علاء عبد الكريم
خيانتهم ثابتة
الثلاثاء، 21 يونيو 2022 - 10:40 ص
خرجوا قبل طلوع النهار..؛
مثلما سجل التاريخ سنة 1882، احتلال بريطانيا لمصر، أيضًا سجل وبكل فخر ومع قيام ثورة 23 يوليو عام 1952، بقيادة تنظيم الضباط الأحرار، ثورة كان هدفها الرئيسي تطهير الأراضي المصرية من الاحتلال الإنجليزي؛ حتى جاء اليوم الذي رحل فيه جنود المحتل وفقًا لما نصت عليه اتفاقية جلاء الإنجليز عن مصر، التي وقعها رجل يوليو القوي الراحل جمال عبدالناصر مع اللورد «ستانسجيت»، في 19 أكتوبر عام 1954، ليتم تنفيذها في 18 يونيو 1956. وتم تنفيذ الاتفاقية بخروج 80 ألف عسكري إنجليزي من منطقة تمركز في قناة السويس، على خمس مراحل، مدة كل مرحلة أربعة أشهر تنتهي بعد 20 شهرًا كاملة، حتى جلاء آخر جندي إنجليزي قبل طلوع الشمس، وأزالت القوات البريطانية أعلامها من آخر نقطة لها في مصر، وهو مبنى البحرية في بورسعيد، وهو أول مبنى قاموا باحتلاله عام 1882، ليكون بذلك يوم الخروج عيدًا قوميًا تحتفل به مصر كل عام وسمي بعد ذلك «عيد الجلاء».
وقفت طويلًا ليس أمام أبطال معركة الجلاء والتحرير فقط، والتي سجلها التاريخ بكل أمانة ودقة، عبر صفحات وصفحات متحدثًا فيها عن أبطال قدموا تضحيات جسيمة، استرخصوا دماءهم الذكية في سبيل عزة كل ذرة من تراب مصر، بعد كفاح استمر 74 عامًا عندما أعلنت الحكومة البريطانية في 28 يونيو عام 1882 قرارًا باحتلال مصر وهاجمت مواقع الجيش المصري بمنطقة التل الكبير بالإسماعيلية.
حكايات وبطولات دفع ثمنها ثائرون أبطال المقاومة الشعبية؛ وهل ينسى التاريخ المناضل عبد الرؤوف عدس، صحفي برتبة فدائي، الأب الروحي للفدائيين، حيث كان بشهادة ابنه – عبد الوهاب - يدعمهم ماديًا واجتماعيًا وكان يساعدهم بإخفاء الاسلحة داخل مكتبه الصحفي بالإسماعيلية، حيث لا يتصور جنود الاحتلال أن مكتب جريدة يمكن أن يتحول إلى مقر قيادة الفدائيين الخفي، ومنحته القوات المسلحة وقتها رتبة عسكرية تقديرًا وتكريمًا لدوره الوطني.
ولأننا نحتفل هذه الأيام بمرور 66 عامًا على جلاء آخر جندي إنجليزي من منطقة قناة السويس، علينا- مضطرين- أن نتذكر تاريخًا نكرهه، لا لشيء ولكن وكما قال المولى في محكم آياته؛ «ولتستبين سبيل المجرمين»، أنهم عصابة الإخوان، نتذكر كيف سقطوا في متاهات الانحراف المظلمة التي تتعذر معها رؤية أبعاد الهاوية التي كانوا يريدون زج البلاد فيها، وهذا ليس بغريب عن جماعة خططوا لسلب حريتنا باسم الدين، وبالتالي لم يكن مستغربًا أن يعارضوا اتفاق الجلاء؛ فقبل توقيع الاتفاقية اختفى الهضيبي المرشد الثاني لإخوان الشياطين؛ لبيدأ حربه الكريهة ضد اتفاقية الجلاء معلنًا في سوريا التي سافر إليها سرًا في منشورات وزعت على جماعته في 12 سبتمبر سنة 1954، عداءه السافر لاتفاقية الجلاء وللثورة، وهدد بتقويض اتفاق الجلاء، وكان عبد الحكيم عابدين – راسبوتين الجماعة وصاحب أكبر فضيحة أخلاقية في تاريخ العصابة الإجرامية، وهي التحرش بنساء الإخوان وحاول وقتها مؤسس شجرة الإرهاب الأول في العالم البنا تبرئة زوج شقيقته–سكرتير هذه الجماعة، وسعيد رمضان قد وصلا إلى دمشق يوم 8 سبتمبر سنة 1954، وقد اختتم أقطاب الشياطين مؤتمرهم في دمشق بتوجيه الاتهامات للزعيم الراحل عبد الناصر واتفاقه مع الانجليز، بأنه عقد اجتماعات سرية مع مندوبي إسرائيل في عام 1953، وادعوا أن لديهم معلومات بأن الولايات المتحدة اشترطت على جمال عبد الناصر أن يعترف بإسرائيل في مقابل تقديم مساعدات عسكرية لمصر وجلاء الانجليز من البلاد، وندد أولياء الشياطين في سوريا والعراق والأردن باتفاق الجلاء، وقد اصدر وقتها وزير الإرشاد الراحل صلاح سالم بيانًا قال فيه؛ «أنه من المؤلم حقا أن تُطعن مصر في ظهرها الطعنة تلو الأخرى وهي تخوض أخطر مرحلة في تاريخها الحديث، إذ تفعل هذه الجماعة التي تلجأ إلى حرب الأكاذيب فعلتهم ثم لا يتورعون عن القول بأن الله سبحانه وتعالى قد أمرهم بهذا».
ولأن نصوص القرآن ووقائع السيرة النبوية لديهم لتبرير شرعية الغدر والخيانة والقتل والاغتيال والارهاب، لفوا الدين وفعلوا مثلما فعل اليهود مع نبي الله موسى، ووضعوه في تابوت دفنوه واستراحوا؛ ففي الوقت الذي هاجم فيه الإخوان اتفاق الجلاء وشككوا فيه؛ سعوا في الظلام – وهم من يعشقون الحياة تحت الأرض مثل الديدان- إلى الاتصال بالإنجليز والتفاوض معهم وعرضوا عليهم شروطا للجلاء تقل كثيرًا عما تمسك به الجانب المصري، والهدف الشرير من ذلك واضح لا يحتاج إلى تفسير؛ فقد أرادوا أن يقنعوا الإنجليز بأنهم أكثر ليونة من السلطة الحاكمة، وأنهم يمكن أن يرضوا الإنجليز إلى حد كبير وبالطبع مقابل معاونة الإنجليز لهم للوصول للسلطة، وقد حاولت السفارة البريطانية أن تستر خيانة الإخوان واتصالهم بها؛ ولكن تقارير الأمن وقتها أثبتت فوق كل شك هذا الاتصال، وقد شوهدت سيارة حسن العشماوي تحمل أرقام «17284» ملاكي مصر عدة مرات أمام منزل مستشار السفارة البريطانية، على سبيل المثال مرة يوم الجمعة 8 يناير سنة 1954، من الساعة السابعة صباحًا إلى الساعة التاسعة صباحًا، وفي نفس اليوم من الساعة الرابعة مساءً حتى الساعة الحادية عشرة مساءً.
فما أشبه الليلة بالبارحة؛ إن الخط الذي تسير عليه عصابة الإرهاب واحد في جوهره وأهدافه ووسائله، بل وفي الكثير من تفاصيله ودقائقه.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة