبالتالى شبح المجاعة الخطيرة التى أضحت تتربص بشعوب العالم كافة، وخصوصا شعوب دول العالم الثالث والأخرى السائرة فى طريق النمو.
إن هذه التطورات الكبيرة والعنيفة التى عاشتها البشرية، ولاتزال تعيشها أفضت إلى التطبيع التدريجى للتداعيات التى تهدد مستقبل البشرية فوق البسيطة.
 

 


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة