شهاب طارق : فتنة كليوباترا
شهاب طارق : فتنة كليوباترا


شهاب طارق يكتب: فتنة كليوباترا

أخبار الأدب

الأحد، 07 مايو 2023 - 09:06 م

جدل عالمى واسع فرضه إعلان شبكة «نتفليكس» مؤخرًا نيتها عرض فيلم عن الملكة كليوباترا، فى 10 مايو الجارى. الجمهور المصرى والمهتمون بالتاريخ والحضارة المصرية لم يستقبلوا الأمر بترحاب كبير، وهو ربما ما توقعته الشبكة التى اختارت أن تظهر كليوباترا كامرأة سمراء تحمل ملامح إفريقية.

فى خطوة اعتبرها كثيرون تمثل دعمًا صريحًا لحركة المركزية الإفريقية «الأفرو سنتريك». عزز الجدل تصنيف الفيلم باعتباره عملًا وثائقيًا، فرد المتابعون باتهام الشبكة بتزييف الحقائق التاريخية المثبتة والمتعارف عليها؛ كما أصدرت وزارة الآثار فى مصر بيانًا صحفيًا داعما للفكرة نفسها قالت فيه إن ظهور البطلة بهذه الهيئة يعد تزييفا للتاريخ المصرى ومغالطة تاريخية، وطالبت بتحرى الدقة حتى لا يتم تزييف حضارات الشعوب. لكن الرد الرسمى لم يوقف الفتنة التى توسعت بعد أن انزلقت بعض الردود لفخ العنصرية البغيض.

اقرأ ايضاً| «3 سلامات» تحية للكروان.. كتاب يعيد الاعتبار إلى «قنديل»

وهنا نحاول البحث عن الرد العلمى مع بعض المتخصصين فى الآثار والتاريخ والحضارة المصرية، د.خالد غريب أستاذ الآثار ورئيس قسم الآثار اليونانية الرومانية بجامعة القاهرة يقول: «والدها هو بطليموس الثانى عشر المعروف بال «الزمار»، وهو من أصول يونانية، كما أن والدتها هى كليوباترا السادسة، والمعروف تاريخيا أن هذه الشعوب لا تملك بشرة سمراء، وبغض النظر عن لون البشرة، فالملكة كليوباترا لم تكن مصرية.

بل انتمت لأسرة أجنبية حكمت مصر، والأهم أن الحضارة المصرية القديمة لم يتم تأسيسها من جانب السود كما تحاول أن تروج شبكة نتفليكس، أو أنصار حركة المركزية الإفريقية، فقد استوعبت الحضارة المصرية القديمة جميع الأجناس، ولم تعرف أبدًا فكرة اللون، بل وكتبوا الشعر عن أصحاب البشرة السمراء.

ويرى غريب أنه يجب سؤال صناع محتوى نتفليكس عن المصدر التاريخى الذى اعتمدوا عليه فى تمرير روايتهم «نحن نريد أن نعرف الإجابة، لكن من المؤكد أنهم لن يعطونا أية إجابات، وسيزعمون أن السياق الدرامى يحكم العمل الفنى، وهذا صحيح بالمناسبة، لكن الدراما كأداة فاعلة يجب أن تتسق مع حدود العقل، لأن العمل فى الأساس ليس فانتازيًا حسب الإعلان الرسمى، وصناع الفيلم خلال الإعلان الترويجى زعموا على لسان «كليوباترا» أنها صورة من صور المعبودة المصرية «إيزيس» وهذا كلام «فارغ» لأن كليوباترا لم تٌمثلَ فى هيئة قريبة من هيئة إيزيس إلا فى موضع واحد، فى معبد دندرة، وتحديدًا عندما قدمت ابنها قيصرون ل حتحور؛ لذلك نحن نحتاج لمعرفة المصدر التاريخى.

الذى بُنيتَ عليه سردية العمل الوثائقى، فقد تم تقديمها فى العمل باعتبارها آخر ملوك الفراعنة، وهذا أمر خاطئ أيضا، لأن كليوباترا ليس لها أى ارتباط بملوك الفراعنة، فقد انتهى عصر الفراعنة بمجرد دخول الإسكندر الأكبر مصر سنة 332 ق.م، وآخر لقب حمل فيه ملك اسم فرعون كان خلال عصر الملك نختنبو الثانى، أما بالنسبة للبطالمة فعندما جاءوا إلى مصر أرادوا أن يتمصروا، لإدراكهم مدى عظمة الحضارة المصرية القديمة، لكنهم لم يكونوا مصريين بالمعنى الحرفى للكلمة.

مأزق كبير

المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقى تطرق فى حديثه أيضًا للسياق الدرامى للعمل الفنى، إذ يرى أن كتاب الدراما التاريخية والاجتماعية، دائمًا ما يقعون فى مأزق كبير عند البدء فى تنفيذ فكرتهم الدرامية «كاتب الدراما يريد دائمًا تنفيذ فكرة معينة، لكنها أحيانًا تكون غير صحيحة، ورغم ذلك يستمر فى العمل، وهنا يستعين بالمراجع، ويلتقط المعلومات التى تخدم فكرته؛ يستبعد ويسقط معلومات أخرى موجودة داخل نفس الكتاب الذى استعان به، لأنها لا تخدم فكرته، وتتعارض مع ما يطرحه.

وعندما يتم مواجهته، يقول «هذا رأيى»، ويبرر الأمر باعتباره يقدم عملًا دراميًا متخيلًا؛ لذلك ما فعله صناع فيلم كليوباترا الأخير والذى سُيعرض على نتفليكس لا يمكن وصفه سوى أنه تزييف للوقائع التاريخية، فقد فرضوا رأيهم الشخصى على العمل، وهذا خطأ فادح، فالدراما التاريخية والاجتماعية، يجب أن تُكتب طبقًا للواقع، وليس من جانب الخيال، فنحن تاريخيًا نعرف أن كليوباترا هى ابنة للبطالمة، فكيف تُقدم ببشرة سمراء داخل عمل وثائقى؟ فهذا العمل لا يتسق مع السياق التاريخى.

ولكن أيضًا يجب أن نعرف أن كتابة التاريخ ليست حكرًا على أحد، ومن يريد أن يكتبه فليكتبه أيًا كانت جنسيته، لكن المطلوب أن يلتزم بوقائع التاريخ، وهذا ما لم يقم به صناع الفيلم؛ لذلك مطلوب من الدولة والأثريين والمختصين فى الدراسات التاريخية، إثبات الحقائق من خلال المصادر والوثائق، مع إعادة تقديم تاريخنا بشكل مناسب».

تنظيم شديد

عالم الآثار المصرى ومدير النشر العلمى بآثار أسوان أحمد صالح اتفق مع الدسوقى، إذ يرى أيضًا أننا فى حاجة ماسة لإعادة تقديم تاريخنا، لكنه أشار إلى أن «الأفرو سنتريك» يمتلكون ميزة كبيرة، وهى تنظيمهم الشديد، ومحاولة ربط وجهات نظرهم بكافة التخصصات الإنسانية والعلمية الأخرى «نحن مشكلتنا أننا لا نملك الأدوات المنظمة التى تمكننا من فرض وجهة نظرنا، ينبغى عندما نناقشهم فى الأمر أن نملك القدرة على فهم الحضارات الإفريقية.

وكذلك استخدام علم الأنثرو بولوجى فى عمليات التحليل والرد، نحن عندنا على سبيل المثال معهد الدراسات الإفريقية، لكننا للأسف لا نستعين به فى تفكيك أفكار المركزية الإفريقية، ويقتصر دورنا فقط على مواجهتهم بخبراء الآثار، وهذا جانب مهم بكل تأكيد، لكنه جزء فقط، فعملية المواجهة تحتاج لتخصصات أخرى لتدعيم الحجة، والرد عليهم بصورة سليمة، وينبغى أن نعترف أنهم أقوى منا حاليًا، وهذه القوة يستمدونها من علاقتهم الواسعة داخل الأوساط الثقافية فى العالم.

وخاصة أمريكا؛ لذلك أرى ضرورة الاستعداد الجيد للرد على هذه الادعاءات، لأننا نواجه أفراداً منظمين، وموسوعيين، ويستخدمون كافة الأفرع العالمية المتخصصة فى دراسات «الأفرو سنتريك»، لتدعيم نظرياتهم، سواء من ناحية دراسات الحمض النووى، وكذلك الدراسات التراثية، والإنسانية وغيرها، فنحن عندما نواجههم، يكون نقدنا فجاً وعنصرياً؛ وبالتالى نحتاج لإعادة تنظيم أنفسنا لأننا نمتلك الحقيقة العلمية، لكننا لا نمتلك أدوات الرد، كما أننا من ناحية أخرى نواجه أزمة هوية، منذ عشرات السنين، فقد تمت مهاجمة طه حسين، وكذلك أحمد لطفى السيد، من جانب أنصار الهوية العربية، عندما طرحوا فكرة الهوية المصرية، وهذا السجال مستمر حتى الآن، لكننا فى المقابل لم نؤسس لهوية مصرية، ونقف على الحياد مع كافة الهويات، وهذه مشكلة -من وجهة نظري- لأننا فى منتصف كل شىء تقريبًا».

ويرى صالح أن ممارسة الضغط لإيقاف ومنع الفيلم من العرض ليست حلًا «المنع لن يكون حلًا لأن حركة المركزية الإفريقية قادرة على تمرير أفكارها من خلال الكثير من المنصات العالمية، صحيح أن مصر استطاعت وقف حفل الممثل الأمريكى «كيفين هارت» فى وقت سابق بسبب دعمه لحركة الأفرو سنتريك، وكان من الممكن أيضًا الضغط على شبكة نتفليكس من جانب وزارة الآثار المصرية لتغيير سيناريو الفيلم، خصوصًا أن الشبكة تعتمد على المصريين فى تحقيق الربح.

لكن الحل هو التكاتف من جانب المصريين، وتكثيف الدراسات المتعلقة بعلم الأنثرو بولوجى، لدراسة الجينات المصرية الحديثة ومقارنتها بالجينات المصرية القديمة، كما يجب تشكيل فريق عمل متكامل من كافة التخصصات المختلفة، للرد على الغرب بطريقة علمية، لكن فى نهاية الأمر لا ينبغى تمرير رسائل عنصرية، وهذه المشكلة للأسف وقع فيها الكثير من المتخصصين، فما يجب أن نركز عليه هو أن الحضارة المصرية تخصنا نحن كمصريين وأنها جزء من هويتنا، التى نعتز بها».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة