الأستاذ هيكل وزوجته هدايت تجمعهما عشرة 61 عاماً
الأستاذ هيكل وزوجته هدايت تجمعهما عشرة 61 عاماً


كنوز| وصية «الجورنالجى» محمد حسنين هيكل فى خطاب رومانسى جداً !

عاطف النمر

الأربعاء، 28 فبراير 2024 - 05:45 م

فى الساعة العاشرة وأربعين دقيقة من مساء الخميس 25 سبتمبر عام 1997 دخل الكاتب محمد حسنين هيكل الذى كان يفضل لقب «الجورنالجى» غرفة مكتبه بمنزله فى «برقاش»، أمسك بالقلم وأخذ يجرى به على الورق ليدون «وصيته» التى انتهى منها فى الساعة الثانية عشرة وست دقائق، وقد وضعها فى مظروفٍ مغلقٍ كتب عليه من الخارج «هدايت» وهو اسم السيدة الفاضلة زوجته «هدايت علوى تيمور» التى طلب منها عدم فتح المظروف إلا بعد رحيله، هكذا قالت أرملته فى أول ظهورٍ تليفزيونى لها فى مئويته مع الإعلامية منى الشاذلى، لم تفتح المظروفَ إلا بعد رحيله فى 17 فبراير 2016، فتحته بعد ما يقرب من عشرين عاماً من تسلمها للمظروف، واليوم عندما نحيى ذكراه الثامنة نعيد نشر الرسالة التى صاغها «الأستاذ» فى قالب رومانسى أدبى راقٍ بليغ، ويقول فيها: 

- هدايت.. لا أعرف هل أقول لك صباح الخير يا حبيبتى أو مساء الخير يا عمرى، فأنتِ حين تطالعين هذه السطور أكون أنا طالع على بداية ذاك الجسر الواصل بين هذا العالم إلى ما وراءه، كنت دائمًا أردد بيتًا من الشعر عندما يرحل واحد من أحبابنا أو أصدقائنا ولست أذكر الآن ناظم هذا البيت من الشعر لكنكِ بالتأكيد مازلت تذكرين إيقاعه لأن ترديدى له تكرر كثيراً خصوصًا فى السنوات الأخيرة، هذا البيت من الشعر يقول: «عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ ربك إِن تَكُن.. عبرت إِلى الأُخرى فَنَحنُ عَلى الجِسر»، والآن جاء دورى للرحيل طالعًا إلى الجسر ماشيًا عليه إلى هناك.

واليوم هو الخميس 25 سبتمبر 1997 وأنتِ وقت كتابة هذه السطورعلى طائرة تحملك إلى لندن وبيننا موعد ألحق بك هناك يوم الخميس القادم الأول من أكتوبر 1997، أنا الآن وحدى فى برقاش، دخلت غرفة المكتب التى تعرفين كم أرتاح إليها، وأشعر بالسكينة فى جوها مع الكتب والصور والأوراق والأفلام، والمدفأة وكومة الخشب فى انتظار الشتاء إلى جوارها، وقد أدرت جهاز الموسيقى دون أن أعرف أى نغم فيه من الأسبوع الماضى حين كنا هنا واكتشفت أنه كونشرتو البيانو الأول لبيتهوفن وتركته يجرى ويملأ فضاء الغرفة كما يشاء.

عندما كنت واقفًا على الشرفة - قبل دخول غرفة المكتب - تنبهت مرة أخرى إلى أننى فى برقاش وحدى ومن غيركِ، فأنت فى هذه اللحظة فى الغالب فى الأجواء العالية بعرين البحر إلى الشمال أو إلى الرياح الباردة والضباب، وأنت تعرفين حبى لكِ وإعجابى بكِ واحترامى.. تعرفين أيضًا أشواقى إليكِ قائمة دائمة مشدودة إليكِ باستمرار - لكننى فى هذه الحالة - حالة النوم العميق - لا أريد لأشواقى أن تناديكِ، وإنما أريدك أن تتأخرى عنى - لأول مرة - قدر ما تستطيعين وتسمح به المقادير.. لكننى أدعو الله أن تطول أشواقى إليكِ.

هدايت.. أريدكِ أن تعيشى حياتكِ بعدى وأن تسعدى، فتلك - إذا علمت - إضافة إلى عمرى، ولتكن حياتك آمنة راضية ومطمئنة بمقدار ما أردتِ وعملتِ على أن تكون كذلك من غيرى، أريدكِ سعيدة دائمًا - عزيزة دائمًا - غالية دائمًا خذى وقتك إذن ثم وعلى مهلك تعالى إلى جانبى.

هدايت.. لقد عشت حياة أعتقد أنها كانت خصبة ونافعة نشيطة ومتدافعة وفوارة تذكرنى دائمًا - ولا أعرف لماذا - بشلالات الماء وسط الصخور عند أعالى النيل، وأنا فخور بكل لحظةٍ فى حياتى بما فى ذلك - بل أول ذلك - تلك اللحظات الصعبة التى مارست فيها حقى فى الاختيار واستعدادى لتكاليفه وقبولى لمخاطره، وأنا راضٍ بما أديتُ من دورٍ فى خدمة المهنة وفى خدمة الوطن وفى خدمة الأمة، ثم إننى سعيد بأن الظروف أتاحت أن أشارك وأعيش سنوات الإشراق فى المشروع القومى العربى الذى قاده الصديق الحبيب إلى قلبى والأثير عندى جمال عبدالناصر، وتلك فصول من قصة بدأت قبل أن تظهرى فى أفقى، لكن مجيئك كان لحظة فارقة فى حياتى، ولقد عشناها معاً سنين طويلة، تجربة عريضة تبحث عن الحق والخير والجمال فى هذا الكون بطوله وعرضه.
إن الدنيا - يا حبيبتى - كانت كريمة معى، وقد أعطتنى أكثر مما حلمتُ به وربما أكثر مما أستحقه.

وكان أكرم ما أعطته الدنيا أنتِ، وعندما أذهب للنوم العميق الآن بعد حياةٍ طويلة فإن الزمن الذى عشته يقظًا كان جميلًا فى كل أحواله وأشكاله، وأشهد أمامك وأمام الكل أن الدنيا والزمن لم يتركا لى سببًا كى أنظر الآن ورائى فى أسى أو فى ندم أو فى غضب، رعاكِ الله يا حبيبتى ورعى أبناءنا الثلاثة «على وأحمد وحسن»، ورعى زوجاتهم «إيناس ومى ورانيا» ورعى أبناءهم جميعًا محمد وهدايت ومنصور وتيمور ونادية وآخرين، فيما آمل لا أعرف إذا كان مكتوبًا لى حظ أن ألقاهم، رعاكِ الله يا حبيبتى ورعاهم، سلمتِ وسلموا، سعدتِ وسعدوا دائمًا، وسلام عليكِ وعليهم، وأحمد الله كثيراً بلا حدود وبلا نهاية .

محمد حسنين هيكل

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة