عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الاسبوع

أزمــة إنسانيـة وأخلاقيـة أخـرى

الأخبار

السبت، 15 أبريل 2023 - 08:21 م

على الأقل، هذه حالة نادرة، إن لم تكن الوحيدة التى تتقارب فيها النسب والمعدلات بين الدول الغنية ذات الدخل المرتفع والدول الفقيرة ذات الدخل المحدود أو الضعيف.

فقد كشف تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية قبل أيام قليلة من اليوم، وهو تلخيص لـ133 دراسة أجريت فى مختلف دول العالم خلال الفترة الممتدة من 1977 إلى سنة 2021، على أن معدلات الإصابة بالعقم متقاربة بين مختلف دول العالم.

وهكذا يكشف التقرير أن شخصا واحدا من بين ستة أشخاص مصاب بالعقم، و أن 17٫5 بالمائة من سكان العالم معنيون بداء العقم، الذى حددته الدراسات فى عدم القدرة على الإنجاب بعد مضى 12 شهرا أو أكثر من العلاقات الجنسية المنتظمة.

و أن 17٫8 بالمائة من سكان الدول الغنية ذات الدخل المرتفع مصابون بهذا العقم، فى حين تقترب النسبة فى الدول الفقيرة ذات الدخل المحدود أو الضعيف مما هى عليه فى الدول الغنية، حيث تصل إلى 16٫5 بالمائة.

وإن تقاربت نسب الإصابة، فإن أسبابها متباينة، حسب تقرير المنظمة العالمية. فالواضح أن التأخر الكبير فى الزواج من ضمن الأسباب الرئيسية لهذه الإصابة، حيث يفسر المختصون من معدى التقرير ذلك بضعف القوة المنوية عند الرجال، وانخفاض معدل الخصوبة عند النساء بسبب السن، وتشير الإحصائيات فى هذا الصدد مثلا بالنسبة لفرنسا، إلى أن معدل العمر لدى النساء اللائى أنجبن مولودا سنة 2022 هو 31 سنة، بينما كان معدل سن الإنجاب لدى النساء الفرنسيات فى سنة 1977 هو 29 سنة.

و مرد ذلك إلى التأخر فى الزواج بالدول المتقدمة الذى يبقى بدوره مرتبطا بعوامل اقتصادية واجتماعية كما هو الحال بالنسبة إلى ارتفاع تكاليف العيش، حيث أصبح الإنجاب مكلفا بشكل كبير.

إضافة إلى ما حدده التقرير فى أجواء الضغط داخل المجتمع، وفى تناول مواد استهلاكية استعملت الكيماويات فى إنتاجها أو صناعتها، وفى الإفراط فى شرب الكحول، وفى تلوث البيئة.

بينما أسباب العقم فى الدول الفقيرة ذات الدخل المحدود أو الضعيف متباينة ومختلفة تتمثل أساسا فى الحرمان من الولوج إلى خدمات صحية جيدة مما يزيد من خطورة الأوبئة والأمراض، و إلى تدنى مستويات العيش التى تجعل الإنجاب جد مكلفا.

وإذا كانت الإصابة بداء العقم تقارب بين الفقراء والأغنياء فى العالم، فإن معالجته تطرح إشكاليات كبيرة وحقيقية بينهما، مما أتاح المجال للحديث عن الجانب الأخلاقى فى هذا الصدد الذى يهم المساواة بين جميع البشر بغض النظر عن عرقه ودينه ولونه وموقعه الجغرافى فى العلاج من هذا الداء، وحق المرأة أينما كانت فى أن تشعر بأنوثتها وأن تتمتع بالأمومة.

فى هذا السياق يتحدث الخبراء من الذين أجروا 133 دراسة، أن تكلفة العلاج مرتفعة جدا فى العالم بأسره، وتتجاوز فى بعض الحالات نصيب الفرد الواحد من الناتج الإجمالى الخام.

وبالتالى فإنه إذا كانت البنية الصحية فى الدول الغنية ذات الدخل المرتفع، التى توفر الخدمات الصحية المتطورة والتأمين عن المرض وامتلاك الخبرات والكفاءات، تتيح ولوج المصابين بالعقم هناك إلى فرص العلاج وبالتالى الإنجاب، فإنه على العكس من ذلك، فإن الأشخاص المصابين بنفس الداء من الدول الفقيرة ذات الدخل المحدود أو الضعيف محرومون من هذه الإمكانيات، وبالتالى فإنه إذا كانت نسب الإصابة تقارب بين الفقراء والأغنياء من البشر فوق الكرة الأرضية، فإن إمكانيات العلاج منها تباعد بينهما بتفاوت كبير جدا يطرح بحق إشكالية أخلاقية تتعلق بالمساواة بين الناس فى العلاج من داء معين، وبالتالى تحقيق العدالة فى امتلاك صفات الأمومة والأبوة.

وإذا كانت الإصابة واحدة بهذا الداء، متقاربة بين الأغنياء والفقراء، ومتباعدة فى إمكانيات الولوج إلى سبل العلاج منها، فإن تفاصيل كثيرة، حسب تقرير منظمة الصحة العالمية، تبرز حدة وخطورة الإشكالية الأخلاقية التى أفرزتها. ذلك أنه للعقم تداعيات على نفسية المصابين به من النساء والرجال الذين يعانون من أزمات نفسية صامتة أومتجلية، بسبب الحرمان من الإنجاب، وبالتالى الحرمان من الحق فى الأمومة والأبوة، وهى الأزمات التى تتسبب _حسب التقرير_ فى ارتفاع معدلات العنف الأسرى بين الزوجين، وفى ارتفاع نسب الطلاق، لأن واحدا من الزوجين يرفض الاستمرار مع شريك حياة مصاب بالعقم، ويقرر البحث عن شريك آخر لبناء أسرة جديدة.

الإشكالية الأخلاقية فى هذا الصدد تزداد استفحالا وخطورة حينما نشير إلى أن مفعول هذه التداعيات يتراجع وتنخفض حدته بشكل كبير جدا، حينما تتيح إمكانيات الولوج إلى الخدمات الصحية الفعالة، العلاج من الداء، وبالتالى يتحقق الإنجاب، بينما تستفحل الوضعية بالنسبة للأشخاص فى الدول الفقيرة ذات الدخل المحدود أو الضعيف الذين حرمتهم الظروف من الاستفادة من هذه الخدمات الصحية الفعالة، حيث لا يجدون خلاصا من هذا الداء لتستمر المعاناة وتدوم.

إن التقرير الجديد يؤكد أن شعوب العالم تكاد تكون متساوية فى الإصابة بداء العقم، ولكنها غير ذلك فى العلاج منه، و بالتالى امتلاك الحق فى الأمومة والأبوة وتكوين أسرة وممارسة الحق فى الحياة.

نقيب الصحفيين المغاربة
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة