باسمة العنزى تكتب : عزيزى العميل
باسمة العنزى تكتب : عزيزى العميل


باسمة العنزي تكتب: عزيزي العميل

أخبار الأدب

السبت، 29 أبريل 2023 - 11:57 ص

حتى فى النهايات الحزينة هناك قدر من التوقعات المسبقة. عادة كل التغيرات المهمة فى الهيكل الوظيفى وما يتبعها من قرارات إدارية تحدث فى الخميس الأخير من الشهر، حيث تسود قبلها بأيام حالة من الترقب لدى جموع الموظفين مع لمحات درامية، وتجلس صباح أمام شاشة الكمبيوتر بيدها قهوتها الأمريكية، تحاول الرد على العملاء بإجابات مختصرة.

السادة شركة «المضمار الذهبي» المحترمون

تحية طيبة وبعد..

بدايةً، أودّ أن أنوِّهَ أننى عميل قديم، منذ العام1998! حتى قبل ظهور منافسيكم فى السوق،وطوال السنوات السابقة لم أتلقَّ منكم اتصالاً واحداً أو رسالة هاتفية تشعرنى بتقديركم.

اقرأ أيضًا| هشام البستاني يكتب: من قشور الأفكار المُسبقة إلى عمق الأدب: القصّة القصيرة فى الكويت

وهذه المرة الأولى التى أرسل شكوى رسمية بعد أن اتصلت عدة مرات بخدمة العملاء. موظفوكم لطفاء ومهذبون، لكنهم لا يُقدِّمون حلولاً! مجرد حلقة وصل مفقودة تخبرك أن شكواك تم سماعها من قبل أحدهم.

كتبتُ تعليقاً فى حسابكم بأنستجرام ولم أجد سوى الرد المكرر الذى ترسلونه لجميع المتذمِّرين من خدماتكم: «عزيزى العميل سيتم التواصل معك فى أقرب وقت ممكن لمعرفة التفاصيل».

ما الذى حدث؟ منذ تم تغيير نظامكم القديم «السستم» الكل لاحظ تدهوركم مع أنه يفترض بنا -كعملاء –ألا نشعر بأموركم الداخلية.

طلبى بسيط، الشكوى رقم885 بحاجة لانتباهكم.

عميلٌ مستاء

عزيزى العميل

نعتذر عن التأخر فى الرد، جارٍ العمل على تنفيذ طلبك، وسيتم الاتصال بكفى أقرب وقت ممكن.

مع تحياتنا

السادة شركة «المضمار الذهبي»

مرّ أسبوع ولم يتم موافاتى بأى شيء بخصوص الشكوى رقم 885. هل يعقل أنكم تحتاجون لأشهر لإصلاح خلل فى نظامكم الجديد؟ مزعج أن يتم تجاهل شكاوى العملاء من قبلكم بهذه الطريقة المستفِزّة.هذا يسيء لعلامتكم التجارية العالمية.

بانتظار الرد

السادة شركة «المضمار الفاشل»

شركتكم العملاقة ليس فيها إدارة واحدة متخصصة برضا العملاء؟ هل هناك شركة ربحية تتعمد تجاهل مصدر ربحها؟ لديكم مئات الموظفين، يُسوِّقون خدماتكم، ليس هناك شخص ذو خبرة يرشدنا للحل؟ ما الجدوى من وجود هذا الإيميل إن كنا ندور فى نفس المضمار البائس؟

أرجو الرد

عزيزى العميل

نهار سعيد

اسمى صباح وهذا آخر يوم عمل لي.

بصراحة شديدة، إيميلاتك التى تنم عن استياء شديد من خدماتنا -المتدهورة حسب وصفك- سأردّ عليها بشكل أخوى كى تهدأ قليلاً.

كان لدينا قسم لقياس مدى رضا العميل عن علامتنا التجارية، لكن القسم تحول لمربع صغير فى موقعنا الإلكترونى يحوى استبياناً يمكنك الإجابة عن أسئلته بكل شفافية.

سواء كنت راضياً أم ساخطاً هل يمكنك أن تتوقف عن شراء ما نعرضه؟ لأكنْ أكثرَ دقة، لو خسرناك كعميل فما الذى سيضر الشركة؟ فى المقابل لو توجّهت لمنافسينا فتأكد أنك ستدور فى نفس الدائرة، لا اختلافات كبيرة بين شركات العالم الكبرى فيما يتعلق برض العملاء!

ولأنك عميل قديم ليتك تدرك أنها علاقة مثل بقية العلاقات؛ أن تكون معنا فى السراء والضراء، ذكرتَ أنك فى السابق كنتَ راضياً قبل أن نغير «السستم».

فى النهاية مُشكلتك «خطأ فى الفواتير» سيتم حلها، إنها مشكلة شريحة كبيرة تأثّرت قبل عدة أشهر بسبب خلل تقني.

أتمنى لك نهاراً طيباً

الأخ أو الأخت صباح

مُتفاجئ من مستوى الانحدار فى الخدمات..ومن ردّك غير المهني! يبدو أن شركتكم فقدتْ توازنها،لا أعلم لم فقدْت وظيفتك، لكنْ من الواضح أنّك لا تصلح لها.

أخيراً تخبروننى أنكم على علم بمشكلتي، وأنها ليست متعلقة بى وحدي. إنما من غير الملائم أن أكتشف ذلك من اعترافات موظّف فى يومه الأخير، أيضاً ليس هناك تاريخ محدَّد للحل!

بانتظار تفاصيل أكثر..

عزيزى العميل القديم..المنزعج

بالنسبة لفقدان الوظيفة، استقالتى بعد خمس سنوات ليست اختيارية. أظنك من النوع الفضولى الذى يتعقَّب حياة الآخرين، من يجلس عند موظفى المصرف ليأخذ وقتاً أطول من غيره، من يستنفد وقت الطبيب فى عيادته،ويجادل البائعين إلى آخر رمق.

ولكونه يومى الأخير سأسعدك ببعض المعلومات:

الجهاز الآلى -عند المدخل- الذى ابتاعوه من الصين كى تعتمد على نفسك بدلاً من اعتمادك على الموظفين هو سبب تسريحنا، آخر إصدارات العالم الرقمى لتنفيذ الخدمات بسرعة ودقة، قادر على إنجاز 9008 معاملات يومياً أكثر من معدل عمل ثلاثة عشر موظفاً. العملاء الجدد من الفئة العمرية الشابة سيكونون الأكثر استخداماً له، «لن يروق لكل كونك فى الخمسينات».

وهناك استراتيجية لنقل خدماتنا إلى المنصات الإلكترونية بدأنا بها منذ سنوات، من أجل ذلك تم استبدال «النظام» القديم الذى تظن أنه سبب كوارثنا،وهى خطوة ستعقبها خطوات فى الاتجاه الصحيح، معاناة قصيرة ونتائج مذهلة.

 أتمنى لك نهاية أسبوع مريحة بعيدة عن التذمر

الأخ أو الأخت صباح

لستُ مهتمّاً بأموركم الداخلية، ولستُ من النوع الفضولي!لدى شكوى معلقة منذ أشهر بانتظار الحل، شركة عملاقة وقديمة -تُسمّونها رائدة-غير مهتمة بسماع وجهة نظر العملاء بخدمات ما بعد البيع؟!

أنا فعلاً مصدوم! مضماركم يصلح للسلاحف، وعالمكم الرقمى مخادع.

عزيزى العميل

فى الساعة الأخيرة من يومى الأخير،أؤكِّد لك:جارٍ حلُّ مشكلتك، مشكلة «السستم» الجديد، ستعقبه مشكلات أخرى،عليك التحلى بالهدوء، ثقْب أنهم سيجدون حلّاً.

فى حياتنا أحداث سيئة مثل فقدان عملك..مرض ابنك.. موت والديك، إلّا أنّك تصعّب الأمور البسيطة وتُعطيها بعداً درامياً، بحيث تغدو مشكلتك مركزَ الكون وطلباتك أولوية، أنت الضحية..ضحية الأحداث التافهة التى تقتات عليها فى أحاديثك مع الناس.خطأ فى فاتورة، عطل سيارة مفاجئ، وجبة باردة تصل لباب بيتك.. كل الشركات عليها أن تجنّد جيشاً من الموظفين الأكفاء لامتصاص غضبك والرد السريع على استفساراتك المتشنّجة، استفسارات تتكاثر من فكرة الاهتمام بها. انتهى هذا النهج، موظّفونا مشغولون بتسويق منتجات جديدة،سلع مثيرة للإعجاب والأرباح، قنواتنا الإلكترونية هى البديل، ولن تجد من يربِّتُ على كتفك، أو يواسيك بكلمة اعتذار.

المبلغ الخطأ الذى تتحدث عنه لن يتجاوز سعر وجبة عشاء يطلبها ابنك منتصف الليل.

المبلغ الخطأ-الذى سيعود حتماً إليك- لن يُحدِث فارقاً فى يومك الطويل، بينما شِكاياتك المتعددة وإصرارك على ملاحقتنا بها، تزعجنا وتبدّد وقتنا الثمين!

أشعر بالسعادة لأننى لن أضطر غداً للرد على المستهلكين التعساء، وإخبارهم بأننا نعتذر ونكرر اعتذارنا.

أنت عميلنا ولست ضحيَّتَنا.

مع خالص تقديرى..

أخ أو أخت صباح!

أولاً- ليس لديّ أولاد!

ثانياً-بغضِّ النظر عن قيمة المبلغ، لفْتُ الانتباه لأخطائكم المتكررة والمطالبة بتصحيحها يستدعى شكرى بدلاً من وصف استفساراتى بالمتشنّجة!أنتم تعتقدون أنه مبلغ تافه كى تحوّلوا الأمر إلى لومٍ للعميل على عدم صبره، بينما لو كنتُم أنتم من يطالبنى بهذا المبلغ لقطعتم الخدمة عنى فوراً دون أدنى تردُّد!

ثالثاً-أنا مصدوم من ردودك الساخرة التى تفتقد للذوق.أتمنى ألا يكون عملك المستقبلى فى مجال خدمة العملاء. ثم إن اعتذاركم ليس ذا أهمية طالما لم يعقبه إجراء تصحيحى.

إيميلاتك السابقة سأوصلها للمدير التنفيذى للشركة، وإن لم أجد اهتماماً فسأنشرها فى السوشيل ميديا، المكان الذى يكشف حقيقة خدماتكم للجميع.

نهضت صباح من كرسيها، ألقت نظرة على المكاتب التى بات يتشارك فيها الموظفون حسب ساعات عملهم المرنة، حملت جاكيت القطن الكحلى الذى قارع برودة تكييف الدور الرابع طوال أشهر السنة.

عليها أن تنهى إجراءات تسريحها من العمل، بتسليم هوية العمل وكارت التأمين الصحي، وبعدها سيتم إلغاء بريدها الإلكتروني، ويتلاشى رقمها الوظيفي، ستنقطع علاقتها بنظم الشركة ولن تتعرف بواباتها الرقمية على وجهها.

عليها أن ترسل إيميل وداعٍ لزملائها كما اعتاد الجميع أن يفعل قبل رحيلهم، يجب أن تتضمن رسالتها عبارات رقيقة مفعمة بالامتنان لمن شاركها الرحلة.وقبل أن يتسنى للجميع مجاملتها والتعبير عن أمنياتهم لها بالتوفيق،سيختفى بريدها الإلكترونى من قاعدة البيانات بما فيه من مراسلات مهمة وهامشية، هى تاريخها المدوَّن وتفاصيل مهام الأيام التى انقضت.

تنزل من الدور الرابع لتلقى التحية على مَن تعرفهم، كما يحدث أن تودّع فى نهاية رحلة طويلة شخصاً لطيفاً جاورك فى مقعد الطائرة.

تلقى نظرة على الجهاز الرقمى الجديد قرب المدخل، الشكاوى تتراكم،والباقون من الموظفين يحاولون صدّ موجة التذمر بلوح من الصبر.

تغادر بوابة المبنى لتتحول إلى كيان سابق لن يذكره أحد سوى طاولات الكافتيريا المعدنية ومرآة المصعد.

فور خروجها من البوابة للشارع العام وقبل أن تتحرك سيارتها مبتعدة.. ستتحول من موظفة إلى عميلة.

 لتبدأ تاريخاً مُختلِفاً مع الشركة العالمية العملاقة.. شركة «المضمار الذهبي».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة