العقل الأفلاطوني
العقل الأفلاطوني


محمد جادالله يكتب: العقل الأفلاطوني ومنهجه المعرفي (4 – 6)

بوابة أخبار اليوم

الجمعة، 28 يونيو 2024 - 02:57 م

أنهينا مقالنا السابق بالتساؤل، ماذا تعني نظرية التذكر الأفلاطونية؟ ويأتي هذا المقال ليكون الإجابة الشافية لهذا التساؤل. ووجدنا أن "أفلاطون" يقر بوجود عالم روحي قبل وجود هذا العالم الذي نعيش فيه، وان النفس موجودة فيه وتحيط بجميع العلوم، وأن النفس هبطت في الجسم عقابًا لها علي خطيئة ارتكبتها فنسيت هذا العالم بعد اتحادها بالجسم "المادة"، ولكنها لم تفقد كل صلاتها به، بل بقيت منه أشعة تسطع فيها من حين لآخر بواسطة ظلال هذا العالم التي تتعاقب أمام الحواس في الحياة، فإذا شعرت النفس في التعليم علي الطريق الصحيح ينفتح بصرها فتتذكر ما رأته في حياتها السابقة، وهو ما يدعي عندنا "التعليم"، وما هو في حقيقة الأمر إلا "التذكر"؛ أي رجوع النفس إلي أصلها واتصالها بعالمها الذي منه هبطت وإليه تعود.
وهذه النظرية ترتكز على قضيتين فلسفيتين:
إحداهما أن النفس موجودة قبل وجود البدن في عالم أسمي من المادة. والأخرى أن الإدراك العقلي عبارة عن إدراك الحقائق المجردة الثابتة في ذلك العالم الأسمى، والتي يصطلح عليها أفلاطون بكلمة (المُثل). وكلتا القضيتين كما اوضح ذلك ناقدو الفلسفة الأفلاطونية؛ فالنفس في مفهوما الفلسفي المعقول ليست شيئًا موجوداً بصورة مجردة قبل وجود البدن، بل هي نتاج حركة جوهرية في المادة. كما أن الادراك العقلي يمكن إيضاحه مع إبعاد فكرة المُثل عن مجال البحث بما شرحه أرسطو في فلسفته: من أن المعاني المحسوسة هي نفسها المعاني العامة التي يدركها العقل بعد تجريدها عن الخصائص المميزة لأفراد واستبقاء المعني المشترك.
إذًا، نظرية التذكر الأفلاطونية هي النظرة القائلة إن الإدراك عملية استذكار للمعلومات السابقة، وقد ابتدع أفلاطون هذه النظرية وأقامها على فلسفته الخاصة في المُثل وقدم النفس الإنسانية. كان هذا بمثابة عرض تفصيلي عن الأساس الذي اتخذه افلاطون عونًا له لبناء نظريته في المعرفة، والسؤال الآن كيف كانت نتيجة هذا البناء، وما انطوت عليه نظرية المعرفة الأفلاطونية؟ 
عزيزي القارئ بناء على نظريته في المثل يبني أفلاطون نظريته في المعرفة، بالإضافة إلى اعتباره أن الوجود الحقيقي هو وجود المُثل وأن الوجود المحسوس هو وجود مزيف، وبهذا تكون المعرفة الحقيقية هي المعرفة التي تدرك المعقولات، وبالتالي فإن الأداة المعرفية الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها للوصول إلى العلم هي العقل، أما الحواس فلا تصل بنا إلا إلى الوهم والزيف، إذن العقل هو الذي يرقى إلى هذه المعرفة فوحده الذي يستطيع التوصل إلى هذه المعرفة.
وقد قسم أفلاطون المعرفة إلى مراتب: فأدناها الخيال الحسي الذي تبتدئ فيه خيالات الأشياء وظلالها ومظاهرها، كمظهر الحصان أو السرير، وأرقى من المرتبة السابقة مرتبة الإدراك النوعي للموجودات، كماهية الحصان أو المنضدة، وأسمى منها مرتبة الكلية ومعرفة الصور الثابتة الخالدة.
بالإضافة إلى ذلك نجد أن أفلاطون أسس الفلسفة المثالية وعرف الفلسفة بأنها السعي الدائم لتحصيل المعرفة الكلية الشاملة التي تستخدم العقل وسيلة لها وتجعل الوصول إلى الحقيقة أسمى غاياتها. والسؤال الآن، ما هو المنهج الذي استخدمه أفلاطون في الوصول إلى هذا المعرفة؟ إجابتنا عن هذا التساؤل ستكون موضوع مقالنا القادم.
 

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة