عبدالسميع الدردير
عبدالسميع الدردير


كل يوم

لم ينتظر

عبدالسميع الدردير

الأحد، 12 فبراير 2023 - 07:13 م

استحضرت مشهد طفل دون الخامسة يلعب ويلهو داخل المسجد المجاور أثناء الصلاة منتهزا لحظة سجود أبيه، ليعتلى ظهره مشبسا يديه على كتفيه فيطبق عليهما الوالد أثناء قيامه أو عودته للجلوس خشية سقوط صغيره.. عقب انتهاء الصلاة يرفض الطفل مغادرة المسجد فيوهمه الوالد بالمغادرة وتركه، حتى يلحق به الطفل، صارخا: «استنانى يا بابا»..   بعد سنوات يتعرض الطفل لضغوط وابتزاز من معلمه فى المدرسة القريبة لإرغام أسرته على الاستعانة بالمعلم لدعم تلميذ السنوات الأولى فى المرحلة الإبتدائية، بدروس خصوصية تفتح أمام المعلم أبواب المضيفة المجاورة للمدرسة لجلب المزيد من الدروس الخصوصية سواء لأقران الصغير أو أقاربه..

على أثر ذلك يتعرض التلميذ لأزمة نفسية، فيزور الوالد لأول وآخر مرة مدرسة نجله متحريا بنفسه أسباب اكتئاب طفله المفاجئ، فيلتقى المعلم «الانتهازي» داخل الفصل، وما كاد الأب  يعرف المعلم بنفسه حتى أسقط الأخير وابلا من الشكاوى أمام التلميذ قبل أن يغادر الوالد إلى مكتب المدير تاركا تذرعاته لتأمين المدرسة ببوابة حديدية.. كان المدرس قد افترى على التلميذ بأنه اعتاد المغادرة قبل أن ينتهى اليوم الدراسي.. يعود التلميذ إلى البيت وفى جعبته الكثير من ممارسات المعلم الذى يميز بين تلاميذه فى الدروس الخصوصية وباقى تلاميذ الفصل.. لكن المفاجأة أن الوالد تغافل تماما المعلم الإنتهازى ونقل للأسرة فقط ثناء وشكر باقى المعلمين وبينهم المدير ما أوقع مزيدا من التحدى على عاتق التلميذ ليفند ما سمعه من شكاوى بالجد والإجتهاد حتى يحفظ مكانه فى المركز الأول.. مرت على هذه المشاهد وغيرها كثير من مواقف جبر الخواطر المشهودة لوالدي..

فقد كان على لسانه لازمتان: «جبر الخواطر على الله» يطبطب بها على كل غاضب أو مظلوم، و«حسبى الله ونعم الوكيل» عندما يتعرض هو أو غيره لظلم أو غش.. شريط لا ينتهى من مواقف تعكس الطيبة والرقى توالت على ذهنى فى طريق العودة بجثمان والدى من أحد مستشفيات القاهرة إلى مثواه الأخير فى مدينة نجع حمادى لنصلى عليه فى ذات المسجد الذى اعتاد حضرته أن يصطحبنى إليه فى طفولتي، فأجد نفسى هذه المرة، عقب إنتهاء صلاة الجنازة أردد صارخا نفس العبارات: «انتظرنى يا بابا».. لكنه لأول مرة تركنى ولم يستجب لبكائى وصرخاتي، بينما كنت أشاهد نعشه وكأنه يتطاير فوق رؤوس الآلاف من مشيعيه إلى بوابة دار البقاء.. اللهم تغمد والدى برحمتك وعفوك وألحقنا به فى الصالحين.


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة