أمير الصحافة محمد التابعى يحتفل مع أصدقائه فى رأس السنة فى أوروبا
أمير الصحافة محمد التابعى يحتفل مع أصدقائه فى رأس السنة فى أوروبا


كنوز| أمير الصحافة يقضى ليلة «رأس السنة» وحيدًا

عاطف النمر

الأربعاء، 27 ديسمبر 2023 - 07:21 م

منذ 47 عاما غادرنا أمير الصحافة «أستاذ الأساتذة» محمد التابعى فى 24 ديسمبر 1976 قبل 7 أيام من حلول عام 1977، ونقدم لقراء « كنوز» فى ذكرى رحيله مقتطفا من مقال نشره فى الأول من يناير 1960 بجريدة «الأخبار» يتناول فيه ليلة رأس السنة التى قضاها وحيدا فى بيته لأول مرة، وهذا أمر غير معتاد من الأمير المحاط دائما بتلاميذه ونجوم الفن والفكر والصحافة، وأغلب ليالى رأس السنة كان يقضيها فى أوروبا، فهيا بنا لنعرف ماذا حدث فى تلك الليلة من خلال ما كتب : 

«يومان فى العام كنت أقضيهما فى الفراش وفوق رأسى كيس من الثلج أحاول أن أخفف ببرودته ما خلفته السهرة فرأسى من نار وبخار!.. 19 مايو..

أى غداة الاحتفال بذكرى «ولا أقول عيد مولدى» لأن أصدقائى متفقون على أن مولدى ليس بالحادث الذى يحتفل به أو الذى نشرب بمناسبته الأنخاب.. واليوم الآخر هو ليلة أول يناير، فى العام الماضى استقبلت صباح 19 مايو وفى قلبى «لا فوق رأسى» تقل من الثلج خلفه أمل خاب، وكان يوم 19 مايو بالذات هو يوم الوداع ويوم الفراق..

واليوم «أول يناير» أجلس إلى مكتبى فى الصباح الباكر ورأسى أصفى وأبرد ما يكون فقد كنت أقسمت أن أمضى ليلة رأس السنة فى مسكنى وحدى وأن استقبل العام الجديد بعزم جديد وسحبت نفسى إلى مسكنى، وأنا أعيش بمفردى، والنور الخافت الذى أضأته كان يلقى ظلالا ثقيلة من الذكريات، وما أمرّ الوحدة عندما يحس المرء منا أن كل عام جديد يدنيه خطوة من خريف الحياة، تراخيت أمام المدفأة فى مقعد كبير.

وأدرت مفتاح الراديو وإذا بالمذيع يقول إنه باق على استئناف البرنامج لحظات سوف يملؤها باسطوانة للآنسة أم كلثوم، وشاء ذوق المذيع أن يختار أغنية «ياما أمرّ الفراق»! وكان يمكنه «والليلة رأس السنة» أن يختار «افرح يا قلبى» أو «يا بهجة العيد السعيد»، ولكنه اختار «ياما أمرّ الفراق»، كأنما النور الخافت والوحدة والقلب الكسير كانت تحتاج فى انسجامها إلى هذا اللحن الحزين!

كانت هذه أول مرة أمضى فيها عيد رأس السنة فى مصر، منذ خمس سنوات، وها أنا أمضيه وحدى، أنا الغريب فى بلدى، الغريب بين الأهل والأصحاب، ومن وراء غلالة من الدمع المحبوس مر شريط طويل من الصور، بعضها هنا فى مصر، ومعظمها هناك عبر البحار، فى باريس ولندن وزيوريخ وسان موريتز وبال وبودابست وبرلين وانسبروك وبروكسيل وبرجن وأوسلو ونيويورك، بل فى ترنيداد بجزر الهند الغربية، صور، وصور.. وكل صورة منها كانت صفحة من كتاب الحياة وقد كتبتها بدم قلبى، وها هو ذا القلب قد جف أو كاد، فهل فى مداده القانى بقية لكتابة سطر واحد جديد؟ 

ودقت الساعة الحادية عشرة، ساعة واحدة باقية على مولد العام الجديد، ساعة واحدة ثم تطفأ الأنوار لكى يتبادل المحبون الأمانى والآمال، والقبلات، وما أنا فى حاجة إلى إطفاء الأنوار، فإن قلبى مغمور فى الظلام.

هذه السطور كتبتها كما قلت منذ نحو عشرين عاما، أى قبل أن أتزوج وأرزق بطفلين والثلاثة هم الآن عندى كل شيء فى الحياة والحمد لله.

محمد التابعى «الأخبار» 1 يناير 1960

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة