محمود الوردانى يكتب :مجرد موزع رؤوس
محمود الوردانى يكتب :مجرد موزع رؤوس


محمود الوردانى يكتب :مجرد موزع رؤوس

أخبار الأدب

الأحد، 24 سبتمبر 2023 - 02:58 م

[email protected]
يواصل محمد فرج طريقا بدأه من قبل منذ كتابه «خطط طويلة الأجل»  2019 ثم «مياومة.. هايكو عامل معاصر»  كتابه الثانى 2020 وأخيرا «شىء ما أصابه الخلل» عن دار المرايا كتابه الثالث.
هناك وشائج عديدة تربط بين الكتب الثلاثة، وهناك طريق بدأه الكاتب ويواصل السير فيه، طريق اكتشفه، ويواصل اكتشافه بتأن وعلى مَهَل ْ. يسير فى نفق طويل، ولا يدرى إلى أين يقوده النفق الذى يسير فيه عاريا، لا أسماء مطلقا للأشخاص فى النصوص العشرة القصيرة التى يضمها كتابه القائم على الاستبعاد ثم المزيد من الاستبعاد، ولا أسماء للمدن والشوارع ولا ملامح للبيوت التى يلج إليها. لا حكاية أو هيكل، والنصوص العشرة يرويها الراوى نفسه، وكل نص يكاد أن يكون فخا أو متاهة أو خطرا داهما يوشك على أن يصيب الراوى.

هذه كتابة فاتنة حقا، والكاتب حريص على التقشف وتقديم مشاهده مباشرة ودون أن يستعين بلغة جزلة أو أصوات عالية أو ضجيج من أى نوع، وكل مشهد من المشاهد تم تخليصه مسبقا مما يجعله عاطفيا ومؤثرا.. المشاهد عارية إذن والكاتب يتعمد هذا العرى.

من جانب آخر، وعلى الرغم من أن النصوص العشرة يربط بينها همّ واحد، إلا أن كل نص يختلف عن الآخر، كل نص يحفر على نحو مختلف، ويحاول النجاة على نحو مختلف.

تخلص الكاتب وتحرر من عبء الحكاية، فهو لايريد أن يحكى لنا حكاية أصلا لأنه لا حكاية بل هناك فخاخ وأخطار. من بينها مثلا فى نصه «عمل»، حيث يعمل الراوى «مجرد موزع رؤوس» هو لا يقطعها، وهناك آخرون عملهم القطع، أما هو فتنحصر مهمته فى «استلام الرؤوس المقطوعة والإلقاء بها جوار أقسام ونقاط تفتيش الشرطة» ولا عجب فالعنف خيّم على «كل مناطق البلاد، حتى صارت حوادث القتل أمرا يوميا لا يلفت الانتباه».

وفى «لعب» يصل الرعب إلى أقصى مداه، فالراوى المقعد من الألم يتعرض للضرب من أطفال بعضهم بلا أذرع والبعض الآخر بلا سيقان، وهو الوحيد الذى يتفوق عليهم بامتلاك ذراعين وساقين، لكنه مقعد يكويه الألم، أمام أطفال يقولون له إنهم لم يقترفوا ذنبا، وكل مافى الأمر أنهم لعبوا أكثر من الوقت المتاح لهم، لكنهم لم يكونوا يعلمون أنهم يخطأون.

وهكذا فى باقى النصوص المتقشفة، بل أن كلا منها يحمل كلمة واحدة كعنوان: راحة..نضج..تشابه..طبيعة..ضباب.. إلى آخر العناوين باستثناء النص الأخير: «أغنية ريثما يمتلئ البيت بالغاز».

أود أن أضيف أيضا أن نصوص فرج ليست نصوصا تجريدية أو عدمية أو مجرد تشاؤمية أو تعبر عن أفكار جاهزة، بل على العكس تماما، هناك عالم غير عادل وقامع وبالغ القسوة والعنف ولايسمح للراوى ولا لغيره من الشخوص بممارسة حياتهم أو اختياراتهم، فليس هناك مشهد حب واحد، النساء مثل الرجال، والأطفال قادرون على الضرب بقسوة مفرطة.

هذا العالم حاضر تدور داخله مشاهد واقعية تماما. لاأحلام مثلا ولا أوهام ولاتخييل. كل مافى الأمر أن هناك «شيئاً ما أصابه الخلل» حسبما اختار فرج عنوانا لاينتمى لأحد مشاهده، بل هو عنوان شامل لكل المشاهد.

وأخيرا  يبد وكأن الراوى يخفف عنا قليلا وربما يسخر منا عندما لايقول لنا أين يكمن الخلل؟ بل يقول لنا إن هناك «شيئاً ما أصابه الخلل»..


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة