د. كرمة سامي
د. كرمة سامي


من العربية إلى اللغات الحية.. الترجمة العكسية الاتجاه الآخر من الطريق

سمر نور

الأحد، 09 يونيو 2024 - 08:36 م

الحاجة للترجمة من اللغة الأم إلى لغات أخرى ملحة لدى دول العالم التى تهتم بنشر ثقافتها، ويرى الكثيرون أن مصر فى حاجة إلى الترجمة عن العربية إلى لغات أخرى للوصول بالثقافة المصرية إلى قطاعات كبيرة بالخارج وأن يجرى ذلك عن طريق مؤسسات الدولة، بدلا من محاولات الأفراد، أو اختيارات المترجمين الأجانب، لكن هناك البعض الآخر الذي يرى أن دور الدولة لابد أن يكون مقصورا على دعم القطاع الخاص فقط، فما هي المشروعات القائمة للترجمة العكسية فى مؤسسات الدولة الثقافية، وما الصعوبات التى تواجهها؟ وهل هناك ضرورة إلى وجودها بالفعل؟

يرى الناشر شريف بكر أن الترجمة العكسية ليست دور الهيئة المصرية العامة للكتاب، أو المركز القومي للترجمة، وأن دور وزارة الثقافة الحقيقي هو المساعدة وتقديم المنح إلى دور النشر مثلما يحدث فى كل دول العالم التي تسعى إلى ترجمة آدابها، ويضيف قائلا: إذا كان لديهم توجه معين فليدعموا مجالات أو موضوعات بعينها، أو يشترطوا صورة معينة يريدون تصديرها عن نفسها» ويسوق «شريف» مثالا بتجربة هيئة الكتاب عندما كان العرب ضيف شرف معرض فرانكفورت فترجموا أعمالا من خلال أساتذة جامعة عرب، وعن ذلك يقول: هذا غير مفيد فى الترجمة حيث يفضل أن يكون المترجم منتميًا للغة المنقول إليها، فظهرت الترجمة بشكل سيئ، إلى جانب أن الكتب لم تسوق، وظلت فى المخازن لعدة سنوات، وحدثت محاولة لإحيائها مرة أخرى، وفشلت التجربة، لأن الأمر يعتمد على جودة الترجمة، ثم التسويق لذلك تجرى الاستعانة بالقطاع الخاص فى هذا المجال.» ويوضح «بكر» قائلا: لابد من وجود ناشر يكون مقتنعا بالكتاب ومقررا استثمار المال، ومساعدة وزارة الثقافة يمكن أن تأخذ أشكالا مختلفة، مثل المشاركة فى دعم مصروفات الترجمة، أو عمل أنشطة تسويقية مثل استضافة المؤلف، والسفارات تقوم بعقد لقاءات وجولات للمؤلفين.

مشروعات هيئة الكتاب

للهيئة المصرية العامة للكتاب مشروعات قديمة في مجال الترجمة العكسية لم تستمر، وواجهت مشكلة فى التسويق على سبيل المثال، فتواصلنا مع المسئولين الذين كانت لهم وجهة نظر أخرى فى هذا الصدد، حيث أشاروا إلى أن الترجمة العكسية تعد من ضمن أهداف الهيئة لنشر الفكر التنويرى عن طريق المشاركة مع المؤسسات التى تتلاقى مع أهدافها في نشر الفكر، وترجماته لتصحيح المفاهيم، ومواجهة الأفكار الهدامة، ومنها مشروع (رؤية)، وهو وفقا لرؤيتهم مشروع تنويرى، يتناول أهم القضايا الاجتماعية والدينية والثقافية وتجديد الخطاب الدينى، وغيرها من الموضوعات، ويصدر بأكثر من 15 لغة بخلاف اللغة العربية، وكذلك مشروع (رؤية للنشء)، وهو مشروع للطفل يضع أمامه موضوعات متنوعة المشارب، ما بين أدب للطفل ومعرفة دينية وتراجم لأهم القامات الفكرية والثقافية، ومجالات الشعر والقصة وغيرها، ويصدر فى 7 لغات بخلاف العربية وفى ازدياد، وتخطت مجمل العناوين الصادرة الـ 200 عنوان، والمشروع لا يزال مستمرًا فى إخراج إصداراته تباعًا.

إسهامات القومي للترجمة 

تشير د. كرمة سامى مدير المركز القومى للترجمة إلى أن مشروع ترجمة ثقافتنا إلى اللغات الأجنبية هدفه كسر العزلة الثقافية حيث نكون أو لا نكون على حد تعبيرها، وتفضل أن يُطلق على هذا الملف: «المشروع القومي للترجمة عن اللغة العربية»، وتضيف: قررت أن يتميز مشروعنا باختياراتنا التى تعبر عنا ولم يمليها علينا تمويل خارجى أو رغبة ناشر أجنبى فى استغلال القارئ فى السوق العالمية لينقل له ما يرضى أوهامه عن الشرق بغض النظر عما كان يمثل الشرق أم لا.

توضح د. كرمة أن المشروع ينقسم إلى ثلاث مراحل: الكتاب التذكارى احتفالا بمناسبة تاريخيّة مهمة، وإعداد محتوى «إلكتروني»، والنشر بالعربية واللغات الأجنبية. وتقول عن ذلك: كانت المرحلة الأولى احتفالا بعام التبادل الإنسانى بين مصر وروسيا فى ٢٠٢٠ بترجمة عملين يمثلان جوهر الثقافة المصرية رواية «الطوق والاسورة» للأديب الراحل يحيى الطاهر عبدالله، وقصة «خيال الحقل» للأديب الراحل عبدالتواب يوسف، فى المرحلة الثانية نعمل على تكوين ذخيرة من ترجمة مختارات من الثقافة المصرية تضمن فى مرحلتها الأولى الترجمة لكل من يحيى حقى، وهدى شعراوى، ومحمد عفيفى، ومحمود أمين العالم، وعبدالوهاب المسيرى، وريم بسيونى، وكذلك نصوص مسابقة كشاف المترجمين فى نسخها المختلفة التى تكون رصيدا ثقافيا مبشرا، مما يفتح المجال للمركز لتوظيف هذا الرصيد ورقيا أو «إلكترونياً» لإتاحة ثقافتنا رقميا لكل قارئ، يريد أن يُضاف إلى معارفه متعة قراءة طرح الثقافة المصرية المتنوع.

يتضمن تنفيذ هذا المشروع بالمركز وضع البنية التحتية مثل التدقيق فى اختيار العمل المترجم، والتأكد أن الأعمال لم تترجم من قبل، وتكوين قاعدة بيانات من المترجمين المتخصصين، ووضع مواصفات فنية للكتاب تليق بمحتواه وتنافس به فى سوق الكتاب عالميًا. وفى مرحلة تالية سيتضمن إعداد كتيب لترشيح أعمال للترجمة إلى اللغات الأخرى يضم تعريفًا بكل مؤلف وموضوع كتابه بلغة أجنبية والجهة المالكة للحقوق.

كان آخر إصدار فى يناير الماضى كتاب: «رحلة الخير» عن مسار العائلة المقدسة في مصر باللغتين العربية والإنجليزية، وتؤكد د. كرمة أن العمل قائم الآن على كتابين آخرين على نفس المنهج، حتى لا تواجه تكدسا فى المخازن لكتب ترجمت إلى لغات أجنبية لا تجد لها قارئا.

وعن المعوقات التى تواجه هذه المشروعات وطرق مواجهتها تقول د. كرمة: المدخل الصحيح للمشروع يتطلب التحرك الفورى على مستوى الوطن العربى لحصر أعمالنا الثقافية المتميزة التى نفتخر بها وتصديرها إلى ثقافات العالم، وتدريب فريق من المترجمين المتميزين في أهم اللغات، يراجع ترجماتهم متخصصون فى اللغة والمجال المعرفى، وتأسيس دور نشر قادرة على المنافسة بكتاب عربى فائق فى جودة شكله ومضمونه، وتكوين علاقات قوية مع دور النشر العالمية لتوزيع المنتج العربى المترجم فى الخارج.

ولتحقيق هذا لابد من تحالف جميع مراكز الترجمة القومية فى الوطن العربى تحت لواء جامعة الدول العربية، وكل من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، ومنظمة العالم الإسلامى للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، وطبعا الثقافة تحتاج إلى مساندة قوية من رعاة جادين لتمويل هذا المشروع القومى العاجل، وإلا سنظل نتحدث عن هذا الملف دون تنفيذ حقيقى يماثل ما يحدث فى جميع دول العالم.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 
 
 
 
 

مشاركة