موضوعية
موضوعية


«اَلْمَنْدِيل اَلْوَرَقِيِّ اَلْأَصْفَرِ» قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني

صفوت ناصف

الأربعاء، 17 يناير 2024 - 12:37 ص

اِلْتَقَيَا دُونُ سَابِقٍ مِيعَادٍ . . فِي مِنْطَقَةِ اَلرَّابِيَة اَلْمُطِلَّةِ عَلَى مِينَاءِ اَلْعَقَبَةِ اَلْأُرْدُنِّيِّ . . حَيْثُ يَلْتَقِي اَلْمُسَافِرُونَ إِلَى اَلْأَرَاضِي اَلسُّعُودِيَّةِ بِالطَّرِيقِ اَلْبَرِّيِّ . . لَاحَظَ شُرُودَهَا . . اِضْطِرَابُهَا . . نَظَرَاتُهَا اَلْحَائِرَةُ اَلْمُتَفَحِّصَةُ فِي اَلْوُجُوهِ اَلْمُحِيطَةِ بِهَا . . أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنْ سُورِيِّينَ ، لُبْنَانِيِّينَ ، فِلَسْطِينِيِّينَ ، مِصْرِيِّينَ . . جَمِيعُهُمْ فِي اِنْتِظَارِ اَلْبَاصَاتِ اَلَّتِي تُحَمِّلُهُمْ إِلَى اَلْمُدُنِ اَلسُّعُودِيَّةِ اَلْمُخْتَلِفَةِ بِغَرَضِ اَلْعَمَلِ أَوْ اَلزِّيَارَةِ أَوْ أَدَاءِ اَلْمَنَاسِكِ اَلدِّينِيَّةِ .

حَضَرَتْ سَيَّارَاتِ اَلْحَقَائِبِ . . وَقَبِلَ أَنَّ تَلَقَّى حُمُولَتَهَا قَفَزَ اَلْبَعْضَ إِلَى سَطْحِهَا بَحْثًا عَنْ حَقَائِبِهِ وَمُسَاهَمَةٍ فِي تَفْرِيغِ حُمُولَتِهَا مِنْ اَلْحَقَائِبِ اَلْمُتَنَوِّعَةِ اَلْأَحْجَامِ وَالْأَنْوَاعِ وَاللَّفَائِف وَالْكَرَاتِينِ اَلْمُتَنَاثِرَةِ . . وَقَفَتْ تُحَاوِلُ اَلتَّعَرُّفَ عَلَى حَقِيبَتِهَا فِي اَلضَّوْءِ اَلْخَافِتِ اَلَّذِي يَحْتَوِي اَلْمَكَانُ . . وَالْكُلُّ كَالْأَشْبَاحِ اَلَّتِي تَقْفِزُ بَيْنَ اَلْحَقَائِبِ وَأَحْيَانًا كَثِيرَةً فَوْقَهَا . . تَتَحَرَّكَ فَتَتَعَثَّر أَقْدَامُهَا فِي إِحْدَى اَلْحَقَائِبِ . . تَتَعَلَّقَ بِالْيَدِ اَلْمُمْتَدَّةِ إِلَيْهَا لِتَمْنَعَ سُقُوطَهَا .

قَدَّمَتْ شُكْرَهَا . . اِبْتَسَمَ . . سَأَلَهَا عَنْ عَلَامَةٍ يُمَيِّزُ بِهَا حَقِيبَتُهَا . . أَخْبَرَتْهُ بِالشَّرِيطِ اَلْأَصْفَرِ اَلْمَعْقُودِ فِي مِقْبَضِهَا . . مَسْحُ بَعِينَيَهْ اَلْمَكَانُ بَحْثًا حَتَّى اِلْتَقَطَتْ عَيْنَاهُ اَلْمُدَرَّبَةَ مَوْقِعَ اَلْحَقِيبَةِ فِي سُهُولَةٍ وَيُسْرٍ . . وَيَلْتَقِطَهَا إِلَى حَيْثُ جَلَسَتْ عَلَى مَقْعَدٍ خَشَبِيٍّ فِي أَطْرَافِ اَلْمَكَانِ . . شَكَرَتْهُ لِلْمَرَّةِ اَلثَّانِيَةِ وَقَالَتْ أَنَّهَا فِي طَرِيقِهَا إِلَى اَلْعَمَلِ بِمَدِينَةِ " جُدَّةَ " لِلْمَرَّةِ اَلْأُولَى . . أَخْبَرَهَا أَنَّهُ ذَاهِبٌ إِلَى مَدِينَةِ اَلرِّيَاضِ لِلْعَمَلِ وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ اَلْمَرَّةَ اَلْأُولَى .

تَسَاءَلَتْ عَنْ اَلْخُطُوَاتِ اَلْبَاقِيَةِ لَهَا حَتَّى تَرْحَلَ إِلَى " جُدَّةَ " طَمْأَنَهَا أَنَّهُ لَنْ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَرْكَبَ اَلْبَاصَ . . شَعَرَتْ بِجَسَدِهَا يَهْتَزُّ فِي رَعْشَةٍ مُفَاجِئَةٍ نَاتِجَةٍ عَنْ اَلْبُرُودَةِ اَلشَّدِيدَةِ لِارْتِفَاعِ اَلْمَكَانِ . . خَلْعُ اَلْجَاكِتِ اَلْجِلْدِ وَأَلْقَاهُ عَلَى كَتِفِهَا وَضَمَّ أَطْرَافُهُ إِلَى صَدْرِهَا . . شَعَرَتْ بِالدِّفْءِ يَسْرِي فِي جَسَدِهَا لَيْسَ بِسَبَبِ اَلْجَاكِتِ اَلْجِلْدِيِّ وَلَكِنْ لِهَذَا اَلْكَمِّ اَلْهَائِلِ مِنْ اَلْحَنَانِ اَلَّذِي اِحْتَوَاهَا بِهِ مُنْذُ أَنْ اِلْتَقَيَا .

أَحَسَّ بِبَوَادِرِ اَلزُّكَامِ تَتَحَرَّكُ دَاخِلَ أَنْفِهِ . . اِلْتَقَطَتْ يَدَاهُ مَنْدِيل وَرَقِيٍّ أَصْفَرَ يُطِلُّ مِنْ حَقِيبَةِ يَدِهَا . . اِنْتَفَضَتْ . . نَظَرُ إِلَيْهَا فِي دَهْشَةٍ . . قَالَتْ : لَقَدْ اِخْتَرْتُ اَلْفِرَاقُ ! ! . . فَهْمُ مَقْصِدِهَا . . أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهَا مَنْدِيلَهَا . . أَعَادَتْ يَدُهُ قَائِلَةً لَقَدْ وَقَعَ اَلِاخْتِيَارُ وَلَا مَجَال لِتَغْيِيرِ اَلْقَدَرِ . . أَكَّدَتْ لَهُ أَنَّ أَخْذَ مَنْدِيلِ مِنْ شَخْصٍ يُعْنَى اَلْفِرَاقُ بَيْنَهُمَا . . وَأَضَافَتْ أَنَّ اَللَّوْنَ اَلْأَصْفَرَ أَحَبَّ اَلْأَلْوَانَ إِلَيْهَا . . أَخْبَرَهَا أَنَّهُ سَيَذْكُرُهَا كُلَّمَا وَقَعَ نَظَرُهُ عَلَى هَذَا اَللَّوْنِ . . أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَحَبَّ اَلزُّهُورَ إِلَيْهَا ذَاتُ اَللَّوْنِ اَلْأَصْفَرِ . . أَجَابَهَا أَنَّهُ سَيَشُمُّ عَبِيرُهَا فِي كُلِّ زُهْرَة صَفْرَاء وَيَرَى نُورٌ وَجَّهَهَا بَيْن أَوْرَاقِهَا .

أَرَادَ أَنْ يَنْفِيَ اِسْتِسْلَامُهُ لِلْقَدَرِ . . طَلَبُ عُنْوَانِهَا اَلْبَرِيدِيِّ أَوْ اَلتِّلِيفُونِ . . أَجَابَتْهُ أَنَّهَا لَا تَدْرِي حَتَّى اَلْآنَ . . أَعْطَاهَا تِلِيفُونُهُ وَعُنْوَانُهُ عَلَى وَرَقَةٍ صَغِيرَةٍ كَيْ تَتَّصِلَ بِهِ بَعْدَ وُصُولِهَا لِكَيْ يُطَمْئِنَ عَلَيْهَا وَتُعْطِيهُ عُنْوَانَهَا وَتِلِيفُونَهَا . . حَضَرَتْ اَلْبَاصَاتُ اَلْمُتَّجِهَةُ إِلَى " جُدَّةَ " . . تَحَرَّكَتْ مِنْ جَلْسَتِهَا مُسْرِعَةً . . سَاعَدَهَا فِي وَضْعِ حَقِيبَتِهَا فِي اَلْبَاصِ . . تَأَكُّدُ مِنْ رَاحَتِهَا فِي جَلْسَتِهَا خَلْفَ مَقْعَدِ اَلسَّائِقِ . . رَبَّتْ عَلَى كَتِفِهَا وَضَغْطُ يَدِهَا بَيْنَ كَفَّيْهِ ثُمَّ تَرَكَ اَلْبَاصُ قَبْلَ أَنْ يَتَحَرَّكَ مُغَادَرَةَ اَلْمَكَانِ . . ظِلٌّ يُتَابِعُ اَلْبَاصُ حَتَّى اِخْتَفَى ضَوْءُ أَنْوَارِهِ اَلْخَلْفِيَّةِ .

عَادَ إِلَى حَيْثُ مَقْعَدُهُ اَلْخَشَبِيُّ لِتَلْتَقِطَ عَيْنَاهُ أَسْفَلَهُ وَرَقَةِ اَلْعُنْوَانِ وَالْمَنْدِيلِ اَلْوَرَقِيِّ اَلْأَصْفَرِ .

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة