أحمد منتصر
أحمد منتصر


عن الإنسان

مهنة الفقد

الأخبار

الأربعاء، 21 ديسمبر 2022 - 07:29 م

ما الذى يفعله الفقد بنا؟!، ما الذى تفعله كلمات كالوداع، إلى اللقاء ومع السلامة؟!، ما الذى يفعله فراغ الراحلين بنا؟!، هذا الألم من كبر حجمه نظن أننا سنشعر به إلى الأبد، وأنه إذا بدأ التسرب لخارجنا لاحقناه حتى لا نفقده.

تلك العلاقة التى نشأت بيننا وبين ألم الرحيل تبدو مع مرور الوقت مألوفة، فلنا أن ننتشى بآلامنا، ونمتهن الحزن، ونستشعر دفئه الخاص المتراكم فى أركان الفراغ حولنا، فللحزن لغة نتقنها إلى حد الذوبان، ندرك قواعدها ومرادفاتها ومخارج ألفاظها وعلى أى نحو تتكدس الكلمات فى الحلق، ربما لأن هذا الألم هو آخر ما تبقى لنا ممن رحلوا فنتمسك به، ونرفض منطق الحياة فى الاستمرار، تنشط ذاكرتنا فقط فى مواطن الألم، نبادل النسيان بحاضرنا ومستقبلنا، فقط لنحتفظ بكل ما تعلق بمن رحلوا.

عالقون نحن فى أماكن وأزمنة عديدة؛ فى موجات الصوت والهمسات، النظرات العابرة، الصمت بين الكلمات، نسمات الهواء، فى الطرق التى سلكناها والوعود التى قطعناها، عالقون بين ضلوع أحدهم، فى حنين يغمرنا وشوق يملؤنا، مازالت أيدينا عالقة بأيدهم، مازالت أنسجة ملابسنا تحمل رائحتهم، مازالت أعيننا تراهم ونحن نريد أن نراهم، وتراهم ونحن لا نريد أن نراهم.. مازالوا ومازلنا رغم الرحيل والفقد.

المرة الأخيرة لكل شيء تقتلنا مرات عدة وستبقى كذلك، تقتلنا حين لا نعلم أنها المرة الأخيرة، وحين نعلم فيما بعد أنها كانت كذلك، تقتلنا حين نَعلق بها وتظل فى أذهاننا تتجسد أمامنا أنى شاءت، تقتلنا حين ندرك أننا لن نعود كما كنا قبلها لأن من رحلوا لديهم أجزاؤنا، لذا نفقد أنفسنا كما فقدناهم، نفقدها ولا نتمنى العودة من دونهم.

يقول الكاتب وديع سعادة: «لا أعرف كيف لا تتوقف أرجلنا عن المشى حين نفقد شخصًا نحبُّه، ألم نكن نمشى لا على قدمينا بل على قدميه؟ ألم تكن النزهة كلها من أجله؟ ألم يكن هو النزهة؟

كيف يمشى واحدٌ إذا فقد شخصًا! أنا، حين فقدت شخصًا، توقفت، كان هو الماشى وأنا تابعه، كنت الماشى فيه، وحين توقَّف، لم تعدْ لى قدمان».

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة