من ارفف الاجنحة | فاروق و«الإخوان» والأوهام
من ارفف الاجنحة | فاروق و«الإخوان» والأوهام


من ارفف الاجنحة | فاروق و«الإخوان» والأوهام

د.محمود عطية

الأحد، 05 فبراير 2023 - 07:22 م

فى كتاب «فاروق والإخوان.. صراع السلطة ..وأوهام الخلافة « يطرق الكاتب شريف عارف منطقة لم يجر طرقها كثيرًا وهى علاقة الإخوان بالملك فاروق، فيرى المؤلف «..إن أهم فترات «التحرك الكبير» و»المد الإخوانى» الحقيقى كانت فى عهد الملك فاروق ،الذى كانت له أحلامه وطموحاته ،وكذلك الجماعة ومرشدها المؤسس حسن البنا».. أى كان فاروق والبنا كلاهما له أطماعه وأحلامه فى السلطة وبسط النفوذ !


ويثار سؤال مهم فى العلاقة التى نمت بين الإخوان والقصر ..هل كان البنا يستخدم القصر أم كان القصر يستخدم البنا ؟..ويقدم المؤلف إجابة على لسان المؤرخ الراحل د.عبد العظيم رمضان: الأرجح أن كلا من الطرفين كان يستخدم الآخر.

ومن ناحية البنا ،فلعله كان يرى فى شعارات الدين التى يرفعها القصر، ما يقرب تنفيذ فكرة الحكومة الإسلامية والخلافة ، فضلا عن أنه كان يشترك مع القصر فى رفض الأحزاب،وعلى كل حال فلم يكن ينتمى إلى المعسكر القومى الليبرالى المتمثل فى الوفد.

ولما كان الوقوف على الحياد عسيرًا،فقد بدا موقفه إلى جانب قوى القصر محتومًا . أما القصر المنعزل عن الجماهير المصرية ، فقد كان فى حاجة إلى الاستفادة من قوة الإخوان المسلمين فى محاربة «الوفد»، والقضاء عليه، وهذا الاتجاه إلى الاستفادة من الإخوان المسلمين اتجاه قديم.

بدأ من وقت انتقال المركز العام إلى القاهرة، من هنا فقد سعى الإخوان إلى كسب ود النظام الملكى، ورجاله بأى شكل ، من خلال وسائل دعايتهم والحشد البشرى ضد كل أعداء الملك أو من يفكر فى الهجوم عليه.

وبالتالى كان على «البنا» أن يقدم -هو وجماعته- فروض الطاعة والولاء «المعلن للملك» .. وكانت أولى هذه الفروض الدفع نحو فكرة أن يكون «فاروق» خليفة للمسلمين، وقد وجد الإخوان فى فكرة «الخلافة» منفذًا.

ولكن طرح الفكرة لم يكن من جانب الجماعة ، فقد طرحتها المؤسسة الدينية فى السنوات الأولى من حكم فاروق بإيعاز من الشيخ المراغى ، الذى أشرف على زيارات الملك للمساجد فى عهد حكومة على ماهر.

ويوما بعد يوم تسلطت الأضواء على الملك أثناء تأديته للدور الدينى الذى أعد له الإعداد الجيد ، فمنذ توليه العرش، والصحافة تتبع خطواته إلى المساجد أيام الجمع، وقد استطاع على ماهر فى بدايات عهد فاروق أن يجذب جماعة الإخوان إلى القصر ، لتنفيذ السياسات العامة له من ناحية.

والتى تتوافق مع هوى «الجماعة» فى التكتل ضد «الوفد» ورجاله.. ويشير المؤلف إلى نقطة بالغة الأهمية فى نشأة الجماعة « ربما يكون هناك ربط بين تاريخ رحيل الزعيم الوطنى سعد زغلول فى 23 أغسطس ، ونشأة جماعة الإخوان بعد هذا التاريخ بأقل من عام واحد.

وكان المطلوب والمخطط له أن يُدفع بجماعة، وربما زعامة جديدة تقود مصر فى المرحلة المقبلة ، وتوجيه ضربة قوية للفكرة الوطنية المقاومة للاحتلال وكان السلاح هو «استخدام الدين»..! وبهذا فقد أصبحت الجماعة منافسا سياسيا للوفد.


ومن خلال رحلته بين الوثائق والمكاتبات والجرائد والكتب وشهادات الشهود يروى لنا المؤلف كيف كان المؤسس حسن البنا داعيًا ومفاوضًا ومرشدًا وسياسيًا وجاسوسًا، فالجماعة أرست مبدأ «التجسس» على التيارات الأخرى وزرع «عيون» داخل الأحزاب المنافسة.

وشهدت بذلك مذكرات د. محمود عساف، مؤسس جهاز معلومات الإخوان، فكتب فيها: إن هناك بعض أعضاء الجماعة كانت لهم صلات وثيقة بالقلم السياسى، وإن «البنا» اكتشف بعضًا ممن يعملون مع البوليس السياسى، فكان يبعث إليهم.

ويجلس مع كل منهم على انفراد، ثم يقول له: عرفت أنك تعمل لحساب القلم السياسى، فيرد الآخر طبعاً منكراً بشدة، يقول الإمام: أنا أعلم ذلك يقينًا، ولم أحضرك هنا للتحقيق معك، بل لأحل لك المال الذى تأخذه من الحكومة، فأنت تتجسس علينا وهذا حرام.

وتتقاضى أجرًا نظير تجسسك، وهذا الأجر حرام، وأنت لا تعلم شيئًا ذا قيمة من أخبار الإخوان فتؤلف لرئاستك فى القلم السياسى أى أخبار من عندك، وهذا كذب وهو حرام، أريد أن أبعدك عن هذا الحرام كله، وأسمح لك بأن تتقاضى ما شئت من أجر من الحكومة بشرط أن تبلغهم الأخبار الصحيحة.


ويُنهى حديثه بالقول: اذهب إلى محمود عساف، مدير شركة الإعلانات العربية ، وهى من شركات الإخوان، وهو سيعطيك الأخبار الصحيحة، وبالفعل كان «البنا» قد أبلغ عساف بهذا الاتفاق، وكان يبعث له كل يوم بأهم الأخبار فى ظرف مغلق- وغالبيتها مكتوبة بحرفية تحمل شفرات للمتعاونين أو مغلوطة لتضليل الأمن- ويبلغها له فى آخر الليل.

وكان عساف يعد أوراقًا يكتبها بنفسه على الآلة الكاتبة، كل منها تحتوى على خمسة أو ستة أخبار، بحيث يكون هناك خبر مكرر عند كل اثنين، وبذلك يؤكد كل منهما على تقرير الآخر المرفوع إلى القلم السياسى، الكتاب صدر عن العالمية للنشر.
 

اقرأ ايضاً | الجنود المجهولون في معرض الكتاب: الشباب المتطوعين.. مواقف وطرائف وحكايات

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة