«الزيارة الأخيرة» قصة قصيرة للكاتب سمير عبد العزيز
«الزيارة الأخيرة» قصة قصيرة للكاتب سمير عبد العزيز


«الزيارة الأخيرة» قصة قصيرة للكاتب سمير عبد العزيز

صفوت ناصف

السبت، 30 سبتمبر 2023 - 08:59 م

وقفت أمام شقتها مباشرة وطرقت بابها عدة طرقات خفيفة ومتتالية... مضت برهة من الوقت ولم تفتح الباب، كررت الطرق وكان صوته على الباب واضح ولم أتلق ردا أيضا.. ضغط على زر جرس الباب وأصدر صوتا انتظرت أن تفتح الباب ولكن دون جدوى.. تساءلت في عقلي: ربما تكون خرجت لتبتاع شيئا؟ أو تزور إحدى جاراتها؟

عندما هممت بالرحيل توقفت فجأة على صوت صادر من الداخل يقول في وهن شديد: يا من تطرق الباب.. الباب مفتوح أدفعه فأنا غير قادرة على الحركة.. دفعت الباب ودلفت بداخل الشقة.. كانت الإضاءة خافتة رأيتها راقدة على أرضية الصالة على جانبها الأيمن وتحتها مرتبة قديمة ومتدثرة ببطانية متهالكة.. كانت الصالة خالية من قطع الأثاث تقريبا...

على الوسادة وضعت هاتفها وبجوارها زجاجة مياه وهرتين.. كانت قد شرعت في تربية الهررة بعد أن اعتراها اليأس من عدم الإنجاب فوجدت في تربيتها لها من يؤنس وحدتها ولا سيما بعد أن طلقها زوجها منذ ثلاثة عقود وتركها تتجرع آلام الوحدة وشظف العيش بدت شاحبة وهزيلة..

تبددت ملامحها وبدت عجوز مسنة غزت التجاعيد وجهها.. ما أن رأتني حتى انخرطت في البكاء وقالت وهي تبكي: أخيرا تذكرتني فأنا لم أرك منذ أن رحلت أمك من عشر سنوات إلا مرة أو مرتين وكنت دائما في عجلة من أمرك هانت عليك العشرة والجيرة؟ هالني منظرها و تغرغرت عيناي وقلت لها والكلام تحشرج في حلقي: منذ متى وأنت على هذه الحالة.. قالت وهي تبكي: منذ فترة ليست بالقصيرة.. قدماي متورمتان وأشعر وكأن موقد في باطنها لا ينطفئ أبدا واستطردت وهي لازالت تبكي: كل ما أرجوه أن أعود كسابق عهدي وانهض من رقدتي وأستطيع أن أتحرك.

على كرسي كان موجودا في الصالة مسحت ما علق به من أتربة وجلست عليه وقلت لها: هل ذهب بك أحد من الجيران الى المشفى أو الى الطبيب؟ هل عرفت شقيقتك التي تقيم بالإسكندرية عن حالتك؟

أجابتني وهي تمسح بيدها دموعها: جارتي أم فاطمة فهي لا تتركني وتقوم على رعايتي، أخذتني إلى المشفى وهناك فحصوني وأجروا لي التحاليل وأعطوني العلاج ومن وقتها وأنا أتناوله دون فائدة، وسيدة- تقصد شقيقتها- رحلت منذ عامين أو أكثر.

تنهدت ونهضت من على الكرسي وأطرقت رأسي في حزن.. تذكرت شقيقتها عندما كانت تزورها وجاراتها عندما كن يجتمعن كل ليلة في شقتها يتسامرن.. أنني أتذكر تلك اللحظات فهي لاتزال منقوشة في ذاكرتي ومخيلتي.. ودعتها والدموع تنهمر من عيني، وغادرت المكان وأنا لا أكاد أرى أمامي

بعد زيارتي لها بأيام قليلة ورد إلى خبر وفاتها.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة