الكاتب محمد نبيل
الكاتب محمد نبيل


« سيناء عتبات الجنة 101».. 7 قصة قصيرة للكاتب محمد نبيل

صفوت ناصف

الأحد، 31 ديسمبر 2023 - 11:22 م

إهــــــــداء

إلى المصريات ..

الأم التي تدعوا لفلذة كبدها بالحياة الأبدية وهى تعلم الحقيقة!

.. الزوجة التي تحمل جنينا لن يرى والده أبدا وتتحول  رجلا (!)

الابنة التي ترفع رأسها فخرا لذكرى والدها…

من أجل الوطن ...

«الخيانة»

تدور حلقات العمل على قدم وساق وداخل طرقات القناة التي التحقت فاطمة للعمل فيها بعد توصيات من معارف خالها واختبارات عديدة وتتمكن من المشاركة كعضوة بهيئة تحرير البرنامج الإخباري الرئيسي بالقناة ومسئولة عن الترجمة للأخبار الواردة من الوكالات الأجنبية

وتندهش حين تقرأ عن انفجار يهز سيناء وعنوان الخبر مسبوق بكلمة (عاجل الآن) فقبل أن تترجم متن الخبر تسابق الريح منطلقة إلى إحدى زميلاتها على مواقع البوابات الإلكترونية المصرية وتسألها في لهفة: أمينة عندك أخبار انفجار بسيناء الآن ؟

ترد أمينة باستغراب لأ .. ليه ؟ فيه إيه؟ خير..

تتركها فاطمة في استعجال وتوحه لها كلامها مغادرة غرفة مكتبها طب دوري بسرعة على الخبر ده .

وتجري إلى مكتبها تجذب الشاشة إليها وتمسك بالقلم تترجم ما تقرأه بالإنجليزية بصوت عال.. ياولاد الكاااااالب عرفتوا منين؟!

تنتهي من ترجمة الخبر كاملا وتعيد تدقيقه وتتلعثم وهي تراجع، فقد قفزت صورة يوسف من داخلها لتتجسد أمامها .. وتسأل نفسها حبيبى يوسف في الإسماعيلية مش في سيناء ؟ صح ؟ لأ مش صح .. يا نهار .. يارب ساعدني, عرفني, ادينى أمارة .. قلبي واكلني يا رب .. وتنهار في بحيرة دموع وتلقي برأسها على مكتبها لا أمل في الاتصال بيوسف والخبر يقول أعداد القتلى في تزايد والانفجار لم تشهده سيناء من قبل.. وأيه يا رب يا رب دلني على الحقيقة أنا كده حاموت ..

وتقع في حالة إغماء من على كرسى المكتب محدثة صوتا وضجيجاً، ويجري إليها أحد الزملاء مناديا على بقية المولاء : الحقوا ياجماعة فاطمة.. فاطمة وقعت، خير يارب، ويتدافع الزملاء إلى المكتب تتقدم من وسطهم أمينة وتنادي إحدى الزميلات أن تساعدها في حمل فاطمة لرفعها من على الأرض إلى الكرسي وتطلب مغادرة الرجال من المكتب: معلش يا أخوانا سيبونا نطمن عليها واطلبوا عربية الإسعاف.

ويتساءل الزملاء المنصرفون: ماذا حدث بهمهمات متقاطعة متطفلة؟ لا تدل على أن الموقف بسيط، ويبدأ أحدهم في ادعاء النباهة واستنتاج ما حدث لأنها كانت شاحبة عندما قابلها في صالة التحرير أمس, والآخر يقاطعه ساخراً لا سمعتها تنادي على حد وكانت بتكلم نفسها وتبكي يمكن ملموسة !

تخرج أمينة إليهم معنفة تدخلهم السافر: عيب .. عيب كدة وتقولوا على نفسكوا مسلمين؟ دي أخلاق ناس متدينة, بدل كلام الستات ده راجل منكوا يطلب الإسعاف, وقبل أن تمسك بتليفونها لتطلب أرقام الإسعاف إذا بفاطمة تتحرك وتتمتم شفتاها بيوسف وتسأل عامل آيه؟

فيسأل مندهشا أحد الزملاء مين سي يوسف ده كمان؟ والآخر يكمل أكل اللحم الميت: بنات آخر زمن ياعم .. سيبك ده طلع في الموضوع يوسف.. وتتعالى ضحكاتهم الشيطانية وكأنها خلفيات صوتية لكوابيس مزعجة .. تفتح فاطمة أجفانها رويدا رويدا خشية هذه الأصوات التي تظنها بقايا حلم مؤلم جدا.. وتجد أمينة محدقة في وجهها مترقبة حالتها فتسألها: أيه اللى حصل يافاطمة؟

 وتتحسس فاطمة حالتها وتنفض ملابسها من أثر وقوعها على الأرض وتسأل هى بدورها ماذا حدث؟

بعد فترة وجيزة تستجمع فاطمة طاقاتها وتنهض ببطء وتسرع إليها أمينة لتمسك بها قبل أن تقع من جديد قائلة: في أيه يا فاطمة امسكى نفسك شوية وبعدين نشوف أيه اللي حصل في سينا اطمني كلهم بخير يا رب.. فتنادي فاطمة ربها باستجداء يا رب يا رب.

تنظر فاطمة إلى ورقة الترجمة وتقرأها لأمينة وتسألها ليه؟ ليه بيحرمونا من الأمان ومن أعز الناس لينا دول مسلمين؟ لا والله مش ممكن يكونوا مسلمين, وإلا يبقى اللى اتعلمناه في مدارسنا ومساجدنا مش دين! قولي حاجة يا أمينة ساكته ليه ؟

تجذب أمينة الكرسي من ركن غرفة المكتب وتجلس عليه متنهدة ياااه يا فاطمة، هما نفسهم عارفين إنهم على ضلال وإلا ليه الكبار منهم مش بيخلوا أولادهم انتحاريين؟ وليه بمنتهى البساطة تلاقي الواحد منهم أسرته فقيرة جدا وعلى غفلة يقولك فلان اشترى بيت وفلان عمل سوبر ماركت وفلان عنده قناة زي اللي احنا فيها ديه..

فاطمة: يعني أيه ؟ عايزة تقولي إن القناة دى بتاعتهم ؟!

أمينة : طبعاً ما اقدرش أجزم بده إنما ليه توجهاتها غريبة شوية؟ يعني مثلا كان لي تحفظ لما عرضوا فيلم الكرنك يوم عيد الشرطة وفيلم أنا كارولينا بتاع عمر الشريف وفاتن حمامة يوم تخرج الكلية الحربية وغيرها زى البرئ وشئ م الخوف على الرغم من إن إدارة القناة مش مؤمنين بفكرة إنتاج أفلام وطنية أو حربية جديدة، طب ليه بيعرضوا القديم وفي المناسبات ديه بعينها .

فاطمة : أيوة بس ديه قناة عربية برأس مال عربي معقولة تكون بتهد في البلد بالأسلوب ده؟!

أمينة : تعالي نشوف ح يعلنوا خبر سيناء ده ازاي.

فاطمة : شوري عليا الأول يا أمينة اتصل بوالدة يوسف يمكن عندها خبر يطمني؟

أمينة : لا .. اوعي تعملي كده حرام تشغلي بال الأم ربنا ينتقم منهم ويريحنا كلنا. 

فاطمة : أنا لازم اطمن الأول .

أمينة : تعالي أكيد ح يعلنوا التفاصيل دلوقتي.

تتحدى فاطمة ما يدور بداخلها بعد كلام أمينة وتقرر خوض معركة خفية لاكتشاف الحقيقة فتجمع التقارير عن انفجار سيناء وتذهب به إلى صالة التحرير وقبل أن يسألها رئيس التحرير عن حالها وما سمعه من الزملاء عنها يبادر بخطف أوراق الخبر من يدها ويتوجه إلى محرر البار نيوز: بسرعة يا أمجد نزل الخبر ده على البار نيوز مش عايز تفصيلة تنقص أو تغيب الناس كلها عينهم علينا دلوقتي ياله بسرعه حالا.

وفور ظهور الخبر على شاشة القناة تتناقله بقية القنوات الفضائية عن هذه القناة وتعلم بالخبر والدة يوسف والتي تمسك بتلابيب ملابسها صارخة في وجه أبو يوسف : طمني يا اخويا ابنى .. ابنى حصل له أيه؟

فيتصل والد يوسف بفاطمة ليسألها عن تفاصيل الخبر وترد فاطمة : خير إن شاء الله ياعمي اطمن ماعندناش تفاصيل غير كدة إنما صفحة المتحدث العسكري قالت إنها ح توافينا بأسماء الشهداء والمصابين ربنا يستر ياعمي .. عمي عمي رد عليا .. وتتصلب نظرات والد يوسف متوجها إلى أم يوسف واخته الباكيتان في صمت .. هو لا يعلم كيف يخبر والدة يوسف أن هناك شهداء وربما .. وهي تعاني من غيبوبة سكر متكررة .. فأخذ يردد بلسانه اللهم لا أسالك رد القضاء ولكن أسالك اللطف فيه.. فتسقط والدة يوسف مغشيا عليها ويضطرب البيت وتصرخ فاطمة يا عمى رد عليا أيه اللي حصل؟

وتغلق الخط ثم تتصل بأخت يوسف والأخيرة لا ترد إلا بعد عدة مرات فهي كانت مشغولة بوالدتها وعندما لمحت اسم فاطمة يتصل على تليفونها التقطته سريعا: خير يا فاطمة

فاطمة : الأسماء نزلت على صفحة المتحدث

نورا: يعني أيه ؟

فاطمة: يعنى ربنا يحفظ يوسف وزمايله وينتقم من ولاد الكلب الكفار دول.

يسقط التليفون من يد نورا وهي تقفز فوق أثاث البيت مختصرة الطريق لطمأنة والدتها وتبكي: يوسف بخير يا ماما إنما زمايله في الوحدة شهداء، يسجد والد يوسف في مكانه شاكرا لله ويدعوا بالصبر لأهالي الشهداء والانتقام الإلهى من التكفيريين..

وعلى السرير بين الافاقة والإغماء تتمتم والدة يوسف أحمدك يا رب بس انت المنتقم الجبار انت المنتقم الجبار يا كبدي عليكوا يا ولاد مصر يا حسرة قلوب أمهاتكم وستتاتكوا ياعينى يا بنى ربنا ينصرك يا سيسي ربنا ينصر مصر وتجهش ببكاء مرير وكأنها تبكي عوضا عن كل أمهات الشهداء فتحتضنها نورا وتربت على كتفها: يا ماما مش كده اصبري واحتسبي.

أم يوسف: يا بنتى كلهم ولادي لما تكبري تعرفي معنى الضنى، اااااه يارب صبرنى وصبر أمهاتهم يا رب فرجك علينا احنا تعبنا واكتفينا حروب وتنظر لصورة أخوها الشهيد سعيد اللي خدته حرب الخليج من حضنها وهي اللى كانت بتربيه بعد وفاة والدتها .

تنادى أم يوسف على أبو يوسف: أمانة عليك يا أبو يوسف لتعمل صوان كبير على روح زمايل يوسف وتبكى بحرقة جعلت هذا الرجل الهرم يبكي معها ولا تعلم نورا هل سبب بكاء والديها الفرحة لنجاة يوسف أم الخوف عليه من نفس المصير أم مشاركة أسر الشهداء مصيبتهم أم الخوف على مصر من القادم أم كل هؤلاء وربما يزيد ما لم يستوعبه عقلها البرئ.

وتتعالي أصوات الطرق متسارعة على باب أسرة يوسف ممتزجة بأصوات الجرس فتخرج مورا من حواراتها مسرعة وكأن الباب طوق نجاة من هواجسها وإذا بالست عزيزة والحاج إبراهيم يدخلا دون استئذان كعادتهما إلى وسط البيت منادين على والدي يوسف .

الحمد لله يا أم يوسف .. يوسف بخير الحمد لله

فيخرج والد يوسف وهويمسح دموعه التي تساقطت على جلبابه الأبيض قائلا: إنا لله وإنا اليه راجعون .. تعالي معايا ياحاج إبراهيم ننزل ناخد العزا في زمايل يوسف الله يرحمهم, ولم يتردد الحاج إبراهيم في اصطحاب والد يوسف إلى محل الفراشة لطلب نصب الصوان وأقسم عليه أن يتقاسما مصروفاته كلها .

الحاج إبراهيم: أنا يا ابو يوسف ماعنديش ولاد صحيح إنما إنسان برضه حاسس بوجع الآباء اللي فقدوا أولادهم والله زى ما يكون العمر اللي فات كنت أربي في ولد وكبر واستشهد النهاردة أيه رأيك بقى ويبكى إبراهيم أمام محل فراشة عم أبو فادي صاحب المحل الذي يحل المعضلة بين والد يوسف وحماه ويقول: والمسيح الحى لتطلع الفراشة كلها بالمقرئ كمان من عندي وانا اللي ح روح اتفق مع الشيخ درويش مقرئ سيدنا الحسين رأيكم انتوا الاتنين أيه ؟

وفي تلك الأثناء تبدأ فاطمة حربها الخفية مع أمينة في اكتشاف كواليس هذه القناة فتلحظ تصرفات كانت تمر عليها سابقا دون أن تقف عليها رجال غير معروفين إنما تبدو عليهم علامات الغنى من كروشهم الممتلئة ووجوههم الحمراء الفرحة بنصر يسمونه فيما بينهم برنامج بداية الطريق فتسأل أمينة عن ضيوف مدير المحطة الذين يضحكون ببشاعة والمفروض إن المجنمع كله حزين وما هو برنامج بداية الطريق.

لا تعلم أمينة شيئا عن هؤلاء فأول مرة يأتون للقناة وأيضا تؤكد أنها لا تعلم شيئا عن برنامج بداية الطريق.. ربما نازلين ببرنامج جديد وهذا اسمه تقاطعها فاطمة لا لا والله الموضوع فيه إنّ! وإنّ كبيرة كمان!

وتلمع عين فاطمة وكأنها تعتزم فعل شئ ما كبير ! هكذا أدركت أمينة.... يتبع

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة