أحمد الخطيب
أحمد الخطيب


أحمد الخطيب يكتب: الكنز فى الرحلة

أخبار اليوم

الجمعة، 14 يونيو 2024 - 06:51 م

.. كانت المرة الاولى التى أنعم فيها على المولى عز وجل بالزيارة المباركة. بدأت الرحلة بالمدينة المنورة. ما ان تحل بها حتى تجد قلبك وقد انشرح ببهجة الانوار النبوية المشرقة.

لقد كان الوصول بعد ان انقضى وقت صلاة العصر وقبل موعد صلاة المغرب بوقت ليس قصيرا. خطوت اولى خطواتى نحو المسجد النبوى الشريف. لم تلبث قدمى ان وطئت أرض المسجد الطاهرة إلاّ وكانت روحى قد حلّقت فى رحاب ربانية مذهلة . لم يتحمل القلب المُثقل بالهموم والذنوب هول التواجد فى رحاب حضرة المصطفى. خرّ الفؤاد قبل الجسد سجّدا لرب العالمين .

لقد كانت ليله محاطه بضياء نور النبى الكريم . بعد أداء صلاتى المغرب والعشاء عُدت الى مخدعى القريب من الحرم النبوى فأخذتنى سنة من النوم،. سرعان ما وجدت نفسى مستيقظا نشطا مستجيبا لنداء الفجر. كنت على موعد مع الروضة الشريفة ووجدتنى متجها إلى حيث يرقد الجسد الشريف. فى مواجهة القبر الطاهر فاضت الدموع ونطق القلب : السلام عليك يا أيها النبي، اشهد انك رسول الله، اشهد انك بلّغت الرسالة وأدّيت التكليف الأعظم. 
لم تجف الدموع إلاّ وكان النظر قد تحول إلى من دفن بجوار المصطفى  ظل البصر شاخصا إلى حيث يرقد الشيخان ابو بكر وعمر. وجل القلب متسائلا: أين أنا من هذين النجمين الزاهرين بجوار الكوكب الدري. أين الثرى من الثريا.

مرت ثلاثة أيام فى المدينة حلّقت فيها الروح فى رحاب نبوية مبهجة، ثم بدات الرحله إلى مكة المكرمة حيث رفع إبراهيم القواعد من البيت . كان الوصول بعد صلاة العشاء وعلى مرمى البصر انتشرت جموع الحجيج بثيابهم البيض. لم يطل الانتظار فى محل الاقامة حيث اتجهنا بعد وقت وجيز نحو البيت الحرام .

كان المسير على بُعد خطوات فى الطريق المؤدية لصحن الحرم، وكلما اقتربت زادت خفقات القلب حتى حانت اللحظة التى حبست فيها الأنفاس. وجدتنى وللمرة الاولى فى مواجهة الكعبة المشرفة. كان موقفا فوق الاحتمال رغم ما سمعته من روايات لم تنجح جميعها فى التخفيف من هول ذلك الجلال. فاضت الدموع ونطقت الشفاه بدعاء فطري: اللهم باعد بينى وبين الحرام، وباعد بينى ومظالم العباد كما باعدت بين المشرق والمغرب .

بدأ الطواف حول البيت الحرام. استسلم الفؤاد لرب العباد. ارتقت الروح وانكسرت بين يدى مولاها. ربما كانت المرة الأولى التى تعرف فيها نفسى معنى ان يسجد القلب لله. 

كانت عُمرة القدوم رحلة روحانية قصيرة، لكن تجسدت فيها كل معانى التوحيد. حالة من الإستسلام المطلق للأمر الإلهي، جعل الروح تتجاوز كل قيمة مادية من كل شئ لتحلّق فى رحاب ربانية مهيبة.

رحلة تاهت فيها روحى عن كل شئ الا عن فيض الحب والتوحيد. تجردت الروح من المظهر المادى ثم تحررت من اى شعور باى مشقة ثم ارتقت من مرتبة الشعور بقيمة النعمة الى مرتبةً الإحساس بالمُنعم، عند هذه اللحظة ستجد النفس فى المعية العظمى . فلا شعور بازدحام او شعور بلفحات الحر . فقط مشاعر مُتدفقة من حولك بأنك هاهنا ضيف على الرحمن.

وكأن أصواتا ملائكية تنادى بأمر ربها: مقامك حيث أقامك! 
الكنز فى الرحلة والرحلة كنز . هنا حيث تُعيد سبر أغوار ذاتك . هنا حيث تُدرك أعمق معانى التوحيد والانصياع التام للأمر الإلهي، وصولا الى اليوم المشهود. على صعيد عرفات وقد مُنحت فرصة الرحمة والغفران. هنا حيث تمتد يد الله للجموع الغفيرة التى جاءت طلبا للعفو والصفح. المجئ هو دعوة مستجابة فحصل الحضور، والحضور برهان الإخلاص! 

على صعيد عرفات الله لارفث ولا فسوق ولا جدال ولا رياء. 

الرحلة فرصة ليس كمثلها فرصة. أن تمنح الفرصة كفى بها ونعمة، ولكن ان تeدرك معانى الفرصة هو تمام النعمة. ان تدرك ان المولى عز وجل قد من عليك بإتمام ركن من أركان الإسلام .

لقد كانت رحلة تاهت فيها روحي.
 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 
 
 
 
 

مشاركة