د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد


خارج النص

متلازمة ستوكهولم... و«غسيل الدماغ» المستحيل!!

د. أسامة السعيد

الثلاثاء، 09 يناير 2024 - 07:55 م

يتحدث الإسرائيليون هذه الأيام عن رغبتهم فى أن يغيروا قناعات الشعب الفلسطينى، وبخاصة فى قطاع غزة، كى يتخلى سكان القطاع عن دعمهم لخيار المقاومة، ويتقبلوا الاحتلال الذى يعدهم بأن «يحول القطاع إلى جنة» إن هم تخلوا عن المقاومة، على حد تعبير أحد المتحدثين باسم حكومة الحرب فى تل أبيب.

المسئولون الإسرائيليون يحاولون استلهام تجارب عدة من تاريخ رعاتهم وأولياء أمورهم الأمريكيين ممن طبقوا هذا الأسلوب سابقا مع كل من الألمان واليابانيين بعد الحرب العالمية الثانية، إذا استطاعت الدعاية الأمريكية والعنف الهائل المسبب لآلام مروعة أن تقنع أبناء هذين الشعبين بالتخلى عن دعمهم للأفكار التى قادت إلى كل ذلك الألم، وهى بالطبع فكرة خبيثة وتعتمد على أسس نفسية طورها العديد من الباحثين، وأبرزهم الطبيب النفسى نيلس بيجيروت الباحث فى علم الجريمة، الذى صاغ مصطلح «متلازمة ستوكهولم» (Stockholm Syndrome) لتفسير فكرة التلاعب بعقول الرهائن أو الضحايا أو بالأحرى «غسل أدمغتهم»، مستندا لتحليل سلوك عدد من الرهائن الذين تعاطفوا مع خاطفيهم، أو حتى سقطوا فى حبهم!!

يتصور الإسرائيليون أنهم قادرون على غسل أدمغة الفلسطينيين والعرب من ورائهم لكى يسقطوا فى فخ التعاطف مع القتلة والمحتلين، ويتناسون أن طبيعة الفلسطينيين والعرب، لا تعرف مثل تلك الأفكار الساذجة، فالعربى مثل الإبل، قد تصبر على الألم والأذى، لكنها لا تنسى أبدا من يؤذيها، وعندما تحين اللحظة المناسبة ترد له الصاع صاعين.

يخطئ الإسرائيليون إذا تصوروا أنهم بالمبالغة فى إيلام أكثر من مليونى فلسطينى فى قطاع غزة   وقد بلغوا بالفعل فى هذا الشأن حدا جنونيا - يستطيعون محو ذاكرة الفلسطينيين، ويدفعونهم إلى التنكر للمقاومة، أو إعلان الاستسلام والسقوط فى حب القتلة، فالفلسطينيون الذين هُجر أجدادهم عام 1948 لايزالون يحملون مفاتيح دورهم المسلوبة، ويتوارثون حلم العودة جيلا بعد جيل.

يتوهم الإسرائيليون أنهم قادرون على غسل أدمغة الفلسطينيين والقضاء على حقهم فى المقاومة، ويتناسون أن من نفذوا عملية 7 أكتوبر، كانوا أطفال انتفاضة الأقصى عام 2000، من رأوا بأعينهم محمد الدرة يقتل وهو فى أحضان أبيه، لم يخش أولئك الأطفال أن يلقوا مصير صديقهم الشهيد، بل ذهبوا بعد أكثر من 20 عاما ليأخذوا بثأره، فهل هذا شعب يمكن أن يتخلى عن قضيته، ويتنازل عن حقه، أو يسقط فى حب قاتليه؟!

ما صنعه الإسرائيليون فى حربهم الباغية ومبالغتهم فى قتل وإصابة عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء من أبناء غزة، وتدمير معظم مرافق ومبانى القطاع، لن يفلح فى إصابة الفلسطينيين بالخوف ويدفعهم إلى التراجع، بل سيُحدث العكس تماما، فمن قتلت له قوات الاحتلال له أما أو أبا أو شقيقا أو صديقا، سيأخذ بثأره ولو بعد حين، ومن عاش قسوة التهجير وعايش أوجاع الجوع والحرمان والمذلة، لا تتوقع منه أن يصير حملا وديعا.

إن ما فعلته إسرائيل بيمينها المتطرف وقيادتها المتغطرسة وجيشها الذى لا يجيد سوى الاستقواء على الأبرياء، سيطوقها لأجيال عديدة قادمة، فقد خلقت أجيالا من الأعداء الراغبين فى الثأر، وليتذكروا، وعلينا نحن أيضا أن نتذكر، أن جيش صلاح الدين الأيوبى الذى خرج من مصر، وانتصر فى معركة حطين (1187م) لم يكن قد ولد أبطاله يوم وقعت مأساة احتلال الصليبيين للقدس (1099م) التى ذبحوا فيها - بحسب كثير من المصادر التاريخية - نحو 70 ألفا، بل جاء جيش التحرير بعدها بـ 88 عاما، فحقوق الشعوب لا تسقط بالتقادم، وارتكاب الجرائم لا يغير مسار التاريخ، بل ربما يُسرّع بمجرياته.. ولا يزيد الظالمين إلا خسارا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة