الأمن الغذائى يصعب التحول للأخضر
الأمن الغذائى يصعب التحول للأخضر


أزمة المناخ.. استثمار مربح..فرنسا وفنلندا يؤيدان الطاقة النووية وألمانيا والسويد يعارضانها

آخر ساعة

الخميس، 21 يوليه 2022 - 05:43 م

كتبت: دينا توفيق

معادلة صعبة تواجه العالم الآن، وهى ملف الطاقة بين الاحتياج الفورى لمصادر طاقة غير متجددة وتلبيه احتياجات قارة بأكملها وبين الانتظار والتحول لطاقة متجددة صديقة للبيئة، إنتاجها لن يكون كافيًا الطلب عليه الآن وسيستغرق سنوات وتكاليف باهظة، وربما يحمل أضرارًا مستقبلية على البيئة.. عقبة وأزمة أظهرتها العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا مع اعتماد أوروبا على 25% من النفط وما يقرب من 40% من الغاز الروسي، لذلك لم يعلن الغرب عن فرض حظر كامل على قطاع الطاقة الروسي..  تسعى أوروبا والولايات المتحدة إلى التخلّص التدريجى من إمدادات الغاز الروسي بحلول عام 2027، ومن ناحية أخرى للحد من الانبعاثات الكربونية ومواجهة التغييرات المناخية.

 

إنتاج الطاقة النووية يستغرق وقتا وهو ما يتعارض مع خطة أوروبا لتقليل الاعتماد على غاز روسيا

 

كان المستثمرون حريصين على إظهار أوراق اعتمادهم الخضراء من خلال تجنب الصناعات كثيفة الكربون، إلا أن تكلفة إشارات الفضيلة أصبحت واضحة الآن، ومهدت الطريق إلى الجحيم، وفقًا للمحلل الاقتصادى "فريدريك جويرينك". خلقت المخاوف من ظاهرة الاحتباس الحراري حماسًا هائلاً "للاستثمار الأخضر" على مدى السنوات القليلة الماضية.

 

وجدت الصناعات التى عززت هدف خفض الانبعاثات، مثل الطاقة المتجددة، أنه من الأسهل زيادة رأس المال؛ حيث خصصت المؤسسات المالية المزيد من الأموال للممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات «ESG»، تلك المؤسسات التى تدعى أنها تتبع مبادئ ESG تدير الآن 6٫1 تريليون دولار، وهو ما يمثل 10% من أصول الصناديق فى جميع أنحاء العالم، ومعظمها فى أوروبا.

 

أظهر مديرو إدارة الأصول أنهم على استعداد لاستخدام قوتهم لتغيير الاقتصادات هيكليًا؛ حيث يمتلك أكبر خمسة مديرين للاستثمار - بلاك روك وفانجارد ويو بى إس وستيت ستريت وفيديليتى - أصولًا مجمعة تبلغ 22٫5 تريليون دولار، ما يمنحهم نفوذا هائلًا إذا عملوا معًا، ووفقًا لمجلة "جاكوبين" الأمريكية، بالنسبة لشركات مثل "بلاك روك"، تعتبر أزمة المناخ فرصة استثمارية قيّمة.

 

لقد وضعوا أنفسهم لكسب المال بغض النظر عن كيفية معالجة الحكومات لتغير المناخ؛ حيث أعلن الرئيس التنفيذى لشركة "بلاك روك" العملاقة لإدارة الأصول "لارى فينك" خلال رسالته عام 2020 فى المنتدى الاقتصادى العالمي، أن "مخاطر المناخ هى مخاطر استثمارية"؛ واتفق معه كلٌ من الرئيس التنفيذى لشركة ستيت ستريت "رون أوهانلي" والرئيس التنفيذى لفانجارد "تيم باكلي"؛ حيث ستفوز هذه الشركات من خلال الاستثمار فى الصناعات والتقنيات الخضراء، وستبيع منتجات استثمارية "بيئية، واجتماعية وحوكمة"، أوESG، لأولئك الذين يريدون أن يشعروا بتحسن بشأن كيفية جنى أموالهم، لكن هذه الشركات ستواصل أيضًا الاستثمار فى النفط والغاز والفحم، وستقدم خدمات استثمارية تشمل الصناعات الملوثة للبيئة؛ نظرًا لكونها أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة للطريقة التى يعمل بها العالم مع أزمة المناخ.

 

إقرأ أيضًا

الرئيس السيسي: مصر تستهدف الربط الكهربائي مع عدد من دول المنطقة

وتشمل القطاعات التى تنبعث منها كميات كبيرة من ثانى أكسيد الكربون مثل المعادن والمواد الكيميائية والزراعة والنقل، التى لا يمكن استبدالها على الفور؛ 80% من الطاقة المستهلكة فى العالم لا تزال تتولد من الوقود الأحفوري، وبينما كان فينك يؤكد على أهمية حل مشكلة تغير المناخ، فإن شركته لم تتردد فى التزامها تجاه النفط والغاز والفحم؛ حيث استثمرت شركة بلاك روك 259 مليار دولار فى الوقود الأحفورى حول العالم. وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن أكثر من 25 منظمة غير حكومية، تظل شركة بلاك روك أكبر مستثمر مؤسسى منفرد فى مجال الفحم، حيث تم استثمار ما يقرب من 109 مليارات دولار فى هذه الصناعة.

 

ووفقًا لصحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية، تدير بلاك روك ما يقرب من 60% من جميع الأصول العالمية المستثمرة فى صناديق الاستثمار المتداولة تحت عنوان ESG، وتنتج الرمال النفطية الكندية بعضًا من النفط الخام الأكثر كثافة فى العالم من حيث انبعاثات الكربون، لكن حصص إمبريال أويل والموارد الطبيعية الكندية آخذة فى الارتفاع، مما يعكس الاهتمام المتجدد من قبل المستثمرين فى هذا القطاع. وفى أكتوبر الماضي، حذرت عدة دول أوروبية من انقطاع التيار الكهربائى وارتفعت أسعار الكهرباء بسبب انخفاض توليد طاقة الرياح.

 

كما ارتفعت أسعار الغاز الطبيعى لمحطات الطاقة التى تعمل بالغاز واحتياطى الرياح أيضًا، وانخفضت المخزونات إلى أدنى مستوياتها. إن عدم اليقين بشأن ما إذا كانت روسيا يمكنها أن تغلق الصنبور فى أى لحظة قد أظهر بالفعل العيوب القاتلة فى سياسة الطاقة الأوروبية، فى القارة الأوروبية، اضطرت بعض المصانع إلى إيقاف الإنتاج أو الحد منه، ما أدى إلى تفاقم مشكلات سلسلة التوريد. بينما بدأ البعض الآخر فى شراء مولدات الوقود الخاصة بهم للخروج من الشبكة على الفور.

 

واتخذت بولندا نهجًا مختلفًا؛ حيث قررت الحكومة استمرار استغلال منجم "تورو" للفحم بالقرب من الحدود مع جمهورية التشيك، وستتجاهل غرامة قدرها 50 ألف يورو يوميًا يفرضها الاتحاد الأوروبى للقيام بذلك. يولد الفحم دون تكاليف باهظة 75% من الكهرباء فى بولندا ولكنه شديد التلوث، وسيستغرق الانتقال إلى الطاقة النووية بضع سنوات.

إقرأ أيضًا

الأولى على الجمهورية في مسابقة تكنولوجية: أسعى لتحقيق أهداف التنمية

بولندا ليست الدولة الوحيدة التى قررت تفضيل زيادة التلوث على نقص الطاقة. أعلنت الصين، التى ضاعفت إنتاجها من الفحم ثلاث مرات منذ عام 2000، فرض حظر على صادرات الفحم وزيادة الاستثمارات فى التعدين لضمان أمن الطاقة. الحقيقة هى أن الاستهلاك العالمى السنوى للفحم لا يزال يبلغ 8٫5 مليار طن ولم ينخفض كثيرًا فى السنوات الأخيرة.

هذا هو السبب فى أن شركة التعدين «جلينكور» تراهن على أن الفحم لن يتم الاستغناء عنه، خاصة بعد ارتفاع سعر سهمها بنسبة 50%. قد تكون الطاقة النووية الرابح الأكبر الآخر، التى توفر حوالى 30% من الكهرباء منخفضة الكربون فى العالم.

 

ولكن لا يزال الاتحاد الأوروبى يناقش تصنيف بعض المشاريع النووية على أنها خضراء؛ هناك تساؤلات حول ما إذا كانت أى طاقة تترك نفايات سامة يتم تخزينها لآلاف السنين يمكن أن تكون صديقة للبيئة، لكن هذا القرار يوضح حدود دلالات ESG والمخاطر التى تتعرض لها الاقتصادات من نفاد الطاقة بأسعار معقولة.

 

فى مؤتمر صحفى عقد مؤخرا، سُئل نائب الرئيس التنفيذى للاتفاقية الخضراء الجديدة للاتحاد الأوروبى "فرانس تيمرمانز"، عن الطاقة النووية حيث لم يتم تضمينها فى الوثائق المكتوبة.

وقال تيمرمانز، وفقًا لنص قدمه متحدث باسم المفوضية الأوروبية لشبكة CNBC الأمريكية، إن الاعتماد على الطاقة النووية يجب أن يكون مصحوبًا بتراكم متساوٍ من مصادر الطاقة المتجددة.

 

لا تنبعث أى غازات دفيئة ضارة عند توليد الطاقة النووية، لكن بناء محطتها قد يؤدى إلى بعض الانبعاثات ويخشى من مخاطر الحوادث وكيفية تخزين النفايات النووية المشعة. كانت الطاقة النووية دائمًا موضوعًا صعبًا بالنسبة للاتحاد الأوروبى حيث إن بعض البلدان، مثل فرنسا وفنلندا، مؤيدة لها ودول أخرى، مثل ألمانيا والسويد، تعارضها. وبغض النظر عن الانقسام العام، فإن تكثيف الطاقة النووية يستغرق وقتًا، وهو ما لا تملكه أوروبا فى خطتها لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي.

وترى مؤسسة "جرين أمريكا" الناشطة فى مجال البيئة وأزمة المناخ، أن الانتقال من الوقود الأحفورى إلى الطاقة النووية ليس حلًا للمناخ؛ فقد ينتج طاقة منخفضة الكربون، لكن هذه الطاقة تأتى مع قدر كبير من المخاطر؛ منها الانشطار النووى والنفايات التى تظل مشعة لعشرات إلى مئات الآلاف من السنين، ولا توجد حلول تخزين طويلة الأجل للنفايات، ويتم تخزين معظمها فى منشآت مؤقتة فوق الأرض. يمكن أن يؤدى الخطأ البشرى والكوارث الطبيعية إلى حوادث خطيرة ومكلفة، مثل كارثة تشيرنوبيل فى أوكرانيا عام 1986 التى أدت إلى وفاة 30 شخصًا وكان لها آثار صحية سلبية على الآلاف فى جميع أنحاء روسيا وأوروبا الشرقية.

وفى فوكوشيما باليابان، أدت ثلاثة انهيارات نووية فى محطة للطاقة إلى تسريب مواد مشعة فى المنطقة المحيطة عام 2011. فى كلتا الكارثتين، تم نقل مئات الآلاف، وإنفاق ملايين الدولارات، ويتم تقييم الوفيات المرتبطة بالإشعاع وارتفعت معدلات الإصابة بالسرطان بين السكان الذين يعيشون بالقرب من تشيرنوبيل وفوكوشيما، وخاصة بين الأطفال، بشكل ملحوظ فى السنوات التى أعقبت الحوادث.

وتشير الدراسات إلى أنه من أجل تلبية احتياجات الطاقة الحالية والمستقبلية، سيتعين على القطاع النووى توسيع نطاقه إلى حوالى 14500 محطة، كما أن فى المستقبل سيصعب الوصول إلى اليورانيوم، وقود المفاعلات. لذا فإن الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة الأخرى هى حلول مناخية أكثر أمانًا وأقل إهدارًا ولكن تحتاج استثمارات هائلة.

ويريد العالم الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفورى إلى الطاقة الخضراء، لكن الحقيقة الصعبة هى أن الوقود الملوث لن يزول أو يقل الاعتماد عليه فى القريب؛ حيث إن إجمالى المتوافر من الطاقة المتجددة آخذ فى الازدياد لكن الزيادة لا تزال أقل من الزيادة فى الطلب العالمي.

كما سيؤدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتهديدات الجيوسياسية إلى إعادة تقييم هذه الخطط، مع التركيز بشكل أكبر على الأمن الغذائي، ما سيكون مثالًا آخر على مدى صعوبة التحول إلى الأخضر مع الاستمرار فى تلبية الاحتياجات الأساسية للعالم.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة