أسامة شلش
أسامة شلش


وقفة

هنا غنى حليم «ظلموه»

أسامة شلش

الإثنين، 24 يونيو 2024 - 07:46 م

كنا نسير فى  شوارع المعادى  فى عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات لنرى الزهور ونشم عطر ورائحة الياسمين

دعتنى المهندسة جيهان عبد المنعم نائب محافظ القاهرة، مع كوكبة من رموز المعادى الأفاضل لاجتماع لمناقشة مشاكل الحى الراقى، دعت له معى نشطاء العمل المدنى، وشخصيات عامة وصحفيين، وأعضاء مجلسى النواب والشيوخ عن الدائرة، وبعض رؤساء الشركات التى تحمل اسم المعادى، ولا أدرى وأنا فى طريقى لماذا خطر ببالى لحظة من لحظات الماضى، وتخيلتنى فوق جسر التنهدات الذى اشتهرت به المعادى، وهو الذى كان يمر فوق ترعة الخشاب فى القرن الماضى قبل أن تردم، وغنى فوقه العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ أغنيته الشهيرة «ظلموه» عام ١٩٥٧ لماجدة فى فيلم «بنات اليوم».


كانت المعادى من الأحياء الراقية شديدة الخصوصية والتفرد، شديدة الجمال والنظافة والرقى، قبل أن تغزوها العشوائية، وتحول شوارعها ومناطقها إلى «مسخ»، وتتمدد لمناطق أخرى بعيدة كل البعد عن أصالة المعادى.
كنا نسير فى الشوارع فى عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات لنرى الزهور ونشم عطر ورائحة الياسمين والفل والنرجس والريحان والبشملة، شوارع نظيفة متناسقة المظهر، مرتدية أثواباً بكل ألوان الأشجار، وفجأة تحول الحى مع التسعينيات إلى سوق عكاظ، شوارع مزدحمة وأرصفة محطمة، وميكروباصات تحتلها بعد أن انتشرت فى حضن الحى العزب والمناطق العشوائية، واختفت الزهور والأشجار، وجفت مياه الترع والمساقى، ودخل الحى الجميل فى «غيبوبة» القضاء على معالمه عمداً على يد تجار هدم الفيلات العريقة سمة الحى، لإقامة الأبراج الشاهقة.
دار الحوار خلال الجلسة الصاخبة، حول ضرورة إعادة الحى لسابق عهده، وكيفية الحفاظ على البقية الباقية من الزمن الجميل، خاصة منطقة شارع ٩ الرئيسى، الذى يمتد من مدرسة المعادى العسكرية، وكان ذلك آخر حدود الحى، وبعده كانت تمتد غيطان الزهور بامتداد ٥ كيلو مترات، قبل أن تغتالها معاول الهدم، وحتى ثكنات المعادى من الطرف الآخر.
طالب المجتمعون، وبينهم رؤساء جمعيات للعمل المدنى، كرسوا جهودهم على مدى سنوات وسنوات سابقة، للحفاظ على ما بقى من «الأصالة»، ومنهم من قام وتحمل أعباء التشجير، وحافظ على الأشجار، بل ودعم وجودها، وزرع فى الشوارع والميادين الآلاف منها، ومنهم من أقام الأرصفة ودهنها تطوعاً، وعرض البعض ضرورة الرجوع إلى الرسوم والصور القديمة للحى للاستفاده بها فى إعادته لحالته الجميلة، ووعدت نائب المحافظ، واللواء الدكتور طارق بحيرى رئيس الحى بتنفيذها، ووعد رؤساء بعض الشركات، ومحبو المعادى بتوفير المتطلبات، خاصة من الانترلوك والأسمنت.
نقطتان لفتتا نظرى خلال الحوار الشيق الذى اتسم بالود والمحبة والبحث عن حلول، وللأمانة الحوارات كلها كانت إيجابية، الأمر الأول هو عزوف أو نقص المساهمات الإيجابية من قطاعات المجتمع المدنى فى حل المشاكل وتقديم المعونات، كما كان يتم فى الماضى بسخاء، وتحقق بها ما حافظت به المعادى على جزء من ماضيها، وجاء الرد أن السبب فى ذلك يعود لفقدان الثقة فى أداء المحليات، وهو ما طالب المجتمعون بأن يتم البحث له عن حل.


اما الأمر الثانى، فكان ضرورة توحيد القرارات، فهناك تضارب فيما يتم اتخاذه من أمور لخدمة الحى، وتضارب فيما تتخذه بعض الجهات الحكومية، وهو ما شاهده أهالى المنطقة فى تعارض مايتخذ فيما يتعلق بالمياه والكهرباء والصرف الصحى، مما يهدر الجهد والمال، وأشاروا إلى أن منطقة «نيركو» مثلا فى الشطر الثالث، تم انتهاء إعادة رصف شوارعها، وفجأة فاجأتهم هيئة الصرف الصحى بطلب فتح قلب الشوارع لإقامة بيارات جديدة ومد المواسير بالدفع النفقى، مما أدى لرعب السكان من تأثير ذلك على منازلهم، فى الوقت الذى تم فيه حفر الشوارع بالكامل وفى مناطق عديدة.


الأمر يحتاج إلى نظرة جديدة، تستهدف إعادة الثقة بين المحليات لدفع نشطاء المجتمع المدنى للمساهمة فى توفير احتياجات الأحياء، بالمشاركة المجتمعية.. كم نحن فى حاجة إلى أن تتضافر كل الجهود لتفعيل دور المجتمع المدنى فى المساهمة فى حل مشاكل الأحياء، وإعادة الثقة فيما بينها وبين المحليات.
ترى هل غنى العندليب ظلموه على ما وصل له حال المعادى؟

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة