د. حسام محمود  فهمى
د. حسام محمود فهمى


شجون جامعية

المفهومية للجميع

الأخبار

الأحد، 24 يوليه 2022 - 08:42 م

المفهومية ببساطةٍ هى القُدرةُ على فهمِ الأمور وتحليلِها ومن ثم اتخاذُ القرارِ الصائبِ. ‏من المفترض أن الجامعاتِ هى مراكزُ البحثِ وهى رائدةُ الرأى العلمى السليم. ‏لكن مع الأسفِ فإن بابَ النجارِ يبدو مُخَلعًا جدًا وأحيانًا غيرَ موجودٍ أصلًا.


‏أى موضوعٍ أو مشكلةٍ لو عُرِضَت على أساتذةِ الجامعةِ المُنزهين عن عشقِ الكُرسى والمُكافآتِ والسفريات، فإنهم بدونِ شكٍ قادرون على تناولِها بمنطقٍ صائبٍ عفيفٍ. ‏لكن البَلايا أن كثيرًا من الأمور تتولاها لجانٌ مؤبدةٌ، فيها من أدمنوا الاِستمرارَ واستوطنوها لعقودٍ دون أن يَدخُلوا مُجردَ محاضرةٍ. أليسوا من ‏يُطوِرون التعليمِ مع صبيانٍ لهم ينتقونهم بمواصفاتٍ مُحددةٍ؟ ‏ألا يلبث الصبيانُ أن يكبروا وينتشروا على نفس المَسلكِ؟ دائرةٌ مُغلقةٌ بإحكامٍ، ‏لا يمكنُ فتحُها ولا يَقربُها غريبٌ. ألا تفرضُ هذه اللجانُ نفسَها على صانعِ القرارِ الذى عادةً يَلعبُ على المضمونِ فلا يُجازفُ بتغييرِها؟ والنتيجةُ عنترياتٌ تُفرَضُ كمُسلماتٍ لا تجوزُ مناقشتُها.


‏برامجُ الساعاتِ المُعتمدةِ، تعليمٌ سَطحى مُبتسرٌ، فُرِضَ دون ملاءمةٍ للإعدادِ الكبيرةِ بما تَطَلَبُه من أعضاءِ هيئةِ تدريسِ ومدرجاتٍ ومعاملٍ وغيرِه، وحتمًا ستتفاقَمُ مشكلتُه بعد العودةِ من وباءِ كورونا. ‏جودةٌ كاذبةٌ لا تُحققُ فائدةً للتعليمِ بل تَستهلكُ مكافآتٍ وتجلِبُ سُخطَ أعضاءِ هيئة التدريسِ وضَجَرَهم وتَفرِزُ جيلًا من الطلابِ مُتبرمًا شاكيًا مُتنَمِرًا. ‏اللوائحُ ومنها الدراساتُ العليا تُغيَّرُ دون الرجوعِ للأقسامِ، ولمجردِ الشكلِ يُطلَبُ رأى أعضاءِ هيئةِ التدريسِ. الدراساتُ الهندسيةُ والمِهنةُ غُدِرَ بها بتقليلِ سنواتِ الدراسةِ و تقليصِ المناهجِ. ‏


ثم هل بما يُرضى الله تتمُ كلُ إجراءاتِ الاِعتمادِ المُصوَرِ سِردابًا للعالميةِ؟ أم كُلُه بالمحبةِ؟ وهل تُمنحُ حَوافزٌلأشخاصِ منحِ الاِعتماد كالجوائزِ مثلًا؟ وإذا فعلًا حدَثَ هل تُسحبُ الجائزةُ أم يُلغى الاِعتمادُ؟ ثم هل من رقابةٍ؟ أليسَ من حصافةِ الممارساتِ العملُ بالحديثِ الشريفِ «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»؟
‏أين رأى وخبرةُ وعِلمُ أعضاءِ هيئةِ التدريس فيما يُفرَضُ عليهم؟؟ أليس تباعُدُهم عن كل ما هو إدارةِ دليلَ مِحنةٍ؟؟ ألم تُفَرَغُ المجالسُ الجامعيةُ من مضمونِها؟ أليسَت المفهومية مُحتَكرةً والمَخمَخة على ودنه فى لجانٍ وتابعين مُتقلبين بجَرأةٍ على كل ما يفرضونَه وكأنه تطويرٌ؟؟


اِحتكارُ المفهوميةِ هو غرقُ فى الذاتِ، هو عدمُ الاِنصاتِ للآخرين وعدم مراعاتِهم، هو وضعُ اليدِ على الصوابِ، مرضٌ اجتماعيٌ مُعدٍ.


‏الإداراتُ الجامعيةُ تعملُ من طرفٍ واحدٍ، تفرضُ ما فى دماغِها دون مراعاةٍ لآراءٍ أخرى وآثارٍ عكسيةٍ وأضرارٍ لا يُظهرُها إلا نقاشٍ واجبٍ وصريحٍ. ‏ يُفترضُ أن الجامعاتِ مناراتٌ للحوارِ والرأى، أهى فعلًا كذلك؟
الجامعاتُ مرايا المجتمعِ، هل مجتمعنا تعبانٌ باِحتكارِ المفهومية؟ بالغَرقِ فى الذاتِ؟ كُلُه يستقوى على كلِه، عدوى طالَت الأفرادَ والإداراتِ. ثقافةُ الغشِ مُتفشيةٌ فى التعاملاتِ، تعدياتٌ على كلِ ما هو قانونٍ ونظامٍ. كلُه غرقانٌ فى مفهوميتِه، فى ذاتِه، نرجِسيةٌ «أنويةٌ»، ما من رؤيةٍ للآخرين ولو كانوا على مَرمى بصرٍ. مرضٌ اجتماعيٌ ضحاياه الأبرياءُ ومن لا سندَ لهم. لا حولَ ‏ولا قوةَ إلا بالله.


اِحتكارُ المفهوميةِ، الشفاءُ منه بالقدوةِ، بفرضِ اِحترامِ القوانينِ على الجميعِ، بالمراجعةِ، بالشفافيةِ، بالشورى. هل تبدأُ الجامعاتُ بنفسِها بدلًا من تأكيدِه؟
إيييه إيه.. الله عليك يا بحر العلم يا ترعة المفهومية!!
اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلَبُ للراحةِ وللجوائز،،
■ أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة عين شمس


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة