علاء عبد العظيم
علاء عبد العظيم


«أقوى إنسان في العالم!» قصة قصيرة للكاتب علاء عبدالعظيم

علاء عبدالعظيم

الجمعة، 27 أكتوبر 2023 - 07:58 م

الشيخ سلمان، رجل كهل رث الثياب، ضعيف البنية، يمشي وهو يئن ويتوجع.. ولكنه مع ذلك كلما مر بالمقهى الذي نجلس فيه، وقف ومد قامته الطويلة المهيبة وينظر إلينا بعيون الصقر، وصاح في صوت آمر.

 

- أنا أستطيع أن أحطم أقوى رجل فيكم!

 

هناك من هو أقوى منه بكثير، ومع ذلك كنا نرتجف رعبا، وخوفا اذا أمر أحد منا أن يعطيه جنيها، دس يده في جيبه وأخرج محفظته ودفع له بلا مقاومة أو مناقشة وكأنه تحت تأثير التنويم المغناطيسي.

 

ولم يكن التنويم المغناطيسي هو الحيلة التي يلجأ إليها الشيخ سلمان، وكذلك لم يستعمل أمامنا السحر أو يدعي استعانته بالجن والعفاريت، بل كانت عضلات الشيخ سلمان وحدها هي المقياس الذي نعرف به مدى قوته.

 

كان يمد يده إلى أحد الجالسين، ويقول له في لهجة آمرة.

 

- امسك يدي.. فيدهش.. بيد الشيخ سلمان الطرية الهشة كأيدي عجائز النساء.

 

ثم يصيح فجأة:  هل تريد أن أحطم عظامك.. ويسحب يده ويقبض على حجر صلد جامد، وفي لمح البصر يضغط عليه فإذا به يتحول إلى حفنة من تراب!

 

ويطلب عملة معدنية، ويمسك بها بين أصابعه، ويضرب عليها ضربة بسيطة بسبابته، وإذا بها قد انقسمت إلى نصفين.

 

ثم يمسك بقضيب من الحديد الصلب، يحاول عشرة رجال أن يثنوه بلا جدوى، ثم يمسك هو في سهولة وإذا به أيضا قد التوى كعصا مصنوعة من الخيزران.

 

آمنا جميعا بالشيخ سلمان الذي كان إذا رأى نظرات تحد، تبدو في عين أحدنا تقدم منه وقال:

 

- اسمع .. أستطيع أن أحطم هذه المائدة الرخام، فينتفض المعلم ثروت صاحب المقهى، ويأتي على عجل، ويصيح متوسلا.. اعمل معروف يا شيخ سلمان كفى ذلك.

 

فيمد الشيخ سلمان كفه ويقول والشرر يتفجر من عينيه:  من يقف على كفي هذه.. وأستطيع أن أقذف به في الهواء فيظل طائرا حتى يصعد إلى المريخ.

 

وفي أحد المرات سألنا الشيخ سلمان عن سبب قوته الخارقة.

فقص علينا حكاية طويلة عن أنه كان في مكان منعزل في الصحراء، ومصادفته لرجل يحاول الاعتداء على امرأة، وإذا به يهجم على الرجل، وكان وحشا ضاريا أقوى منه، لكنه مع ذلك فوجئ بقوة ربانية تهبط عليه من السماء، وتمكن من إنقاذ المرأة، ومنذ ذلك اليوم وهو على قوته العظيمة التي لا تغلب!

 

صدقنا هذه القصة، وآمنا بمعجزة الشيخ سلمان، ومع ذلك كان هناك شئ يقلق صدري، يهمس لي بأن كل هذا غير معقول!

 

ومع الوقت اشتدت لجاجة الشيخ سلمان، وسخافته، وأكثر من شخطه فينا وأوامره لنا بإعطاءه النقود، وقد بدأ يبالغ فيما يطلب من أرقام.

 

حتى جاء يوم، وتهورت فيه، وقلت له متحديا: دعني افتشك..إن المسألة كلها خفة يد كالحاوي تماما، فأنت تخفي الحجر أو العملة المعدنية، وتظهر بدلا منه ترابا أو عملة مكسورة مسبقا، وتخفي في جيوبك، وأكمامك!

 

هاج الشيخ سلمان، وماج، وأراد أن يقذف بي إلى المريخ، وأن يحطم المقهى.. لولا أن قام أصحابي الخائفون، يسبقهم المعلم ثروت الذي يخشى على موائد المقهى أن تتحطم، ويطلبوا منه ألا يستمع إلىّ حتى رضي أخيرا وانصرف في سلام.

 

بقيت على حالي تتنازعني عوامل الشك واليقين، حتى جاء الشيخ سلمان في اليوم التالي، وكنت أجلس بمفردي، واقترب مني في هدوء، و بادرني بالتحية على غير عادته، بينما يرقبنا عن كثب المعلم ثروت وهو ينفث دخان سيجارته، وتعلو وجهه علامات الاستفهام والدهشة، عندما اقترب مني الشيخ سلمان في هدوء.. على غير عادته و بادرني بالتحية..

فقلت له.. قبل أي شيء دعني أفتشك

ومال علي الشيخ سلمان.. وقال هامسا

- حرام عليك.. ليه عايز تفضحني، وأنا رجل كبير في السن.. وأن مكنتش أعمل كده.. أجيب رزقي ورزق أولادي ازاي.

شعرت بمحنة الشيخ العجوز، أصبحت أكثر المتحمسين له، والمنادين على الملأ.. إنه أقوى إنسان في العالم!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة