نص نشر عام 1948 فى كراس  ضم البيان الذى وقعه يونان يعلن انتهاء الحركة السريالية  المصرية.
نص نشر عام 1948 فى كراس ضم البيان الذى وقعه يونان يعلن انتهاء الحركة السريالية المصرية.


تفعيلات من فعل «يغطى»

أخبار الأدب

الخميس، 27 يونيو 2024 - 01:31 م

فى أعماقى أحس الفراغ، صحراء بلا سماء، أو ضوء، فى نفسى أحس الفراغ، وفى فمى مذاق الرمل.

فى نفسى أحس الفراغ وأحس الرغبة غير المنطقية فى إنكاره، حاجة إلى الجنون. إنكار ماديتى. 

من حولى أحس الفراغ إلى مدى البصر، وعيناى لا تجد ما يخبئه تماما. لا ضجيج المدافع ولا بسمات المواليد ولا حرب الطبقات.

وأحس أيضا الرغبة غير المنطقية فى التقاط شىء فى ركن شارع، شىء مزعج، شىء يشبع جنونى.

الفراغ والجنون طرفان متحركان لديالكتيكية غير معروفة، ولكن ما هو طرفها الثالث؟ إنى متمسك بجنونى دون أى أمل فى فتح العالم أو القضاء على الفراغ، ولكن أريده ينتشر، إذ أحلم بلعبة سريالية يشترك فيها آلاف، ملايين البشر. لا أريد رفاقا بل شركاء فى نفس الجريمة، جريمة خرق الفراغ، هتك الفراغ.

الرجل قد أنهكه الفراغ فتعلق بقطعة أرض وخلق الملكية الفردية، والدولة والمدينة، والأمة حتى يحس أن المخابئ المزدوجة الحوائط تحميه من الصحراء والليل، ولكن لا يمكننا أن نغالط أنفسنا أكثر من ذاك وما القوى المحركة للتقدم الاجتماعى إلا قوات حامية ضد قلق الوحدة. 

إن تفسير التاريخ على أساس الأضداد- سيد وعبد، مدنى وريفى، رأسمالى وبروليتارى، مستبعد ومتعبد يفقد كل قيمة عزائية إذا علمنا أن السجون شيدها العبيد. 

منذ الأهرامات حتى الدولة السوفيتية لا يزال يبحث الإنسان عن «غطاء» خوفا من عرائه البدائى أمام الفراغ، فالمالى يساهم فى عملية جديدة يقول «سأغطى» والموظف الحذر أو الوزير المتخوف من المسئوليات يقولان «رئيسى يغطى» وهذا الفعل «الدفاعي» قد ينطبق أحيانا على فعل الحب حيث «يغطى» المرأة الرجل. والمراد أن يكون الإنسان «مغطى» بإنسان أو شىء آخر، والطاغى يغطيه الإله. 

وليست الأضداد: فراغ- جنون، عرى- غطاء، جزء من التعاليم الماركسية التى تحد نفسها على تفسير تطور الأنظمة أى تطور حياتنا خلال السجون، ولولا السجون ما كان التاريخ، فالإنسان العارى أمام الفراغ والذى لا يملك غير هلوسته يقامر بها لا يمكن أن يعرف علميا.

وهكذا لا يمكن علميا للمادية التاريخية أن تصف ما قبل أو ما بعد «الحياة المغطاة»، «الحياة المجندة»، أو «الحياة المدوة» و-بإيجاز- «الحياة فى السجن».

لم يكن فى مقدور ماركس أن يتكلم عن المستقبل إلا بالالتجاء إلى الشعر أى إلى إحدى الطرق المؤدية إلى الجنون، والنداء «غيروا العالم» سوف لا يقود إلى شىء آخر سوى تغيير النظام إلا إذا اقترن بنداء «الانتهاء من التاريخ» ولكن نهاية التاريخ تجردنا حتى من ظل ألصق ملابسنا وتقذف بنا «جنون عادى» فى الفضاء.

كيف يمكننا أن نقفز هذه القفزة الكيفية؟
كيف يمكننا أن نود القفز فى الفراغ وكيف نشتهى العراء؟ وأخيرا كيف نعطى لجنونا شكلا إيجابيا إذا ظللنا مرتبطين بثالوث ديالكتيكى لا يتعدى كونه إنعكاسا فى أفكارنا للحركة المادية لمجتمع مهمته السيكولوجية هى خلق وإعادة خلق- إلى ما لا نهاية- أنظمة مخبأة أى أنظمة رحمية؟ ويمكن للنقابة أو للحزب الثورى أن يلعبا- كأى كنيسة- دور المظروف أو دور رحم الغيار. 

وآخر التاريخ كآخر الحياة الفرجية لا يمكن التفكير فيه. ولا يقاس إلا بقوة وانتشار جنوننا.  

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة