محمود الوردانى
محمود الوردانى


محمود الوردانى :الشعر الجاهلى .. مرة ليست أخيرة

أخبار الأدب

الخميس، 26 أكتوبر 2023 - 03:20 م

على الرغم من أن ما كُتب عن الشعر الجاهلى متوافر وكثير جدا، وعلى الرغم من أننى قرأت الكتاب عدة مرات، إلا أنه يظل علامة ونقطة مضيئة بل ساطعة فى العقل العربى..

على الرغم من ذلك سأذكّر القارئ وأذكرّ نفسى بكتاب بقى وسيبقى طويلا.

ثلاثة مباحث يضمها الكتاب. الأول شرح فيه منهجه وركّز على علاقة الشعر الجاهلى ب القرآن واللهجات، والثانى أسباب انتحال الشعر، ثم يطبّق منهجه فى المبحث الثالث على عدد كبير من الشعراء الذين أُطلق عليهم جاهليون.

ويرى العميد أن الكثرة المطلقة مما نسميه شعرا جاهليا ليست من الجاهلية فى شيء، بل هى منتحلة ومختلقة بعد ظهور الإسلام، أى انها تمثل حياة المسلمين أكثر مما تمثّل حياة الجاهليين. فمثلا شعر الأساطين مثل أمرئ القيس وعنترة وطرفة هو انتحال من اختراع المتكلمين والمحدثين. أما حياة العرب قبل الإسلام فتُلتمس فى القرآن وليس فى الشعر الجاهلى الذى وُضعت كثرته بعد الإسلام.

  ولكن لماذا اُنتحل هذا الشعر؟ هناك خمسة أسباب. الأول أن القبائل العربية أرادت بعد استتباب الإسلام أن تنسب لنفسها أمجادًا قديمة تزهو بها، فوضعت أشعارًا نسبتها للجاهليين مثل: اليهود والنصارى. الثانى الشعوبية، حيث وضع بعض علماء اللغة والرواة فى العصر العباسى شعرًا يمجّد الماضى الفارسى وجعلوه على ألسنة الشعراء الجاهليين. ثالثا القصاصون الذين وضعوا شعرًا نسبوه للجاهليين وتغنوا فيه بالأمجاد الغابرة لأحداث أمم وشعوب وقبائل بائدة. الرابع الرواة، والخامس هو فساد هؤلاء الرواة مثل حماد من الكوفة وخلف الأحمر من البصرة، وكليهما كان يهدف إلى الكسب والتربح بأى وسيلة.

ويستند العميد فى رأيه إلى تاريخ اللغة العربية ذاته. فلغة عرب الجنوب الحميرية كانت تختلف عن لغة عرب الشمال الفصحى فى نحوها وصرفها وقواعدها، مما دعاه إلى الشك فيما نُسب إلى شعراء الجنوب الجاهليين من شعر كُتب بلغة أهل الشمال. ولنتذكر أن العميد كان يتحدث عن واقع اللغة قبل الإسلام الذى دفع بلغة قريش إلى الصدارة، ويخضع ما خلّفوه من أقوال وروايات لمناهج التحقيق الحديثة فى العلوم الإنسانية، والتى تبدأ بالشك كطريق لليقين، كما تقضى بضرورة أن يتجرد الباحث من العاطفة والهوى، وهو المنهج نفسه الذى كان قد درس أسسه فى فرنسا أيام طلبه العلم قبل سنوات قليلة حين كان يعد أطروحته للدكتوراة.

  من جانب آخر، لم يكن العميد أول من شكك فى صحة الشعر الجاهلي. ومن المهم أن أنقل نص ماكتبه ردًا على اتهامه بالتشكيك فى النص القرآنى نتيجة لذلك” ولسنا نخشى على القرآن من هذا النوع من التشكيك والهدم بأسًا، فنحن نخالف أولئك الذين يعتقدون أن القرآن فى حاجة للشعر الجاهلى لتصح عربيته وتثبُت ألفاظه. نخالفهم فى ذلك أشد الخلاف، لأن أحدًا لم ينكر أن العرب قد فهموا القرآن حين سمعوه تُتلى عليهم آياته، وإذا لم ينكر أحد أن النبى عربي، وإذا لم ينكر أحد أن العرب قد فهموا القرآن حين سمعوه، فأى خوف على عربية القرآن من أن يبطل هذا الشعر الجاهلى أو هذا الشعر الذى يضاف إلى الجاهليين”.

وفى النهاية يضيف العميد:

«أيهما أشد إكبارًا للقرآن وإجلالًا وتقديسًا لنصوصه وإيمانًا بعربيته: ذلك الذى يُستدل بعربيته القاطعة على تلك العربية المشكوك فيها، أم ذاك الذى يستند على عربية القرآن بشعر كان يرويه فى غير احتياطٍ ولاتحفظٍ. قوم منهم الكذاب ومنهم الفاسق ومنهم المأجور ومنهم صاحب اللهو والعبث”.

سيدى العميد .. كتّر خيرك..


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة