محمد نبيل
محمد نبيل


«مشاهد أيام السويس10» قصة قصيرة للكتاب محمد نبيل

صفوت ناصف

الإثنين، 03 يوليه 2023 - 11:14 ص

محمد الراوي... منجد عاطل، مقيم بالمسجد، ثم شهيد!

من سيفوز بخطيبة الراوى القتيل؟ ... (10)

... بعدما تجرع الشيخ وشبله معا من ذات العلبة الصفيح مشروبا جعلهما يضحكان بهيستيرية من ذاك القتيل ابن الشرقية، وهو محمول على أعناق أشبال أخرى فتية، وهنا همس الشيخ للملاك الحارس: الليلة، ليلة عرسك على خطيبة الراوى المغفل!

 

ونظر الشبل، وأطال بتمعن النظر إلى خطيبة الراوى القتيل، حتى اخترقت نظراته ستر الفتاة، وتقدم منها رويدا رويدا، حتى كاد أن يلتصق بها، أمام شيخه والمجاميع الحاضرة لتشييع جثمان الراوى القتيل، وهمس الشبل للفتاة: اتريدين الآن ؟! كانت عيناه يملؤها الشغف، ولا تستحى من حضور الكثيرين من حولهما، فأجابت الفتاة بدهشة لا تخلو من دلال، وبلهجتها الشامية الأصيلة: ما هو الآن؟... ثم أكملت سؤالها بعدما زاغت بلحظها، وتمايلت بخصرها، وجعلت من ظهر كفها متكئا لكلثومها، ... (وأكملت) يا زلمة، وما كان من ها الزلمة إلا الذوبان فى دلالها الطاغى، لكنه أرسل لها نظرة كاشفة وفاضحة بما يقال وبما لا يقال، وفهمت الفتاة سريعا بعدما تلفتت حولها لتبصر هل من أحد سمع وأدرك ما أرسلته عينا هذا الرعديد الشهوانى،

وقالت بعد أسبوع كامل أنهى العدة من الشيخ، ثم أتهيىء لك أيها الفحل الغاشم، لم يعجبه هذا المبرر وطار إلى شيخه ليستفتيه، فهم الشيخ سريعا مراد شبله عندما جاءه يمخر الدخان كثور هائج، رفع الشيخ إصبعيه يفرك لحيته بدهاء – كما يفعل هكذا دائما- وهو فى حيرة بين أمرين: هل يمدد خطوبة الشبل المسعور أسبوعا قادم، وهو الأعلم بمواقيت العدة (!) أم يفتى اعتمادا على فقه الإرهابية فى إجازة ما هو محرم طبقا لمقتضى الحال، وعلى قدر المكاسب،

 

 إنتهى الصخب فى رأس الشيخ إلى ما فيه مصلحته، وترك فرك لحيته، ووضع كفه على كتف الشبل، وقال له: أفتيك بما هو حلال لك فى هذا الحال، ترقب الشبل وهو يزمجر كما اعتاد وتربى من عشيرته، فلا صوت يعلو على الرغبة، وهذا ما اهتدى إليه شيخه برجاحة عقله ورحابة علمه الواسع، لكن الشيخ قال لشبله: عدة المطلقة تنتهى بعد أسبوع كما أخبرتك، لكننى تذكرت أننى قد سرحتها دون علمها بستة أيام، وقد صرحت لها بالطلاق بعد اليوم السادس، فعلى حساباتي تكون الفتاة من نصيبك غدا وليس بعد أسبوع، انفرجت أسارير الشبل وهدأت زمجرته، وقبل يمين شيخه، سعادة وفرحا،

 

 لكن الشيخ أكمل كلامه للشبل: ... وعليك الآن أن تمهر عروستك، ومهرها هو أن تسير بـ الراوى فى شوارع السويس ومعك الأشبال تبكون حاله، وتنددون بقتل الجيش للراوى، وذلك طوال النهار ولنهاية الليل، وبعدها تتهيأ لعروسك غدا، لمعت عينا الشيخ الداهية الذى استغل عنفوان الشبل لأقصى درجة ممكنة، وانحنى الشبل جاثيا على ركبتيه أمام عطف شيخه عليه، ثم تبخر من أمامه فارا لعروسته ليخبرها النبأ السعيد، وفتوى شيخه لهما، وما أن سمعت الفتاة من شبلها عن فتوى الشيخ إلا واحمر كلثوميها، واشتطاط غضبها من الشيخ،

 

وبعد أن جزت على أسنان وضروس فكيها، وأبلغت من خلفهما هذا الشبل بأنها ستستعد للزفاف، بعدما يكمل الشبل مهمة شيخهما، وانطلقت إلى الشيخ كما السهم تشق الريح بوجهها العصفورى، حتى علم الداهية مبتغاها من هذه الهجمة المباغتة عليه، فهو زوجها ويعلم عنها صغائرها وكبائرها، رسم الشيخ سريعا على وجهه ابتسامة الاستسلام لأوامرها ونواهيها، وهى وهو يعلمان دلالة تلك الابتسامة التى ينصاع فيها الشيخ أسيرا لأوامر ونواهي فتاة الشام،

هدأت قليلا ثورة الفتاة، وعادت لدلالها، هذا السلاح الذي ما خاب فى معركة قط مع شيخها، وسألته، وهى تتمايل كما غصن البان الذي تداعبه رياح الشوق، ونطقت من خلف نصفى الفراولة، كما كان يصف ثغرها هذا الشيخ اللعوب: هنت عليك يا كناريا، نادته باسم دلاله عند الخلوة، لتزيد من حدة أسنة رماحها عليه، تردد الشيخ فى الكلام إلا بعد أن تلفت ليستكشف انصراف الشبل عن ساحة قتال الفتاة واستسلام الشيخ، وقال بصوت لئيم: ما أدراك من كونها رحلة ذهاب بلا عودة؟! لقد أرسلت الشبل ليصارع الجيش طول النهار ولآخر الليل، وما لم يصبه نهارا سيصيبه ليلا من طلقات الجيش،

 

وضعت الفتاة المتسلطة يدها على فم شيخها، وقالت: لا تسخر من ذكاء الجميلات، فلقد تعلمت منك ما لم يتعلمه أشبالك، وعرفت عنك ما لم تعرفه أنت عن نفسك التى تعشقها عشق الحرام(!) كيف سيناله ما تريد؟ وهو وسط دوائر التأمين، وأمامها حلقات التهليل والتكبير، وأمامهما صفوف السب واللعن وإلقاء الحجارة على الجيش لاستفزاز أفراده، ثم أمسكت بتلابيب الشيخ تهز وقاره فى ساحة المسجد، ولم تهتم الفتاة ولم تكترث بمن يرى ومن يعترض، فكلهم يعلم أنها من محظيات الشيخ ودرة نسائه، ويبدو أنها أصابت، فام يلتفت الأشبال لحال شيخهم،

واستغل الشيخ تلك الثورة العارمة ليقضى عليها من جذور جذوتها، وهمس بعدما تلفت برأسه ثم عاد إليها: هذا ما أعشقه فيك أيتها الجميلة المصارعة، وعندما أقول لك أمرا ما ثقى تماما أننى معك انت وحدك لا أكذب أبدا، إنه لن يعود حيا أو على الأقل لن يعود شبلا يصلح لشىء، وضحك الشيخ اللئيم، وأطفئ من ثورة فتاته الشامية، ونظر إليها برقة هامسا: صدقى كناريتك، وضغط على راحتيها البضّتين، مبرقا برسالة هى وحدها من تعيّها وتفهمها، عاد الدلال للفتاة من جديد، وكأن البركان قد خمد للأبد، وقالت وهى تتمايل بالمصرية: لما نشوف يا كناريتى، و

استدارت ناحية خدرها تستعد لا للشبل، إنما لشيخ الشبل، فهى تعلم أنها إن تركت تلك المكانة من كونها حليلة الشيخ، إلى زوجة الشبل، ستنهار كل سطوتها على الجماعة التى منها أيضا أوامرها الخفية والمعلنة على هذا الشبل وغيره من الأشبال سواء بعلم الشيخ أو دون علمه (!)                   

فى القادم إن شاء الله نكتشف معا من قتل محمد الراوى، وما آل إليه حال الشبل.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة