محمود الوردانى
محمود الوردانى


محمود الوردانى يكتب : اعتذار تأخر كثيرا!

أخبار الأدب

الجمعة، 26 يناير 2024 - 02:30 م

أكره الأدب والفن الهادفين، وأكره أيضا الدعوة لمكارم الأخلاق بواسطة الأدب أو الفن.. لا الأدب ولا الفن مهيئان لمثل هذه الوظائف، ويمكن لفروع معرفية أخرى أن تقوم بها.

وخدمة الآداب والفنون لأى قضية ينقص من الاثنين معا: من الآداب والفنون من ناحية، ومن القضية التى يدعوان لها من ناحية أخرى.

 لاأريد أن أستطرد كثيرا هنا، لكن الكتابة الأدبية أكثر تعقيدا وغنى وحافلة بتناقضات أكثر ولا أهداف مباشرة لها.

أكتب هذه الكلمات لأرد الاعتبار لواحدة من أجمل الروايات وأكثرها فتنة وتأثيرا، وهى رواية «الطنطورية»  للراحلة الكبيرة رضوى عاشور( مايو1946 / نوفمبر 2014) . 

رضوى صاحبة إنجاز أدبى وفكرى وانحياز شخصى للقضية التى اختارتها وربطت نفسها بها، هذا بالطبع إلى جانب عملها الأكاديمى رفيع المستوى. وقد كتبتُ فى أكثر من مكان عن أعمالها، ووقعت فى غرام « أثقل من رضوى» سيرتها الذاتية، وأحببت أعمالا لرفيق رحلتها مريد البرغوثى كشاعر فلسطينى قدّم تجربة خاصة وناثر ترك لنا سيرة ذاتية نادرة هي» ولدت هنا .. ولدت هناك» وسبق لى أن كتبتُ عنها بعد رحيل مريد.
 
ومع كل هذا عندما صدرت روايتها الطنطورية حاولت قراءتها عدة مرات، وكنتُ أشعر أنها رواية «موجهة» مكتوبة لخدمة قضية معينة، وبالتالى مهددة بالوقوع فى شرك الدعاية. والصفحات الأولى التى كنت قد قرأتها أعمتنى فى حقيقة الأمر عن تذوقها. فضاء الرواية وعالمها وشخوصها والأماكن التى تدور أحداثها فيها والزمان الذى اختارته الكاتبة وهو زمان النكبة وما أعقبها، لذلك توقفت ضجرا ملولا.

أظن أنها صدرت عام 2007 – النسخة الى أقرأ منها الآن هى الطبعة الثانية 2011 وقد فقدتُ نسخة الطبعة الأولى، ولم أستطع استكمالها آنذاك كما سبق أن أشرت. ثم وقعتْ فى يدى أخيرا بالمصادفة طبعتها الثانية، ولشد ما أدهشنى أننى أكاد ألتهمها التهاما، وبدا لى  وكأننى أقرأ رواية أخرى غير الطنطورية التى سبق لى أن توقفت عن قراءتها لأنها رواية هادفة وفجة.

أبادر إلى القول أننى أقرأها الآن فى ظل مايتعرض له أخوتنا فى غزة والضفة من إبادة جماعية وتطهير عرقي، من المخزى أن يمارس على هذا النحو الهمجى وفى ظل تواطؤ دولى يشارك فى الجريمة مشاركة فعالة. لكننى أجزم مع هذا أن القراءة الثانية للطنطورية وافتتانى بها ليس بسب انحيازى المطلق لأهلنا فى فلسطين.

الطنطورية التى أقرأها الآن ليست جهمة بل وخفيفة الدم وساخرة بقسوة. هى رواية قضية طبعا. هناك نكبة شعب ونزوحه ولجوئه وتشريده ومعاركه وهزائمه المتواصلة التى لم تمنعه من السعى للعودة. رائحة فلسطين وقراها ومخيماتها وطعامها وأمثالها وأغنياتها وحتى لهجتها تفيض على القارئ. هى رواية فلسطينية بامتياز يصعب أن يستوعب تفاصيلها وأن يعبّر عنها فى عمل روائى إلا فلسطينى أو كاتب مقتدر مثل رضوى التى استفادت بقوة ومحبة من ارتباطها  الشخصى بمريد البرغوثي.

كتبت رضوى سيرة «رقية»، وهى سيرة فلسطين فى الوقت نفسه. هى سيرة امرأة من لحم ودم ولها هفواتها وأخطاءها، وأيضا سيرة وخوض وسرد لتاريخ لم تتوقف صناعته حتى كتابة هذه السطور.

أعتذر لرضوى هذا الاعتذار المتأخر، وأختتم سطورى بالكلمات التالية للتى كتبتها د. كرمة سامى ونشرتها فى الأهرام:
 فى الطنطورية لا تحكى رضوى عاشور سيرة رقية فحسب بل تحقق بالسرد نصرا مبينا فتحسم صراعا على أرض النص وفضائه. رواية تساعدنا على الاكتشاف. تعرفنا تاريخنا ومن نحن وماذا نريد، لأننا عندما نعرف نستطيع


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة