وزير الثقافة الأسبق أثناء حوارة مع «الأخبار»
وزير الثقافة الأسبق أثناء حوارة مع «الأخبار»


وزير الثقافة الأسبق: الدين والثقافة ثوابت.. والتجديد يكون فى البرامج الخاصة بهما| حوار

حازم بدر

الخميس، 09 مارس 2023 - 07:10 م

فاروق حسني: 

هناك تجارب مميزة قبلى مثل تجربة ثروت عكاشة 

الثقافة ليست وظيفة.. واحتميت فى الأسماء الجبارة التى عملت معي

الثقافة رسالة هدفها الارتقاء بمشاعر الإنسان

المثقف الحقيقي لا يفتش في الماضي ويهتم بالمستقبل

باستثناء شعره الذى فضل أن يحافظ على لونه الأبيض، لم تتغير التفاصيل الشكلية للفنان فاروق حسنى منذ خمس سنوات مضت، عندما التقيته لأول مره فى حوار مطول نشرته الأخبار فى 2018، فالرجل كما هو بشياكته وأناقته المعتادة، يجلس فى نفس المكان، متصفحا الجرائد المصرية والعربية، وفى الخلفية بعض من أشهر لوحاته، وصوت الموسيقى الكلاسيكية تصدح فى المكان.


وكما لم يتغير الشكل، بقى المضمون كذلك، فلم تنل الخمسة أعوام من ليقاته الذهنية، والقدرة على الربط بين القضايا للخروج برؤية تحليلية معمقة، وضع فيها خبرات سنوات طويلة من العمل الثقافي والسياسي.


وربما كان الفارق الوحيد، هو حديثه المستفيض بلا ضغوط، بعد أن اتفقنا على أن يكون الحوار الجديد «ثقافيا» وبعيدا عن القضايا الشائكة التى أثيرت إبان فترة تولية مسئولية وزارة الثقافة، والتى تحدث عنها كثيرا فى حوارات سابقة.


بالقطع حاولت الالتزام بهذا الاتفاق، لاسيما أن الهدف من حوارى معه هذه المرة، هو التعرف على رؤيته حول قضية « تجديد الحوار الثقافي»، ولكن لم يخلو الحوار من التطرق سريعا إلى بعض القضايا التى فرضها السياق، وكان من الصعب تجاهلها.


وكما كان الرجل فى الحوار الأول «مهذبا»، مجيبا على كل الأسئلة رغم اعتراضه على بعضها، كان كذلك فى الحوار الثاني، الذى طفنا خلاله حول معوقات تجديد الخطاب الثقافي، والعديد من القضايا الثقافية الأخرى.. وإلى نص الحوار.

- بداية: بما أننا نتحدث عن تجديد للخطاب الثقافي، فهذا يعنى أن به مشكلة، فما هى مشكلته؟
خرجت الكلمات من فمه سريعة، وهو يرفع سبباته قائلا: دعنى فى البداية أختلف معك حول استخدام كلمة «تجديد» التى أصبحت شائعة، فالدين والثفافة من الثوابت، فالمشكلة ليست بهما، ولكن المشكلة تكون فى البرامج الثقافية التى تقدم الثقافة من خلالها والفلسفة والتوجه الذى يتم انتهاجهما فى هذا الصدد.

- إذن لا يوجد اختلاف، فالبرامج والفلسفة والتوجه الذى تشير إليهم، هو ما يتم ترجمته لكلمة (خطاب ثقافي)، وسؤالى كان عن مشكلة هذا الخطاب؟
يبتسم وهو يقول، بينما يشير بيده طالبا الإنتظار: اسمح لى أن استكمل الفكرة.

- عذرا على المقاطعة، ولكنى أردت فقط التوضيح.
يستكمل فكرته قائلا: عندما تتكلم عن الثقافة، فهى مظلة واسعة جدا، فهى ليست مجرد كتاب أو لوحة فنية، ولكنها تضم تاريخ ومجمل أعمال ثقافية وفكرية، والعمل الثقافي، هو الذى يأخذ عناصر الثقافة المختلفة ويضعها فى برنامج له ايقاع حسي وعملي لضبط الحركة الثقافية، بحيث يكون هذا البرنامج هو المحصلة لثقافة الفترة الزمنية التى يمثلها.
غياب المنهج

- يبدو أنك لا تفضل مصطلح «الخطاب الثقافي»، وتميل أكثر إلى «البرنامج الثقافي»، فدعنى أسأل السؤال بصيغة أخرى، لعلى أحصل على إجابة هذه المره، وهو: ما هى مشكلة « البرنامج الثقافي» حاليا؟
يصمت لوهلة قبل ان يقول بنبرة صوت حزينة بعض الشيء: المشكلة تكمن منذ فترة طويلة فى غياب المنهج، لذلك لم يتم تحقيق نجاحات كبيرة، وكل ما يتحقق هو نجاحات فردية من حين لآخر، والنجاحات الكبيرة تأتى عندما تتحرك كتلة الثقافة بعناصرها المختلفة إلى الإمام، وحتى يحدث ذلك، لابد من وجود منهج شديد الإنضباط.

- وما هو سر غياب هذا المنهج؟
يبتسم قائلا: الثقافة عدوى، وربما لو أخذ القائمين على الثقافة العدوى من التجارب السابقة، لكان بإمكانهم تحريك كتلة الثقافة للأمام و تحقيق نجاح ملموس.

اقرأ أيضًا | وزيرة الثقافة تشهد حفل إعلان جوائز «مؤسسة فاروق حسني للفنون»

- ولماذا لم تصبهم عدوى تجربة فاروق حسني؟
يطلق ضحكة عالية قبل أن يقول: هناك تجارب قبلي كانت مميزة مثل تجربة ثروت عكاشة.

- وهل أستطيع القول أن عدوى تلك التجربة أصابتك إبان توليك المسئولية؟
يصمت لوهلة قبل أن يقول: حتى تصيبك عدوى التجارب السابقة، يجب أن يكون لديك الموهبة والمهارة فى التطبيق، فالتصورات النظرية شيء، والتطبيق شيء آخر، ونجاحك تحكمه القدرة على التوازن بين التصور والتطبيق، ومن هنا يأتى الاستعداد، وهل أنت تعى لهذا التحدى أم لا، فأنت فى الثقافة لا تسير وفق ما تفرضه ظروف الحياه وقتها، ولكنك تفعل ما يجب أن يفعل بغض النظر عن ما تفرضه الظروف، فأنت تبذر حبوب فى أراضى بعضها جرداء، والأخرى ليست كذلك، فتنمو فى كل منطقة نبته مختلفة، رغم أن المياه واحده.
بصمة وزير الثقافة

- هل غابت هذه المعانى العميقة لمهمة القائم على أمور الثقافة، فلم نجد وزير صاحب بصمة واضحة منذ عام 2011، وأصبحت المهمة أقرب للوظيفة؟
ترتفع نبرة صوته وهو يقول بلهجة متحمسة: الثقافة ليست وظيفة، فهى رسالة يحملها القائم عليها، من أجل تجميع شتات عناصر الثقافة فى منهج، بغية الوصول لهدف فى النهاية، وهو الارتقاء بمشاعر الانسان، فهذه هى غاية الثقافة، والتى تجعل الانسان مختلفا عن سائر المخلوقات.

كالعادة تتهرب من سؤالى بهذه المعاني العميقة...

- عن ماذا كنت تسأل؟
دعني أسأل السؤال بصيغة اخرى انطلاقا من صورة شاهدتها على الفيسبوك تجمع بين أربعة عمالقة ،وهم نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس، فهل غياب وزير الثقافة صاحب البصمة الواضحة، هو ترجمة لخلو الساحة الثقافية من أسماء على نفس قدر هؤلاء؟

يجيب بنبره صوت حزينة تظهر للمره الثانية: نحن نعيش فترة «تحريق ثقافي»، فلا يوجد الكاتب المرموق أو الشاعر العظيم أو الفنان الكبير، وربما تضافرت عده أسباب فأنتجت هذه الحالة، أبرزها مستوى جودة التعليم، وبالتالى سينعكس ذلك على اختيار القائم على شأن الثقافة، فلا تجد من يضع بصمة واضحة.

- وما هى مواصفات الشخص القادر على وضع بصمة واضحة؟
الثقافة ابتكار، والقائم على العملية الثقافية لابد أن يكون شخصا مبتكرا، والفرق بين أن تكون مبتكرا وأن تكون غير ذلك، كبير للغاية، فالقائم على أمر الثقافة ليست مهمته صناعة ثقافة، ولكن مهمته تحديث الرؤية الثقافية، وهذه المهمة تحتاج لشخص مبتكر.

- وإذا كان القائم على المهمة شخصية مبتكرة، ولكن مساعدية ليسوا على نفس الدرجة، فكيف يمكن أن يحمل برنامجه الثقافى روح التجديد؟
لم ينتظر استكمال السؤال وأجاب على الفور قائلا: ربما كنت محظوظا بالأسماء الجبارة فى كل المجالات، التى كنت احتمى بها، فعندما تضع الخطة، ولا يكون لديك المساعدين القادرين على تنفيذها، فمن المؤكد انك لن تحقق النجاح المطلوب.

- وهل يحتمى المسئول فى مساعديه؟
بالطبع، لأنهم أدواته المنطقية التى يعمل بها.

رجل الدين المثقف
- عودة إلى المشهد الثقافي، حيث استوقفنى وصفك للمثقف فى أحد الحوارات السابقة، حيث قلت أنه شخص مقدر لحجم المشاكل التى يعانى منها المجتمع، ويطرح لها الحلول، فهل كنت تقصد بذلك مفهوم «المثقف العضوي»؟

تظهر علامات الدهشة على وجهه، قبل أن يقول متعجبا: لا أعتقد أنى حصرت المثقف فى هذا المفهوم، فأى مجتمع يحتاج إلى «المثقف العضوي» الذى يتفاعل مع مشاكله، كما يحتاج أيضا إلى المثقف الشامل، الملم بالتاريخ والتشكيل والموسيقى والأدب، من أجل تخفيز الخيال والإبداع.

- ولكن بعضا ممن تسميهم بـ «المثقف الشامل» لا يحفزون الخيال والإبداع، بل يعيدونا للماضى وقضاياه، فيشغلونا بالبحث فى تاريخ وآراء شخصيات ماتت وانقطع ذكرها؟
المشكلة فى هذه الشخصيات، فالمثقف الحقيقى لا يفتش فى الماضى ولكن تكون عينه على المستقبل، وأتصور أن اهتمامي خلال تولي مسئولية الوزارة بالمسرح التجريبي و«سيمبوزيوم» النحت وسينما الشباب، كان تعبيرا عن هذه الرؤية التى تنظر إلى المستقبل.

- وربما كنت تنظر للمستقبل أيضا عندما كنت تنتوى إنشاء لجنة دينية بالمجلس الأعلى للثقافة.. فهل ذلك كان تعبيرا عن رأى يتبناه كثيرون الآن، وهو أن تجديد الخطاب الديني، يجب أن يتم بواسطة رجل دين مثقف؟
يومىء بالموافقة قبل أن يقول: هذا كان تصوري بالفعل، فرجل الدين المثقف المدرك للمجتمع من حوله والظروف التي يمر بها، سيكون قادراعلى توصيل المفاهيم الدينية للعامة بلغة سهلة وبسيطة.

- ولماذا لم يكتب لهذا المشروع النجاح؟
بلهجة وملامح متعجبة يقول: لا أعرف لماذا قامت الدنيا ولم تقعد، واتهمت بأني اقحم الدين فى الثقافة، مع أن هدفى كان هو نشر ثقافة المواطنة والقواعد الوسطية للدين، من خلال لجنة تضم المثقفين ورجال الدين، لخلق الرابط بين الثقافة والدين، الذى يتم الحديث عنه الآن.

الثقافة رفاهية
- وهل السبب فى هذا الرفض، هو النظرة للثقافة على أنها رفاهية؟
يلتقط الأنفاس ويحصل على رشفة من الماء قبل أن يقول: الثقافة رفاهية مطلوبة جدا للمجتمع حتى يستطيع التعامل مع بعضه والتحاور بالمنطق وبالعقل، وليس الحراب، وهذه الرفاهية يجب أن تصل للمستويات الأفقر فى المجتمع، وعندما تصله ستعينه على الارتقاء بوضعه، فكثير من الكتاب الكبار والفلاسفة العظام الذين كتبوا أسمائهم بحروف من نور فى تاريخنا هم من أبناء تلك الفئات الفقيرة، واستطاعوا بالثقافة أن يغيروا وضعهم الاجتماعي، ولكن يجب أيضا أن نضع فى الحسبان أنه كانت هناك رموز لامعة فى سماء الحياه، تربت هذه الفئات الفقيرة على انتاجها الأدبى والفكري.

- وهل غياب تلك الرموز عن سماء الحياه الآن، له علاقة بمستوى التعليم، الذى وصفته فى أكثر من حوار بأنه «ردىء»؟
تخرج الكلمات من فمه سريعا قائلا: هى حالة عامة، بالقطع يعد التعليم أحد عناصرها، ولا شك أن جودة المعلم أصبحت أقل كثيرا عن الماضي، كما أن الزيادة السكانية ساهمت فى تدهور التعليم واكتظاظ الفصول بالطلاب، وهو وضع لم يعانى منه جيلنا، حيث كانت كثافة الفصل لا تزيد على 30 طالبا، ولكن فى المقابل، أصبحت هناك الآن وسائل اتصال حديثه لم تتح لجيلنا، ويجب توظيف هذه الوسائل من أجل تعليم أفضل، ومزيد من الانفتاح على الآخر والاستفادة من تجاربه.

التطبيع مع إسرائيل
- بما انك أشرت إلى الانفتاح على الآخر، كان لك تصريح تليفزيونى قلت فيه أنك لا تمانع فى الحوار مع إسرائيل، هل يعنى ذلك تغير فى موقفك من التطبيع؟

يومىء بالرفض قبل أن يقول: موقفى من التطبيع لم يتغير، ولكنى مع الحوار، و هناك فرق بين الحوار والتطبيع.

- وما الفارق؟
إذا حاورت واتفقت، فهذا مقدمة للتطبيع، ولكن التطبيع لا يسبق الحوار.

- إذن وأنت تحاور، فأنت لديك نية للتطبيع؟
ليس شرطا، وانسحابك من الحوار مع اسرائيل إذا فرض عليك الحوار هو ضعف، لذلك فالأفضل أن تحاوره، فالحوار بالمنطق أفضل من الحوار بالآلات العسكرية.

- وما الذى يمكن أن يسفر عنه الحوار؟
يطلق تنهيده عميقة استعدادا لإجابة طويلة، استهللها بقوله: سأحكى لك موقفين وتقول أنت هل كنت اتحاور أم انسحب من الحوار، أحدهما عندما اتصل بى عميد اليهود فى فرنسا بعد أن شاهد لقاء تليفزيونى لي، وقال لى سأسألك سؤالا، وبناء على إجابتك عليه سأحدد موقفى إن كنت أحضر للقاءك والتحاور معك بالتفصيل أم لا، وكان سؤاله لي: هل النازيين قتلوا 5 ملايين يهودي؟، فقلت له إنها كانت مذبحة دامية بلا شك وأدمت قلوبنا جميعا، ولكن العدد لا يهمنى إن كان 5 ملايين أو أقل، فدينننا الإسلامى يقول أن من قتل نفسا بغير حق، فكأنما قتل الناس جميعا؟ .. أليس فى ذلك حوار بالمنطق، هل كان يتعين على فى رأيك أن أرفض الرد عليه، وأغلق الهاتف فى وجهه.

أما الموقف الآخر، عندما قابلنى استاذ بجامعة تل أبيب فى إيطاليا واستوقفنى قائلا: إنك تشبه سياسى مصرى اسمه فاروق حسني، وكأنكما «فوله وانقسمت نصفين،»، فقلت له إنها فوله واحدة، ودار حوار بيننا حدثته خلاله بالمنطق عن سياسات دولته وأسباب رفضى للتطبيع الثقافى معها، فهل كان يتعين على بمجرد معرفتى أنه أستاذ فى جامعة تلك أبيب، انا ألفظه وأرفض الحوار معه، فهذا بالضبط ما أقصده، بأنى لا أمانع الحوار، لكن سياسات إسرائيل لا تزال عائقا بينى وبين الموافقة على التطبيع معهم، وهو ما عبرت عنه صحفية إسرائيلية من صحيفة «يدعوت أحرنوت»، أجرت معى حوارا منذ فترة، وعنونت حوارها بعنوان، أنى لم أتحرك قيد أنملة عن موقفى الرافض للتطبيع.

- وما هو تعليقك على قيام بعض الدول العربية مؤخرا بالتطبيع مع إسرائيل؟
دول تحقق مصالح شعوبها وتعبر عن فلسفتها الخاصة، لا أستطيع أن أنكر عليهم ما فعلوه، ثم انهم جربوا المقاطعة سنوات طويلة ولم تؤتى ثمارها، فما المانع أن يجربوا شيئا آخر.

- إذن موقفك من التطبيع يتغير، فيبدو أن الحوارات التى أشرت إليها ساعدت على ذلك؟
يومىء بالرفض قبل أن يقول مبتسما: أنت سألتنى عن رأيى فيما أقدمت عليه هذه الدول، لكن موقفى الشخصى من التطبيع لم يتغير.

- وهل يمكن أن تنضم مصر لهذا التوجه الذى لا يعارض التطبيع مع إسرائيل؟
لم ينتظر استكمال السؤال وقال: الوضع عندنا مختلف، وفى إسرائيل يعرفون ذلك جيدا، فالعمق الشعبي ضد أى تطبيع حتى لو كان للسياسيين رأى مختلف، وأذكر فى هذا الإطار أن رئيس إسرائيل كان فى زيارة لمصر، عندما كنت وزيرًا للثقافة، وطلب الجلوس معي، وسألنى لماذا تمنع المثقفين من التطبيع؟، فكانت إجابتي: أنا لا أمنع أحدا، وإذا أراد المثقفين التطبيع فأنا معهم، وهذا ما أقصده بالرفض الشعبي فى مصر للفكرة.

نقلا عن  جريدة الأخبار

 

 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة