ياسر عبد الحافظ يكتب : عصر مظلم جديد: هل لدينا القدرة على تفادى مأزق النهاية!
ياسر عبد الحافظ يكتب : عصر مظلم جديد: هل لدينا القدرة على تفادى مأزق النهاية!


ياسر عبد الحافظ يكتب .. عصر مظلم جديد

أخبار الأدب

السبت، 04 فبراير 2023 - 12:10 م

الفن أسبق من الواقع. لا بد أننا فى ظروف مختلفة اختبرنا صدق هذه المقولة، الاختراعات التى رسمها فنانون قبل أن تخرج من حيز الخيال إلى الأرض، التصورات السابقة لزمنها عن العلاقات الاجتماعية والسياسية الدولية. 


نبوءات الفن فى معظم الأحوال تتوقف عند التعجب من تحققها، والإعجاب بحدس صاحبها، لكن فى أحيان أخرى يبدو مزعجًا التعامل مع الفن بهذا المنطق، على أنه بصورة ما تدريب ذهنى على ما سيكون علينا مواجهته مستقبلًا.

ومن ذلك على سبيل المثال الاتجاه القوى الذى ساد فى الروايات والأعمال السينمائية منذ سبعينيات القرن الماضى مبشرًا ومنذرًا بمأزق وجودى حاد يواجهه الإنسان على يد أحد منجزاته.. الذكاء الاصطناعي، مأزق له طعم النهاية.


ولم أتوقف عن التفكير فى العلاقة التبادلية بين الجانبين بينما أقرأ كتاب «عصر مظلم جديد، التقنية والمعرفة ونهاية المستقبل» لجيمس برايدل ومن ترجمة مجدى عبد المجيد خاطر، ذلك أن حجم المخاطر التى نواجهها اليوم تحتاج إلى اللجوء للخيال لوضع تصور لها.

وبخاصة وأن التحولات الجذرية الآن فى العالم تمضى فى طريق ضبابى بالكامل ومتابعة المواقف والتصريحات من قادة فى مجالات متباينة يشير إلى أن البشرية بأسرها يلفها ضباب هذا الطريق بما فيها أولئك الذين أطلقوا شارة البدء للتحولات.

وعلى هذا ليس بالإمكان رسم ملامح لصورة: المستقبل القريب، والسبب ببساطة يعود إلى أننا لم نعد وحدنا كبشر أصحاب القرار بل معنا، وربما تسبقنا، شبكة عملاقة أسلمنا لها القياد،وعلى العكس من التصورات المبدئية الساذجة التى بشرت بأن يقودنا الإنترنت إلى اليوتوبيا لكن «الواقع أن العكس هو الصحيح، فما كانت الغاية منه تنوير العالم هو نفسه ما دفع بهذا العالم عمليًا إلى العتمة».


فما هى طبيعة الأزمة؟والسؤال الذى ينبنى على هذا: ما حجم الإدراك لخطورتها والذى يترتب عليه تلقائيًا التفكير فى الأساليب المناسبة للتعامل مع التقانة لأن «الطريقة التى نفهم ونفكر بها فى موقعنا داخل العالم، وعلاقتنا بعضنا ببعض، ومع الآلات، هى ما سيقرر فى النهاية ما إذا كانت تقاناتنا ستفضى بنا إلى الجنون أو السكينة». 


ومن الضرورى هنا الإشارة إلى أن عنوان الكتاب والذى يحيل بالضرورة إلى حقبة تاريخية بعينها ما ليس مقصودا منه المعنى ذاته الذى يتبادر إلى الذهن «فالظلام الذى أكتب عنه ليس ظلاما حرفيا، ولا هو يجسد غيابا أو انسدادا معرفيا، كما تنطوى عليه الفكرة الشائعة عن أى عصر مظلم، كما أنه ليس تعبيرا عن عدمية أو قنوط، بل هو إشارة إلى طبيعة الأزمة الراهنة..».


وليس الظلام الذى يعنون به المؤلف كتابه فى حاجة إلى توضيح، ربما لم يدركه الجميع بعد، خاصة فى المناطق التى كانت غارقة فى غيبوبة حضارية ثم أضيف إليها الجهل المعرفى العالمى بتلك النقلة التكنولوجية المفاجئة.

ولكننا لو أردنا تقريب هذا المفهوم الظلامى الجديد سيكون علينا التفكير فى ثنائية الخيال والواقع، غير أننا سنستبدل هنا الخيال بالمحاكاة: تحميل البيانات على أجهزة الحاسب لتمنحنا السيناريوات المناسبة فى المواقف المختلفة من أصغر الأمور إلى أعظمها.

ومن لعبة شطرنج باحتمالات لا نهائية، إلى تنبؤات الطقس وأسواق المال والحرب النووية، هذا فى ظل إيمان بأن «الحواسيب تجعل العالم أوضح وأكفأ، وأنها تقلص ما به من تعقيد وتيسر حلولا أفضل للمشكلات التى تزعجنا، وأنها تعزز فاعليتنا كى تخاطب نطاقا من الخبرة آخذ فى الاتساع. لكن ماذا لو كان هذا غير صحيح بالمرة؟»


وماذا لو كان هذا غير صحيح بالمرة؟ سؤال يمثل نقطة بداية لمن أراد الانفتاح على عصرنا المظلم الجديد، ليس إدارة ظهره له أو الانعزال عنه، وهذا أحد مزايا كتاب جيمس برايدل، أنه شديد الواقعية، رحلة الذكاء الاصطناعى انطلقت وليس فى الإمكان إيقافها.

والتعاطي معها لا بديل عنه، غير أنه علينا عدم إغفال أن نظام مراقبة جوى قد لا يمكنه التفرقة بين سرب طيور وبين أسطول من قاذفات القنابل، و «تعجز برامج الحاسوب عن التفرقة بين نموذجها الذى وضعته للعالم وبين الواقع، وكذلك نحن متى تأقلمنا مع تلك البرامج».


ومن أحد أهداف كتاب برايدل، الصادر عن سلسلة عالم المعرفة، يتمثل فى لفت الانتباه إلى المغالاة فى الاعتماد على التفكير الحوسبي، المحاكاة، وفى المقابل الشك فى التقديرات البشرية «إلى درجة أننا قد نتجاهل تماما المشاهدات التى تتعارض مع وجهة نظر الآلة» فى هذا السياق يمكن لكل فرد منا بالطبع تذكر أحد المواقف التى تورط فيها بسبب اعتماده على التكنولوجيا.

وهل كانت مع نظام التوجيه عبر الأقمار الاصطناعية؟ لن تكون على درجة من الخطورة تماثل ما يواجهه حراس «منتزه وادى الموت الوطن» والذى شاعت فيه حوادث سببها نظام التوجيه ذاك لدرجة أن أسموها  الموت بالـ  «جي. بي. إس» ويحدث عندما يتبع مسافرون غرباء نظام التوجيه بدلا من إحساسهم فتكون النتيجة الموت على طرقات ترتفع فيها درجات الحرارة عن الخمسين بلا ماء على الإطلاق!.


ولا تتوقف مخاطر شبكة الإنترنت وبرامجها وتطبيقاتها على تدمير ثقتنا بأنفسنا وبقدرتنا على اتخاذ القرارات المناسبة فى التوقيت الملائم، لكنها فوق ذلك تستنزف طاقة مهولة «استهلكت مراكز البيانات فى العالم، حيث تخزن وتعالج كميات هائلة من البيانات الرقمية، نحو ثلاثة بالمائة من الطاقة الكهربائية الموجودة بالعالم، وهى مسؤولة أيضا عن اثنين بالمائة من إجمالى الانبعاثات العالمية. وهى تقريبا كمية انبعاثات الكربون نفسها التى تسببها «صناعة الطيران».

ويترافق مع هذا تغير مناخى لا يمكن الإحاطة بأبعاده كاملة، و «الحوسبة ضحية وشريك» فى هذا التغير والذى يتبدى لنا عند الإطلاع على تفاصيله بصورة بالغة القاتمة يذكر على الفور بتلك المشاهد من الأفلام التى يظهر فيها العالم كمكان قفر تشح منه الموارد، فالنظام الحوسبى.

والذى بات الاعتماد عليه كاملا فى الزراعة والصيد يفشل فى القيام بعمله نتيجة التغيرات المناخية غير المدركة «من دون التنبؤات طويلة الأجل، يعجز المزارعون عن زراعة المحاصيل المناسبة، وصائدو الأسماك عن العثور على مرادهم، ولن يمكن التخطيط لمواجهة الحرائق والفياضانات، أو التعرف على موارد الطاقة والغذاء وسد الطلب».


وهل ستبدو هذه صورة كابوسية كافية! هناك ما هو أشد اكفهرارا منها، التغير المناخى سيحولنا إلى قرود! تزايد مستويات غاز ثانى أكسيد الكربون يمنعنا من التفكير السليم، لأنه يثقل عقولنا بالغيوم، ويجردها سريعا من القدرة على التفكير بوضوح. ومنع التدهور المتلاحق يكمن فى السيطرة على الطاقة التى تستنزفها أجهزة الحاسب، حفاظا عليها لما هو ضرورى وإبطاء عجلة الانهيار.


«عصر مظلم جديد..» بالفعل واحد من الكتب التى يلزم على أى فرد، فى أى مجال الاطلاع عليه ذلك أنه لا يتناول الطفرة التكنولوجية باعتبارها حقلا معرفيا منعزلا عن السياقات الحياتية، بل على أنها حاضرنا الذى نعيشه جميعا.

وأنها كما جاء فى المقدمة «تقاناتنا تتوطأ مع التحديات الكبرى التى نواجهها اليوم، نظام اقتصادى جامع يفقر أغلب البشر، ولا ينفك يوسع الفجوة بين الأثرياء والفقراء، وانهيار الإجماع السياسى والمجتمعى فى العالم، ما أدى إلى تزايد النزعات القومية والانشقاقات الاجتماعية والصراعات الإثنية والحروب بالوكالة واحترار المناخ الذى يهدد وجودنا جميعا».

 
وببساطة الكتاب يدعو وقبل اتخاذ موقف من التقانة، إن كانت سبيلا للحرية المطلقة كما يمجدها أنصارها، أو عصرا من العبودية كما يدعو الناقمين عليها، إلى التثقف وليس فقط الفهم وتعلم لغتها كما هو الحال مع مروجى نظرية لغة البرمجة.

ومفهوم التثقف هنا «يتخطى فهم الاستخدام الوظيفى لنظام ما، إلى الإحاطة بسياقه وتبعاته وبخصوص هذه النقطة سيكون علينا العودة إلى الحس النقدى الإنساني، إلى الفن، إلى الخيال، وطرح الأسئلة على أنفسنا وليس على الأجهزة.

اقرأ ايضاً | أستاذ مناخ: التغيرات المناخية تؤثر على نوع الغذاء وجودته| فيديو

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة