لوحة  للفنان: إبراهيم الخطيب
لوحة للفنان: إبراهيم الخطيب


على البتيرى يكتب: الحرية فى أدب الأطفال «شعراء الأردن نموذجًا»

أخبار الأدب

السبت، 28 يناير 2023 - 03:46 م

اتخذ شعراء الأطفال العصفور الطليق رمزًا للحريّة والانطلاق فى خطابهم الشعرى الموجه للصغار، وهذا الرمزُ الجميل الشفاف أكثر ما نجده عند شعراء العراق وسورية وفلسطين والأردن ومصر وبصورة أقل عند شعراء الخليج.

على كتّاب أدب الأطفال عامة وشعراء الأطفال بشكل خاص أن يتذكّروا باستمرار أن الأطفال هم ثروة المستقبل وأمل هذه الأمة فى النهوض والرقى والتقدم، وما دمنا نُعوِّلُ على أدب الأطفال الكثير من القدرة على تشكيل السلوك عند الصغار والتأثير الإيجابى فى أفكارهم وثقافتهم لا بد لنا من أن نحرص على إيجاد الظروف الملائمة لنمو شخصية الطفل فى جَوٍّ من الحريَّة والحنان والمحبَّة، وأول خطوة تكون فى هذا الاتجاه هى ضرورة تعليمه التفكير الحر الذى يمكّنه من التعبير الحر وإبداء الرأى دون قلق أو خوف وبطمأنينة تعزز الثقة بالنفس. وهذه الظروف السالفة الذكر فى مقدور أدب الأطفال أن يوفّرها لهم من خلال نصوص أدبيَّة مناسبَة تتقمص أفكار الأطفال وطموحاتهم وأحلامهم ولغتهم وتطلعهم إلى الحريَّة والاعتداد بالنفس بعيدًا عن السيطرة والتسلط وتكميم المشاعر والأفواه.. علمًا بأن الشعر هو اللون الأدبى الأقوى تأثيرًا واستحواذًا على مشاعر الأطفال وعواطفهم وما يجول بخواطرهم خاصّة إذا كان صادقًا ومحبَّبًا إليهم ومُقنعًا لتفكيرهم وأذواقهم.

هناك توجه صادق عند معظم كتّاب الأطفال نحو ترغيبهم فى قيمة الحرية وحضهم على التحلى بها دون التخلّى عنها، ولكنه حضٌّ على اعتناق الحريات العامة المتعلقة بحرية الوطن واستقلاله وتحريره من الاحتلال أو التبعيّة، والمعنيّة بتحرّر الجماعة أو الأمة جمعاء من نير الظلم والاستبداد والعبوديّة.


أمّا حرية الطفل الفردية فى الأسرة والمجتمع فقلما يحدث التطرق إليها ومعالجة أوضاعها وإخراجها من دائرة التهميش أو الإهمال أو الحجر القسرى.


والسؤال الذى يطرح نفسه كيف نَطلُب من الأبناء أن يكونوا فتيانًا أحرارًا ورجالًا يعشقون الحرية كبارًا ونحن لا نمنحهم حريتهم صغارًا، فلا نوفر لهم أجواء حُرّة كهذه فى الاختيار وإشباع الميل وتحقيق الرغبة البريئة التى لا تتنافى مع خُلُقٍ أو قانون؟ كيف نسمح لأنفسنا نحن الكبار أن نحشو أدمغة الصغار بالمعلومات والتعليمات ليل نهار دون أن نترك لهم أدنى فرصة للتفكير الحر بتلك المعلومات والتعليمات.

ودون أن نوفّر لهم مجالًا للمناقشة والحوار وإبداء الرأى وتكوين القناعات المشتركة؟ وكأننا نصر على تربيتهم كما نريد فقط، كما نصر على التفكير والتخطيط لحاضرهم ومستقبلهم نيابةً عنهم، وكأنهم لم يولدوا أحرارًا، أو كأننا لم ننجبهم ليكونوا رجال المستقبل وصنّاع الحياة الحرّة الكريمة.


وهذا الوضع غير السليم المشبع بالتناقض وقصر النظر على الصعيد الاجتماعى لا أقدرُ على تغييره وإحداث نقلة نوعية فى جموده من أدب الأطفال شعرًا وقصّةً ومسرحيّة، إذا ما جاء هذا الأدب الملتزم بهم الطفولة ومستقبلها مصغيًا لصوت الطفولة قارئًا بخبرةٍ تربويَّةٍ متطلبات وخصائص العمل القومى من أجل الطفولة العربية التى ستعطى الكثير إذا ما أعطيناها الكثير.


وقلنا إن قضيَّة الحرية العامة المنوطة بالوطن والأمة هى التى أشغلت وعلى مدى عقود بال أدباء الأطفال بها، وخاصةً فى حقل الشعر، ويهمنى كشاعر يكتب للصغار ويصدر العديد من الدواوين الشعرية لهم أن أعمد إلى إلقاء الضوء على قيمة الحرية ومفرداتها فى إطار التجربة الشعرية كشهادة نقدية وإبداعية على ما كتب بعض زملائى الشعراء وما كتبت فى هذه المسألة البالغة الأهميَّة وأعنى بها مسألة الحريّة سواء الحرية العامة أم الحرية الشخصية فى حياة الأطفال بمختلَفِ فئاتهم العمريّة.


وأول شهادة عيان تتجلى على هذا الصعيد فى شعر الشارع الأردنى الراحل محمد الظاهر الذى أعطى الأطفال الكثير من اهتمامه وشعره يقول بلسان الطفل العربى:
أرسمُ أعلام الحريّة
وأصيحُ بلادى عربيّة
أرسمُ صورًا للأبطال
أرسمُ فجرًا للأجيال
وفى أغنية شاركت بالمهرجان الأردنى أغنية الطفل العربى يرى الشاعر الراحل إدوارد عويس الخلاصَ وتحقيق الوعد بالنصر فى تنشئة الأجيال الحرة التى تحفظ الوعد وتصون العهد:
يا أرضًا ترضعُ أحرارًا   وتصون العهد
فيضى أزهارًا وثمارًا   نشوى بالوعد
أما الشاعرة شهلا الكيالى – رحمها الله – فقد فضّلت فى قصيدتها المغنّاة عن سنة الطفل الدولية التعبير بلسان أطفال فلسطين المحتلة عن الظلم والاضطهاد الذى يتعرضون له من قبل المحتلين الغاصبين:
أنا طفلٌ للظلم ضحيّة
سرقوا ألعابى وطعامى
وتغنّوا باسم الحريّة
لقد اتخذ شعراء الأطفال العصفور الطليق رمزًا للحريّة والانطلاق فى خطابهم الشعرى الموجه للصغار، وهذا الرمزُ الجميل الشفاف أكثر ما نجده عند شعراء العراق وسورية وفلسطين والأردن ومصر وبصورة أقل عند شعراء الخليج.


ومن شعراء الأردن الذين وظفوا العصفور رمزًا محبّذًا للحريّة فى شعرهم الموجه للأطفال: محمد الظاهر، راشد عيسى، محمود الشلبى، على البتيرى، يوسف حمدان، سليم أحمد حسن، منير عجاج، ومنذر أبو حلتَم وغيرهم.


وإزاء هذا الرمز الواسع والفضفاض تستوقفنا على سبيل المثال لا الحصر هذه المقاطع الشعرية:
طُلِبَ إلينا يومًا فى الصف
أن نرسُمَ قفصًا وبداخله عصفورًا
فرسمتُ القفصَ صغيرًا ومكسورًا
ورسمت العصفور كبيرًا وجَسورًا
وحين سُئلتُ أجبت:
هذا فعلُ الأحرار
(سليم أحمد أحسن)
يا حسون بلادى لا تحزن
هيا نرسم دربًا للحريَّة
نصنَع أحلامًا للعُرس
للأمل القادمِ للشمس..
(منير عجاج)
العصفور: ذاك الغصنُ الأخضَرُ بيتى
ذاك الأفقُ الواسعُ وطنى
الطفل: يا عصفور هيا حَلّق
فوق الغيم العالى الأزرق
وانشر فوق الأفق جناحًا
بالحريّة دومًا يخفق
(منذر أبو حلتم)
صديقى العصفور    يطيرُ بين الدور
من دون ما هويّة    فى مقلتِيه نور
وعنده قضية
يؤيّدُ الأمان    للطير والإنسان
ويعشقُ الحريَّة
(على البتيرى)
ولا يفوتنى أن أشير إلى أننى قد وظفت كثيرًا رمز العصفور فى قصص شعرية جاءت غنيّة بالحوار الدرامى المحبّب لدى الأطفال كقصة عصفور المطر، وقصة العصفور الغريب، وحكاية هند والعصفورة، وحكاية العصفور والصياد التى جاء فى مطلعهما:
عصفورٌ فى أرض بلادى    لا يخشى نار الصياد
يشدو لصباحِ الحريَّة    ولقدسٍ تبقى عربية
وأخيرًا ديوان «عصافير فلسطين» الذى أُعدّه للطباعة ويضم حكايةً بهذا العنوان تتحدّث عن طفل من أطفال الانتفاضة اسمه عامر يلقى على الجندى المحتل حجرًا فيصيب بلا قصدٍ عصفورًا كان يحط على سور القدس وحين يهوى العصفور جريحًا يتلقفه عامر فى أسفٍ وحزن، لكن العصفور يقول لعامر:
دعنى دعنى واصل دورك فى معركة الأحرار
دافع عن شجر الحقلِ وباب الدار
دعنى دعنى فالوقت ثمين..
وفدا عينيكَ عصافير فلسطين
وبعيدًا عن العصافير وحكاياتهم الشائكة المليئة بالأقفاص وبنادق الصيادين دعونا نقرأ لونًا آخر من الحديث عن الحرية وقيمتها الإنسانية فى حياة الصغار والكبار، إلا أن النصوص التى شملتها القراءة رغم غناها بالعاطفة وقوة التأثير لم تكن فى بعض المواضع خالية من النصح والإرشاد الذى اكتنفه الخطاب الشعرى المباشر:
كقول محمد الظاهر:
تجيئنى الحرية
كزهرَةٍ نديّة
تقول لى أهواك
يا أيها الملاك
روحى لها لأننى أحبُّها
صديقتى الحرية
وكقول على البتيرى بلسان أطفال فلسطين المنفيين عن مدنهم وقراهم المحتلة وباسم أطفال الحجارة المقاومين لبشاعة الاحتلال:
نقسم أن تدخُل من أبواب العالم
راياتُ طفولتنا..
نقسم أن نتذوّق مثل بقية أطفال العالم
طعم الحريَّة
ليكون لنا وطنٌ ونشيدٌ وهويّة
هذا بعض مما كتبه الشعراء العرب للأطفال فى باب الحريّة الوطنية والقومية، أما الشعر الذى يعالج مسألة الحريات الشخصيّة عند الأطفال فالأمثلة عليه نادرة والاهتمام به هامشى إلّا عند عدد من شعراء الأطفال لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة وفى مقدمة هؤلاء الشاعران محمد الظاهر وعلى البتيرى فقد ترجم هذان الشاعران شعرًا للعديد من بنود حقوق الطفل بما فى ذلك حقه فى الحريّة الاجتماعيّة فى البيت أو فى المدرسة.


باختصار يحتاج كاتب الأطفال خبرة تربوية نظرية أو ميدانية ليعالج قضية حرية الطفل ويعبر عنها بصدق هادف دون أن ينسى بأن التعبير عن حرية الطفل الفردية فى البيت والمدرسة والنادى له الأولويّة فى المقدمة الديمقراطية لحرية الجماعة وحرية الوطن والأمة.

اقرأ ايضاً | جلال برجس يكتب: الثقافة المصرية.. الحاضنة الأكثر نزوعًا نحو الإنسانية


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة