أحمد عباس
أحمد عباس


تساؤلات

٢١ سنة «أخبار»

أحمد عباس

الأحد، 30 يونيو 2024 - 09:26 م

وتساءلت هل كتبت كل ما كان ينبغى له أن يُكتب فى وقته أم تغافلت وغضضت الطرف

بين صحو أحايله ونوم أغالبه أفتح عينى يوميًا وقتما أفتحها فلا أضبط مُنبهًا إلا فى حالات الطوارئ فقط والكوارث الكبرى التى تستدعى نزولى فى ساعة محددة، المهم.. أوارب جفنى لئلا استيقظ، بينما عقلى يحاول استعادة جسمى للقاء يوم جديد، فى هذه اللحظات أرقب أشياء بعينها اعتادت أن تكون هى علاماتي، منها مثلًا النافذة، وشكل الضوء الداخل من خلف زجاجها البنى فإذا كان محمرًا يعنى أن الشمس حمت واشتدت حرارتها وتجاوزت ضوء الصبح الفاتح وهواءه الفاتر وأنه ينبغى النهوض، بخفة أسحب هاتفى وأخفض ضوءه خشية سطوع مؤذٍ يستفز إفاقتى فجأة، فأفتح كل الإشعارات التى باتت ليلتها تطن تحت وسادتى واحدًا بعد واحد، بعضها رسائل إلكترونية أرسلها أصحابها من بلدان بعيدة فى ساعات الذروة لديهم بعد حساب فروق التوقيت وبعضها تقليدى جدًا كأنه يذكرنى بيوم صداقتى بفلان الفلانى الذى لم يعد موجودًا فى حياتى أصلًا واختفى، وأحدها يقول إن عيد ميلاد صديق ما قد حل أخيرًا بعدما رأيته يقطع الكيك على الأقل ٤ مرات خلال الأسبوع الماضي، إلخ.. فأنتبه إذا كان إشعارًا مهمًا أو كارثة -لا قدر الله- وفيما عدا ذلك أغلق عينى مرة أخرى فى هدوء وأحاول استعادة نومى وهذه واحدة من معجزات لا تحدث.

هذا الصباح - حرفيًا- أعدت نفس ما يحدث فى كل يوم ومن ضمن الإشعارات الواصلة كان «اليوم أمضيت ٢١ عامًا صحفيًا بالأخبار»، أفندم!، ٢١ عامًا متى؟!

لم أتوقف كثيرًا عند هذه المنطقة الرمادية التى تفرض أسئلة وجودية مفتوحة، ولكن أسئلة أخرى أشد قسوة فرضت نفسها على رأسى منها مثلًا.. ماذا تعلمت واكتسبت وحصلت واستفدت، ثم ماذا قدمت فى ٢١ سنة، وتساءلت هل كتبت كل ما كان ينبغى له أن يُكتب فى وقته أم تغافلت وغضضت الطرف عنه قاصدًا أملًا أن ينساه الناس أو تتغير الظروف فينسى كما كل شيء يُنسى، هل أضأت طريق شخص على الأقل ولو لمرة واحدة أو أحبطت الناس أو عشمتهم بما ليس يأتى أبدًا، وحسمًا لكل جدال سألت نفسى هل قدمت ما ينفع فعلًا!

الحق أن أسئلة كهذه لا إجابات قاطعة عليها ولا حتى إجابات ملتوية، فبعضها يدخل فى باب التهوين على الذات والتماس البراءة لها وكلنا يحب أن يكون بريئًا حتى ولو بالكذب لكننى بريء من كل ضلال، هذا ما قلته لنفسي، وأى ضلال تسببت به فذلك لأننى كنت مقتنعًا به وهذا لا يقع فى باب التعمد والحمد لله أثبت براءتي، وبعضها الآخر يصنف اضطرارًا لأسباب عديدة لا محل لذكرها الآن، فأنا نائم ولا أحب الاستيقاظ لئلا يلفحنى ضوء مبهر يكشف سوءاتي.

وتذكرت كم مرة كتبت قناعتى الشخصية كأنها أمر واقع وقدمتها للقارئ على أنها مسلمات، فى حين أننى بعد ٢١ سنة أدركت أنه لا مسلمات وأن كل الأشياء حقيقتها نسبية ووجودها مشكوك فيه إلا من أمرين الله أولًا وثانيهما الموت وفيما عدا ذلك كله لا شيء، ويا لطيبة هذا القارئ، كم مرة صدقها وابتلعها لى ثم شرب عليها دلو ماء كامل ليطفئ لهيب حرقتها وحرارتها.

المهم استجديت القارئ العزيز أن يسامحنى ويعفو عن زلاتى وأخطائى وميلى وحالات التمادى التى انخرطت بها ٢١ عامًا، واطمأنت سريرتى لسماحته وعفوه، وأغمضت عينى لئلا أفيق فجأة وعفوت عمن ظلمنى ودعوت على مَن ضللني، واستعدت سباتى ورحت أغط فى نوم عميق لئلا أصحو فجأة ويصير ما يصير.

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة