عبدالله البقالي
عبدالله البقالي


حديث الأسبوع

الوعـود المغشوشـة وحـبات الأسـبرين

الأخبار

السبت، 25 فبراير 2023 - 07:38 م

سبق لمجموعة البنك الدولى أن أعلنت قبل حوالى سنة من اليوم، عن إجراءات وتدابير التزمت باتخاذها (فى إطار استجابة عالمية شاملة لأزمة الأمن الغذائى المستمرة) ووعد البنك فى سبيل ذلك بتوفير غلاف مالى تصل قيمته إلى 30 مليار دولار لتمويل مشروعات قائمة وجديدة فى مجالات، مثل الزراعة والتغذية والحماية الاجتماعية والمياه والري.

وكشفت هذه المؤسسة المالية العالمية فى تقرير لها خصصت مضامينه لمواجهة أزمة الأمن الغذائى المحدقة بالعالم، على أن هذا التمويل (سيشمل جهودا لتشجيع إنتاج الأغذية والأسمدة، وتعزيز الأنظمة الغذائية، وتسهيل زيادة التجارة، ومساندة الأسر والمنتجين الأكثر احتياجا). واعترف رئيس مجموعة البنك الدولى نفسه، بأن زيادات أسعار الغذاء «تتسبب فى آثار مدمرة على الفئات الأشد فقرا والأكثر احتياجا».

الأكثر من ذلك، فقبل حتى أن يجف الحبر الذى كتب به التقرير، كشف مسئولو مجموعة البنك الدولى عن إعداد مشروعات بقيمة 12 مليار دولار لفترة الخمسة عشر شهرا التى تلت صدور التقرير، بهدف التصدى لأزمة الأمن الغذائي. وتم الكشف فى حينه على أن هذه المشروعات ستساند قطاعى الزراعة والحماية الاجتماعية للتخفيف من آثار ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ومشروعات المياه والري، وقيل آنذاك إن (معظم الموارد ستذهب إلى أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى وجنوب آسيا) وزيد فى منسوب الوعود والالتزامات حينما قيل «إن محفظة مشروعات البنك الدولى الحالية تشتمل على أرصدة غير مسحوبة من حصيلة القروض والاعتمادات بقيمة 18٫7 مليار دولار فى مشروعات ذات صلة مباشرة بقضايا الأمن الغذائي، تغطى الزراعة والموارد الطبيعية والحماية الاجتماعية وقطاعات أخرى. وإجمالا سيصل هذا المبلغ إلى أكثر من 30 مليار دولار، وسيكون متاحا للصرف من أجل التصدى لانعدام الأمن الغذائي، على مدار الخمسة عشر شهرا المقبلة، وستستفيد هذه الاستجابة من كامل الأدوات المالية التى يقدمها البنك، وستعززها أنشطة العمل التحليلي».

الآن، وبعد حوالى سنة من إعلان هذه الالتزامات الواضحة أمام الرأى العام الدولي، من طرف مؤسسة نقدية عالمية، ما الذى حدث؟ هل نجحت مجموعة البنك الدولى فى محاصرة ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية فى الأسواق العالمية، وأسعفت الإجراءات المعلنة الشعوب المغلوبة على أمرها على مواجهة لهيب الأسعار التى اشتعلت فى الغالبية الساحقة من المنتوجات الاستهلاكية؟

حقيقة الأوضاع تؤكد على عكس ذلك تماما، إذ خلال أكثر من نصف الآجال التى حددها البنك الدولى لتحقيق الحد من ارتفاع الأسعار، زادت الأوضاع استفحالا بأن واصل مؤشر ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الاتجاه نحو الصعود، ووصلت معدلات الأسعار مستويات قياسية تكاد تكون غير مسبوقة. ولم تتجل أى آثار لرزمة التدابير المعلنة من طرف البنك الدولي، ولم تظهر على أرض الواقع المشاريع المعلنة والبرامج المقررة.

وبذلك كان من الطبيعى أن تزداد أزمة الأمن الغذائى استفحالا، وارتفعت عكس ذلك معدلات المجاعة، حيث التحقت جحافل من البشر بالفئات التى تعانى نقصا فادحا فى الغذاء. وتأكد بالملموس أن التزامات مجموعة البنك الدولى كانت مجرد حبات أسبرين الهدف منها التخفيف من أوجاع الرأس.

مسئولو مجموعة البنك الدولى يعرفون جيدا التدابير والقرارات التى من شأنها التخفيف من الأعباء الثقيلة التى يتحملها الفقراء من الناس وذوى الدخل المحدود، مما يتسبب فيه الكبار من أزمات عالمية، وهى القرارات التى يتحاشون الحديث عنها، بالأحرى اتخاذها وإقرارها، ليس أقلها أهمية إلغاء ديون دول العالم الثالث، أو على الأقل، إلغاء الفوائد المالية لهذه القروض التى تكلف الموازنات فى الدول الضعيفة الدخل آثارا كبيرة على حساب الاستثمارات العمومية فى البنية التحتية وفى التعليم وفى الصحة وفى الحماية الاجتماعية، التى يبدى مسئولو البنك الدولى اهتماما كبيرا بها من حيث الشكل على الأقل.

مثير أيضا أن يلاحظ المتابع والمهتم بقضايا الأوضاع العالمية، أن مجموعة البنك الدولى تتحدث فى تعهداتها والتزاماتها عن الحماية الاجتماعية فى الدول الأكثر احتياجا، وهى نفس الجهة التى تشترط شروطا صارمة فى الموافقة على منح القروض المالية، تهم بالخصوص عدم صرف هذه القروض فى المساعدة الاجتماعية وفى تمويل الحماية الاجتماعية نفسها، مما يكشف عما يمكن أن نصفه بالنفاق الذى ما بعده نفاق.

الآن وقد قاربت الآجال التى حددتها مجموعة البنك الدولى (15 شهرا) على النهاية، فإن وعدا واحدا من رزمة الوعود التى التزمت بها لم يتحقق، بل العكس هو الذى حصل، بأن زادت أزمة غلاء أسعار المواد الاستهلاكية والأمن الغذائى تفاقما واستفحالا، لأسباب معلومة ناتجة عن أحداث وتطورات فى نظام عالمى يتحكم فيه الذين يمسكون بقيادة أهم المؤسسات النقدية العالمية، التى تقدم لنا وصفات علاجية مغشوشة.

نقيب الصحافيين المغاربة
 


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة