الراحلة هويدا فتحي
الراحلة هويدا فتحي


هشام مبارك يكتب.. وداعًا عروس عروس البحر

هشام مبارك

الأربعاء، 28 سبتمبر 2022 - 08:09 م

لم تكن هويدا فتحى مجرد صحفية أفنت عمرها فى بلاط صاحبة الجلالة، فهذا مصير أغلب من أخلصوا لهذه المهنة.

لكن هويدا كانت حالة خاصة من الحب الذى لم يعد موجودا بكثرة، جمعت بينها وبين مهنة البحث عن المتاعب فنسيت تقريبا كل ما يتعلق بحياة الإنسان الطبيعية، وجعلت كل الهموم هماً واحداً هو ماذا ستقدم من إنتاج جديد للجريدة صباح اليوم؟!. كان من الممكن أن تفعل هويدا مثلما يفعل أغلبنا من الصحفيين الذين يقسمون يومهم ثلثا للصحافة وثلثا للبيت والأولاد وثلثا لأصحابه. لكن هويدا اختارت ومنذ اليوم الأول الذى التحقت فيه بكتيبة صحفيى الأخبار أن تجعل يومها كله للصحافة ولا شيء آخر غير الصحافة.

تربعت صاحبة الجلالة فى قلب وعقل هذه البنوتة المتميزة خلقاً وعلماً فلم تترك فيهما أى مساحة لأى شيء سواها. وعندما كنت أداعبها أحياناً على استحياء مذكراً إياها بألا تدع الصحافة تنسيها حياتها الاجتماعية، كانت تضحك فى خجل وتقول: لو كنت تعنى الزواج فقد أحببت البحر وتزوجته منذ زمن ولا أظن أن من تعشق بحر اسكندرية ينقصها أى شيء مما تحرص عليه أى أنثى من تكوين بيت وأسرة وأطفال صغار.

نعم.. عشقت هويدا البحر عشقاً يصلح للحكاوى على الربابة فى زمن لم يعد يعترف بهذا النوع من الحب الأفلاطونى. ولكن لأنها كانت متفردة فى كل شيء كان من الطبيعى أن تختار هويدا هذا البحر لتودعه كل أسرارها وحكاياتها، وتعيش به ومعه أحلى الحكايات التى تركت لنا دروساً كثيرة فى الحب والعطاء. ويبدو أنها كانت تشعر بقرب الأجل حيث كثفت فى أيامها الأخيرة نشر صور حبيبها على صفحتها على الفيس بوك. وكأنها قد اختارت أن تكشف للجميع علنا عن حبيبها بل وتودعه أمامنا. تلك الصور التى التقطتها بعدستها الخاصة. عدسة القلب النابضة بالحب وليس الكاميرات الصماء التى تعجز عن رصد مواطن جمال المالح وأسراره.

ولأنها متفردة فى كل شيء كان من الطبيعى أن تضع هويدا فتحى مفهوما مختلفا لمعنى المراسل الصحفى فى المحافظات الذى يدور جل اهتمامه غالبا بالأخبار والموضوعات المحلية التى تهم المواطن داخل المحافظة فقط حيث نجحت أن تجعل كل قراء الأخبار فى جميع المحافظات يتابعون حملاتها الصحفية وتحقيقاتها المتميزة خاصة فى مجال البحث عن دواء ناجع لكثير من الأمراض العضال مثل الفشل الكلوى والسرطان.

وقد حققت هويدا فى مجال الكشف عن الأبحاث العلمية الحديثة عدة موضوعات هامة نالت عنها عدة جوائز محلية وعالمية حيث دعيت للمشاركة فى تغطية منتديات عالمية تناقش الجديد فى عالم الطب وكيف يمكن تسخيره لخدمة الإنسان فى كل مكان. ولأن خدمة الناس كان من صفاتها المتلازمة لشخصيتها كانت هويدا مقصدا لكل زميل ينوى زيارة الإسكندرية. كنت أقول لها مداعباً عندما أحدثها تليفونيا قبل زيارة الإسكندرية: الدين يقول لنا ادخلوا البيوت من أبوابها ونحن لا نعرف للاسكندرية باباً غيرك، فتضحك هاشة باشة مرحبة، وهكذا كانت تفعل مع كل من يقصد الثغر سواء للعمل أو للفسحة فتستقبل وتستضيف وتجرى اتصالاتها لتسهيل مهامنا ولا تتركنا إلا على باب الإسكندرية عائدين للقاهرة. وكان من الطبيعى لشخصية بهذه الصفات أن تنال ثقة زملائها فانتخبوها نقيبا لصحفيى الثغر فى دورة اتسمت بالنشاط والازدهار.

لا أتخيل الإسكندرية بدونك يا هويدا وأثق أن بحر الإسكندرية يبكيكى بدموعه لكن عزاءنا أنك الآن بإذن الله فى مكان أفضل بكثير من هذه الحياة. رحمك الله أيتها الصديقة الغالية والزميلة العزيزة والصحفية اللامعة عروس عروس البحر،  وأسكنك الفردوس الأعلى من الجنة.

وإنا لله وإنا اليه راجعون.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة