غيلبرت ف. هونغبو، المدير العام لمنظمة العمل الدولية
غيلبرت ف. هونغبو، المدير العام لمنظمة العمل الدولية


المدير العام لمنظمة العمل الدولية يكتب: آن الأوان لإعطاء الأولوية للعدالة الاجتماعية

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 01 مايو 2023 - 11:59 ص

بقلم: غيلبرت ف. هونغبو، المدير العام لمنظمة العمل الدولية

الأول من مايو هو اليوم المعروف عالمياً بعيد العمال، وهو اليوم الذي نحتفل فيه بمساهمات العمال في جميع أنحاء العالم. إنها اللحظة التي تدعو إلى الفخرٍ والاحتفالٍ والأمل.

بعد ثلاث سنوات من أزمة كوفيد-19، وما أعقبها من تضخم، وصراع، وصدمات في إمدادات الغذاء والوقود، نحن في أمس الحاجة لذلك.  غير أن وعود التجديد التي قُطعت خلال فترة الوباء بشأن"إعادة البناء بشكل أفضل"، لم تتحقق حتى الآن بالنسبة للغالبية العظمى من العمال في جميع أنحاء العالم.

فعلى الصعيد العالمي، انخفضت مستويات الأجور الحقيقية، وارتفعت معدلات الفقرً، ,وبدت ظاهرة  التفاوت الاجتماعي مترسخة أكثر ذي قبل.

تعرضت المؤسسات لضربة شديدة، ولم يتمكن الكثيرون من التعمل مع الأثار التراكمية للأحداث الأخيرة التي لم تكن متوقعة.  وكذلك الحال بالنسبة للمشاريع الصغيرة والمتنهاية الصغر التي تأثرت بشكلٍ كبيرمما أدى إلى توقف العديد منها عن ممارسة أعمالها.

لقد شعر الناس أن ما بذلوه من تضحيات لتجاوز أزمة كوفيد-19 لم يحظ بالتقدير، ناهيك عن المكافأت. أصواتهم لم تلق الأذان الصاغية، مما أدى – إلى جانب الافتقار الملحوظ  إلى الفرص - إلى خلق مستوى مُقلق من انعدام الثقة.

لا ينبغي أن يظل الحال على ما هو عليه، خاصةً وأننا ما زلنا أسياد مصيرنا. بيد أننا إذا أردنا أن نشكل عالماً جديداً، أكثر إستقراراً وإنصافاً، فيتعين علينا أن نختار مساراً مختلفاً يعطي الأولوية للعدالة الاجتماعية.

إننى أعتقد أن هذه المسألة ليست ممكنة فحسب بل هي ضرورية من أجل مستقبل مستدام ومستقر. فكيف يمكننا تحقيق ذلك إذن؟

أولا وقبل كل شيء، يجب أن تتمحور سياساتنا وإجراءاتنا حول الإنسان، كي نتيح للأفراد متابعة رفاههم المادي وتطورهم الروحي على حدٍ سواء، وفي أجواء تسودها الحرية، والكرامة، والأمن الاقتصادي وتكافؤ الفرص. هذا النهج ليس مستحدثاً بل تم وضعه والاتفاق عليه في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما قام أعضاء منظمة العمل الدولية بالتوقيع على إعلان فيلادلفيا لعام 1944.

هذه الوثيقة الرؤيوية حددت المبادئ التوجيهية لأنظمتنا الاقتصادية والاجتماعية بحيث لا تكون مًوجهة  حصراً إلى تحقيق معدلات نمو بعينها أو غيرها من الأهداف الإحصائية الأخرى، بل لمواحهة الاحتياجات والطموحات البشرية. وهذا يعني التركيز على عدم المساواة، وتخفيف حدة الفقر، فضلاًعن توفيرالحماية الاجتماعية الأساسية.  وتتمثل الطريقة الأكثر فعالية لتحقيق ذلك من خلال توفير فرص عمل عالية الجودة كي يتمكن الأفراد من إعالة أنفسهم وبناء مستقبلهم تماشياً مع الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة "العمل الكريم للجميع".

وهذا يعني التصدي الواقعي للتحولات الهيكلية الطويلة الأجل في عصرنا؛ وكفالة أن تخلق التكنولوجيا الجديدة فرص العمل وأن تدعمها؛ والتصدي بصورة إستباقية لتحديات تغير المناخ، وأن نعمل على كفالة توفير الوظائف والتدريب على المهارات فضلاً عن توفير الدعم الللازم لانتقال العمال والأعمال التجارية للاستفادة من العصر الجديد المنخفض الكربون؛ والتعامل مع التغيرات الديمغرافية بوصفها "عائدا" بدلاً من كونها مشكلة، مع دعم الإجراءات الخاصة بالمهارات، والهجرة والحماية الاجتماعية، بغية خلق مجتمعات أكثر تماسكاً وقدرة على الصمود.

نحتاج  أيضاً إلى إعادة تقييم وإعادة تشكيل هيكل أنظمتنا الاجتماعية والاقتصادية، بحيث تدعم هذا التغير في المسار الرامي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، بدلاً من الاستمرار في "دائرة الهلاك" المتمثلة في عدم المساواة وعدم الاستقرار. علينا أن نعيد تنشيط مؤسسات العمل ومنظماتها حتى يكون الحوار الاجتماعي فعالاً ونشطاً، كما يتعين علينا أن نستعرض القوانين والأنظمة التي تؤثر على عالم العمل، بحيث تصبح وثيقة الصلة ومُحدثة وقادرة على حماية العمال ودعم المشاريع التجارية المستدامة.

ولتحقيق ما سبق، يتعين علينا أن نجدد التزامنا بالتعاون والتضامن الدوليين.  وعلينا أن نعزز جهودنا وأن نخلق قدراً أكبر من الاتساق في السياسات، لا سيما داخل النظام المتعدد الأطراف، كما يُطلق عليه  الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس.

وهذا هو السبب الذي يجعلنا في حاجة إلى تحالف عالمي من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية.  وسيعمل هذا التحالف على إنشاء منصة تجمع طائفة عريضة من الهيئات الدولية وأصحاب المصلحة، كما أنه سيتعامل مع العدالة الاجتماعية بوصفها حجر الزاوية للانتعاش العالمي، بحيث تُعطى لها الأولوية في السياسات والإجراءات الوطنية، والإقليمية والعالمية. وبإيجاز، سيضمن التحالف العالمي أن يكون مستقبلنا محوره الإنسان.

الفرصة سانحة أمامنا لإعادة تشكيل العالم الذي نحيا فيه – اقتصادياً، واجتماعياً، وبيئياً.  فلنغتنم هذه الفرصة ولنمضي قدماً لبناء مجتمعات منصفة ومرنة كي تتمكن من دعم السلام الدائم والعدالة الاجتماعية.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة