نادر عيسى
نادر عيسى


صباح ومسا

حتى يوم الطين

نادر عيسى

السبت، 08 أبريل 2023 - 07:59 م

فى جلسة ذكورية، كان صديقى العزيز كأنه جمرة نار من الغضب، يمسك هاتفه ويكتب عليه فى حنق ثم يعود ليكمل كلامه، فلما سألته عما به، أخذ يتحدث كأنه لن يتوقف أبدًا عن مشاكله مع زوجته، فأخذ منه طرف الحديث صديقنا الثالث واسترسل أيضًا فى عرض كيف يتكون النكد؟، وهو لا يزال على البر لم يتزوج، كان ناقص يعمل لنا عرض «باور بوينت».. فضحكت وسألتهم؛ حد فيكو ملك؟ فنظروا لبعضهم البعض وأجابوا: لأ، طيب حد فيكو غنى جدًا؟ فامتعضوا وأجابوا: بردو لأ، قلت لهم: طيب اسمعوا الحكاية دي.

كان يا ما كان؛ فى زمان ملوك الطوائف بالأندلس، كان المعتمد بن عباد، ملكًا على مدينة إشبيلية، يهيم عشقًا وحبًا فى زوجته «اعتماد الرميكية» والتى كانت خادمة بأحد البيوت؛ قابلها على شاطئ النهر وأعجب بجمالها وحبها للشعر وثقافتها فتزوجها، وللعلم هو اسمه «محمد بن عباد» ولما أصبح ملكًا اتخذ لنفسه اسم «المعتمد» المأخوذ من زوجته «اعتماد»، من تعلقه الشديد وحبه لها. لكن الزوجة لم تنس ماضيها البسيط ورقيق الحال، ففى أحد الأيام المُمطرة شاهدت مع المعتمد من شرفة قصرها، الجاريات والفتيات وهن يلعبن تحت المطر فى الطين، بكل انطلاق وسعادة، فأخبرت زوجها بأنها تتمنى لو تفعل مثلهن، مثلما كانت تفعل عندما كانت صغيرة، فلم يشأ المعتمد إلا أن يلبى لها طلبها، لكن على طريقة الملوك والأمراء، فأمر رجاله بجمع كل الحنة وسحَقها مع الطيب وغطَّى به كل ساحة القصر، ثم صَبَّ ماء الورد عليها، وقد عُجِنَ ذلك حتى أصبح كالطين، وتم خلطه بالعنبر والمسك والكافور ‏وماء الورد، حتى تمشى عليه كأنه طين، ووضع لها المجوهرات والكنوز واللالئ داخل الطين حتى وهى تلعب تجد هذه المجوهرات كهدايا لها، فتح كل منهم فمه كالأبله، وقالوا: كل ده عشان تلعب فى الطين، أمال لو..

أوقفتهم وقلت لهم الحكاية لسه مش هنا؟؛ الزتونة فى القصة، إن المعتمد الملك دار عليه الزمن، وانتهى به الحال أسيرًا فى بلاد المغرب، بعد أن كان ملكًا، وعاش عيشة الفقر المُدقع مع زوجته وعائلته، حتى جاءت اعتماد الحبيبة، وفى نوبة غضب منه، قالت له: والله ما رأيت منك خيرًا يومًا واحدًا، فتعجب المعتمد وسألها: حتى يوم الطين، فاستحت وسكتت، أدركت أننى أحرث فى البحر.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة