الكاتب علاء عبد العظيم
الكاتب علاء عبد العظيم


«الحسناء» قصة قصيرة للكاتب علاء عبدالعظيم

صفوت ناصف

الإثنين، 16 أكتوبر 2023 - 08:48 م

ساحرة العينين.. حلوة الشفتين.. وأنوثة قاهرة.. وقواما مليا.

 

كانت فيلتها الأنيقة بأحد الأحياء الراقية لا تسكت عن صخب الحفلات الراقصة، وموائد الغذاء، والعشاء، وكانت تشكو المرض كثيرا، وطبيبها الكهل يصر على أن لا شيء في جسدها سوى الفتنة والصحة.

 

تزوجت في فجر شبابها من محام عجوز، شكس الطبع، شاذ السلوك يقضي لياليه منكبا على دراسة قضاياه الضخمة، فكانت أبعد من أن تكون عن حب مثل هذا الزواج.

 

وكان أنصار النفاق من دائرتها الاجتماعية، يتطلعون اليها في أسى، ويرمقونها دائما في ريبة، ولكن أحدا منهم لم يجرؤ على أن يتهمها بأنها تأثم مع أحد إلا عمها الرجل العجوز الذي أحيل إلى المعاش. والذي كان أيضا لا ينأى عن تأنيبها ولا يفتر عن نصحها.

 

وفي أحد الأيام ظهر في جماعة أصدقائها شاب من ذوي الأملاك، بارعا في الحديث، حيث التقى بها عند أحد صاحباتها في حفل عشاء، فجلس إلى جوارها طوال الوقت، ثم أصر على أن يوصلها بسيارته إلى منزلها.

 

وفي أثناء ذلك، كاد يبوح لها بحب عنيف، لكنه لم يعرف ماذا يقول رغم تجاربه في هذا الميدان.

 

جن جنون الشاب الوجيه، وزاد صدها له نار قلبه ضراما، لكنه لم ييأس فكانت تقول له: لا تحاول فإنني لست ممن تظن.

 

استمر الحال على هذا المنوال حتى جاءها عمها يقول لها أنه سوف يسافر إلى إيطاليا ليقضي صيفه، وأخذ يمطرها بوابل من النصائح كعادته، ويؤنبها على حياتها الخليعة، وأشار عليها بأن تدلك جسدها بالزيت الطيب كل أسبوع، وأن تصوم يوما كل أسبوع فإن ذلك أحرى أن يجعلها أقل طاعة للشيطان، ثم ودعها وسألها أن تطلب منه ما تريد أن يحضره لها من إيطاليا.

 

كان يظن أنها ستطلب منه صورة فنية أو قطعة تمثال من رخام، لكنها نظرت إليه فاتنة وقالت بصوت ناعم.

 

عمي أريد منك أن تسافر إلى البندقية، وهناك ستجد أمهر صناع المرايا في العالم، وسأكون شاكرة لك لو أحضرت لي مرآة مجلوة ساطعة، فوعدها عمها بذلك وانصرف.

 

وفي غيابه ظلت كما هي لم تغير شيئا من منهاج حياتها، ولما عاد من رحلته جاء إليها، وقال لها إنه أحضر لها ما طلبته ثم اخرج من طيات ثيابه جمجمة ميت، وخاطبها قائلا:

 

هذه هي مرآتك يا ابنتي، وهي جمجمة امرأة جميلة جاء إلى بها ولدي الذي يدرس الطب، وقال إنها كانت تشبهك تماما، وكانت تسير كما تسيرين أنت الآن، نفس البهرجة ونفس السيرة.

 

كتمت دهشتها، وأخفت فزعها وتقززها وقالت: أشكرك يا عمي الجليل، لقد فهمت درسك تماما هذه المرة، واستفدت من موعظتك، وسأعمل بهذا الدرس، وبهذه الموعظة. وسأضع هذه المرآة أمامي دائما. إذ أرى نفسي فيها كما سوف أكون إن عاجلا أو آجلا. ولأغير من منهجي في الحياة.

 

لم يكن عمها يتوقع هذه النتيجة الباهرة، فأعرب عن رضاه وانصرف مسرورا، ولم يمض دقائق بعد ذهابه حتى حضر الشاب الوجيه فاستقبلته باسمة متهللة الوجه.

 

وقادته إلى حجرة صالونها الفاخرة، فرقص قلبه، وقدم اليها قطعة من الحلوى كانت في جيبه، وقال لها بصوت خفيض: إنها لذيذة، ولكنها ليست حلوة كشفتك.

 

وردت عليه قائلة: ليس من الصواب أن تمدح فاكهة لم تذق طعمها بعد!

 

فأجابها على الفور بتقبيل ثغرها فلم تغضب، وإنما لم يفتها أن تقول له أنها امرأة شريفة عفيفة وأخذت تلطمه بيديها الناعمتين ثم قالت في فتور:

 

إياك أن تفخر بأنك قد نلت مني ما أردت قهرا، فإنك لم تحظ مني بما حظيت به إلا برغبتي، ومحض إرادتي، ذلك لأنني لم أكن قد شعرت بعد بأن الزمن يمضي ويمضي معه الشباب والجمال وكل شيء وإذا مضى شيء من هذا لن يعود.

 

والفضل في ذلك يعود إلى عمي الفاضل الذي علمني هذا.

 فرأيت أن أعمل بنصيحته فاغتنم الجمال والشباب والزمن قبل المصير المحتوم.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة