هشام عطية
هشام عطية


قلب مفتوح

أم محمود القبطية!

أخبار اليوم

الجمعة، 05 يناير 2024 - 08:08 م

على هذه الأرض ما يستحق الحياة، شعب استثنائى فريد بين شعوب الدنيا، علّم البشرية التسامح ووضع أسس المواطنة وقبول الآخر قبل أن يصكها العالم المتقدم فى معاهدات ودساتير.

ساعات وتهل علينا ذكرى ميلاد المسيح عليه السلام كلمة الله وروح منه، أمرنا إسلامنا السمح بألا نفرق بين أحد من رسله، كل عام ونحن جميعاً بخير، مسلمين وأقباطاً.

منذ عقد من الزمان فى إحدى قرى الساحل الشمالى أتذكر أنى صادفت مواطناً قبطياً يدعى جرجس من عمال الشاطئ رغم أنه لم يتجاوز الخامسة والثلاثين إلا أن الزمان خط على ملامحه خطوط الشقاء ورغم ذلك يكسو وجهه وداعة وطيبة لا تخطئها العين.

بعد أحاديث بسيطة بيننا سرت فى نفسى طمأنينة لهذا القبطى وروى أغرب قصة يمكن أن تحدث بين مسيحيين ومسلمين.

فى أحد الأيام ونحن جالسون على البحر ترك «جرجس» هاتفه المحمول لدينا وانصرف لتنظيف الشط أمامنا، ظل الهاتف يرن بإلحاح مزعج وكان المتصل كما ظهر على الهاتف يدعى محمود.

بعد فترة عاد جرجس ليأخذ هاتفه فأخبرته بالاتصالات المتكررة لمحمود، فتجهمت ملامحه، وقال: إنه أخى ربنا يستر وتكون أمى بخير.. أجرى جرجس اتصالات اطمأن على والدته وعند عودته بادرته ضاحكا محمود أخوك عامل ايه يا جرجس؟! 

ارتسمت ملامحه بالجدية، وقال: إنه أخى حقاً رضعنا من ثدى واحد وعشنا أيام طفولتنا وشبابنا تحت سقف واحد ومازلنا. 

وبدأ جرجس يروى حكاية أغرب من الخيال، قائلا: محمود فى الحقيقة ابن لجيراننا المسلمين فى قرى الصعيد، انفصلا أبواه وتركاه رضيعاً لولداتى، وغابت أخبارهما، احتضنته أمى وأصرت على أن يظل على إسلامه وكانت تصحبه إلى الجامع وتحرص على الصلاة والصيام، كان محمود متفوقاً فى كل مراحل دراسته، دعمته أمى، أنفقت عليه رغم ضيق الحال الذى كنا نعانيه حتى أصبح مهندساً، منذ شهرين تعانى والدتى من أمراض عدة وترقد فى العناية المركزة لا يفارقها محمود ليلاً أو نهاراً ودموعه لا تفارق عينيه حزناً على ما أصابها متكفلاً بكل نفقات علاجها فى أرقى المستشفيات بالصعيد ومتكفلاً أيضاً بنفقات زواج أختى تريزا.

فرت الدموع من  عين جرجس.. لحظتها أدركت أنا لماذا هذا الوطن عصى على الفتن والمؤامرات؟!.

شعب شرب من نيل واحد، ذاق خير حصاده وواجه غضبه فى أيام فيضانه، فترسخ فى وجدانه فكرة أن المصير واحد حتى يوم الدين.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة