إسلام عفيفي رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم
إسلام عفيفي رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم


لا نأسف على للإزعاج

إسلام عفيفي يكتب.. ليست ثورة إنقاذ وطن!

إسلام عفيفي

الجمعة، 28 يونيو 2024 - 05:50 م

عندما نعود بالذاكرة ستلاحقنا مشاهد الفوضى فى شوارع القاهرة وضواحيها وحالات الترقب فى مدن مصر وقراها، وتسيطر حالة الريبة على الجميع، والخوف والقلق جاثمان على الصدور؟

خوف على أنفسنا، وحياتنا، وأهلينا، وبلدنا، خوف على المستقبل، خوف من المجهول، خوف يخرج علينا من كل فج عميق، خوف نابع من وجوه عابسة وأيادٍ عابثة فى أمن الوطن وأمانه، ومقدراته وترابه الذى هو لديهم ليس إلا حفنة بلا قيمة، وتصريحات مارقة يسلقوننا بألسنة حداد، يتوعدوننا بميليشياتهم، وفينا سماعون لهم، ونخبة باعت فى لحظة ضعف شرفها السياسى وشعارات لطالما تشدقت بها فى «فيرمونت» فباءت عبئًا علينا وعلى الوطن، وظهيرًا لجماعة لأهل والعشيرة، التى استباحت ظهورهم مطية وأصواتهم وحناجرهم بوقًا للتبشير بمكتب المرشد كذبًا وإفكًا. 

خرج المواطن يعلن تمرده، غضبه، ثورته فى الشوارع والميادين بعد أن بلغت القلوب الحناجر وظن مَن يراقبون الأوضاع من الخارج، والعابثون فى الداخل أن الأمور قد دانت لهم وأن القاهرة رفعت الراية البيضاء، خرج المواطن فى مشهد مهيب عله ينقذ بلده من أسوأ مصير وأسوأ طغمة حاكمة، صرخ فى وجه الظلاميين وأعوانهم وكتائبهم، علت الأصوات مدوية تهز أرجاء مصر، معلنة لا طاعة لمرشد على حساب الوطن، رفض المصريون أن يقعوا فريسة بين انتهازية دينية وانتهازية سياسية ووطن كاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة لولا أن يد الله امتدت لتمنع سقوطه من حافة هاوية. 

فى تلك اللحظات الحاسمة، كانت الأحاديث تدور بين الناس فى المقاهى والمنازل عن ضرورة التغيير وعن الأمل فى مستقبل أفضل. كان الجميع يدرك أن الوضع لا يمكن أن يستمر على هذا النحو، وأن مصر تستحق الأفضل. فى كل زاوية من زوايا البلاد، كان هناك شعور متزايد بالمسئولية الوطنية والرغبة فى التحرك لإنقاذ الوطن.

خرج المواطنون فى مظاهرات حاشدة، رافعين شعارات تنادى بالحرية والكرامة والعدالة. كانت تلك اللحظات مليئة بالأمل والخوف فى آن واحد. الأمل فى قدرة الشعب على تغيير مصيره والخوف من إرهاب الجماعة وتنظيمها الخاص.

فى 30 يونيو 2013، خرج ملايين المصريين إلى الشوارع والميادين فى كل أنحاء البلاد، معبرين عن رفضهم لحكم الإخوان المسلمين. كانت هذه الثورة بمثابة تأكيد على قوة وإرادة الشعب المصرى فى تقرير مصيره والوقوف ضد الاستبداد، كانت الشعارات والهتافات تعكس عمق الغضب والاستياء من الأوضاع المتردية، والرغبة العارمة فى إنقاذ مصر من مستقبل مظلم.

لم تكن هذه الثورة مجرد انتفاضة ضد نظام مستبد، بل كانت نقطة تحول تاريخية ولم تكن الطريق سهلة، فقد واجهت مصر تحديات كبيرة فى مرحلة ما بعد «عام الظلام» وعقب إزاحة هؤلاء برز التحدى الأكبر كيف ينتزع الشعب المصرى اعترافًا دوليًا بثورته فى ظل دعم المنظمات للجماعة ومساندة محمومة من عواصم غربية أنفقت الكثير من الأموال والجهد والتخطيط ليسكن المرشد قصر الاتحادية، قطعا لن يرفع هؤلاء الراية البيضاء وهالتهم صدمة الخروج الكبير واحتشاد الملايين ورغم المشاهد والوقائع غير أنهم دخلوا فى حالة من الإنكار وعدم التصديق بعد أن أعدوا ورسموا خرائط جغرافيا جديدة لتفتيت وتقسيم منطقة ودول الشرق الأوسط إلى دويلات، وهو ما يفسر العداء والخصومة العنيفة بين ثورة المصرييين التى لم تكن فقط لإنقاذ وطن، بل أنقذت المنطقة من مصير بائس تم هندسته على مدار سنوات، ومَن راهنوا على سقوط الدولة الوطنية فى براثن حكم ثيوقراطى أعمى، حاولوا كثيرًا فى كل الاتجاهات أن يعوقوا حركة 30 يونيو وتفننوا فى وضع العراقيل لكى لا تقوم الدولة من جديد وراهنوا مرة أخرى على ميليشيات الإرهاب، الذين أعلنوا الحرب على المصريين، فما كان على مؤسساتنا الوطنية جيشًا وشرطة طريقًا سوى الدفاع عن أرواح وحياة وحرية المصريين فى مواجهة مَن رفعوا السلاح يطعنونا ويرهبوننا بكتائب وشعارات دينية فاسدة، وخضنا المعركة التى فرضت علينا وتكبدنا فى سبيل استقرار الوطن المليارات ومن دماء أنبل  أبنائنا الكثير 
لم تكن المعركة على الجبهة الخارجية، التى خاضتها مؤسسات الدولة فى المحافل الدولية أقل ضراوة، وكانت كتيبة الإنقاذ الدبلوماسى حاضرة بخبراتها وكفاءتها كواحدة من أعرق المدارس الدبلوماسية، واستطاعت بالتنسيق والتخطيط مع المؤسسات السيادية أن تكسب تلك المعركة الشرسة لتتجاوز مصر مرحلة الاعتراف بثورتها إلى مرحلة الهيبة والنفوذ والتأثير الإفريقى والإقليمى والدولى، ولولا استعادة المكانة والدور لعانت مصر كثيرًا وسط هذه الظروف الضاغطة ليس فقط على أطراف الدولة وحدودها، بل على الإقليم والمنطقة بأكملها، ولعل ما نشاهده الآن على الحدود من استفزازات خير دليل على أن إدارة ملفات الأمن القومى وتطوير قدرات الدولة الشاملة، تمت بأعلى درجات الكفاءة ما جنبنا الانزلاق أو الانخراط فى مواقف غير محسوبة. 

إعادة بناء المؤسسات وتثبيت أركانها كان بمثابة جدار عازل وحائط صد لمواجهة كل التحديات اللاحقة لسقوط عصابة المرشد وخوض أكبر مواجهة للإرهاب والتطرف جرت هنا على تلك الأرض الطيبة بأبنائها المرابطين لكن بالإرادة الشعبية والقيادة الحكيمة، تمكنت البلاد من التغلب على هذه التحديات، والعودة إلى مسار التنمية والتقدم.

إن ثورة 30 يونيو لم تكن مجرد انتفاضة شعبية، بل كانت شهادة على قوة وإرادة الشعب المصرى فى مواجهة التحديات وصنع مستقبل أفضل. اليوم، نحن فى مكان أفضل، ومستقبلنا أكثر إشراقًا بفضل تلك اللحظة الفارقة التى وحدت المصريين تحت راية واحدة: راية الوطن، لقد أثبتت هذه الثورة أن الشعب المصرى يمتلك من الوعى والإرادة ما يكفى لتغيير الواقع، مهما كانت التحديات، وأن الأمل فى غدٍ أفضل دائمًا ما يكون ممكنًا طالما كانت هناك إرادة وإصرار.

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة