محمود بسيونى
محمود بسيونى


الموقف السياسى

الشعب يحمى دولته

محمود بسيوني

الجمعة، 28 يونيو 2024 - 06:00 م

يصف عالم المصريات الأشهر جيمس هنرى برستد، مصر بأنها المصدر الأصلى لكل الحضارات، وأنها منبع الأخلاق والقيم الإنسانية التى انتشرت منها إلى مختلف بِقاع العالم.

ذلك هو سر نجاح ثورة 30 يونيو، شعب صاحب حضارة لا يقامر بمستقبل دولته، ولا يقبل العبث أو المساس بها، ولديه قدرة على الفرز الصحيح بين مَن يسعى لتمكين جماعة إرهابية ومَن يسعى لتنمية بلده، ويكابد من أجل بناء مستقبل يليق بها.

راقب المصريون بصبر وصمت وحزن سنوات الفوضى ما بين 2011 و2013، ماذا يحدث لمصر؟!، كانت الألسنة تتساءل عن مصدر النبتة الشيطانية التى خرج منها التنظيم، وكيف تتجرأ هكذا على حضارتنا وتاريخنا وتماسكنا الاجتماعى، كانت الهوية المصرية هدفهم الأول، كانت الأخونة تتسلل لكل مناحى الحياة، وتسعى للسيطرة على كل مؤسسات الدولة، وفى مقدمتها المؤسسات الأمنية، كانت تريد فرض أمر واقع على الدولة كلها، بعدما سيطرت على مجلس النواب والنقابات، فرضت خطابها على الإعلام، وظهر مَن يتحدث باسمها فى أوساط النخبة والمثقفين، وبدأت تظهر روايات جديدة للتاريخ، تكون هى فيها بطلة الأحداث التاريخية الكبرى، فالتاريخ هو ما تكتبه الجماعة، والسياسة هى ما تفعله الجماعة، والمرشد هو الأخ الأكبر فى رواية مزرعة الحيوانات لجورج أورويل، هو يراقب الجميع، ويتدخل لحل الإشكاليات المُعقدة، ويمتثل الجميع لأوامره.

استحوذ التنظيم الإرهابى على الحديث باِسم الدين، تسلل إلى مؤسساته، حاول أن يضمها إلى مشروعه، استبدل الإسلام المصرى الوسطى بنسخة لا تمت للدين بصلة، تناسب التنظيم الإرهابى الرافض للآخر، والساعى لتقييد المرأة، وممارسة العنف ضدها، لدرجة السماح لعناصره بصفع السيدات الفُضليات بالميادين وأمام مكتب الإرشاد، وإجبارهن على الصمت حينما ارتفع هتافهن مزلزلًا مكتب الإرشاد بالمقطم.. «يسقط حكم المرشد».

المرأة المصرية ترمومتر المجتمع المصرى، هي الجدة والأم والابنة، هي الملكة المرسومة على جدران المعابد وعلى رأسها تاج مصر، تعامل معها التنظيم باعتبارها عورة، ووضع العراقيل أمام مشاركتها السياسية، واستهدف الفنانات، وخاض فى عرضهن وشرفهن على وسائل التواصل الاجتماعى.

تعرضت وحدة المصريين لاهتزاز مخيف، حينما ناصبت الجماعة الإرهابية الكنيسة المصرية العداء، استباحت الكنائس وخططت لتفجيرها، وانطلقت قطعان الجماعة لمنع قرى بأكملها من التصويت فى الانتخابات لمجرد أن سكانها مسيحيون، تمييز على الهوية مارسته الجماعة، وصل إلى حد أن يمثل الكنيسة فى لجنة إعداد الدستور الإخوانى مسلمٌ.

تجرأت الجماعة على مؤسسة القضاء، وحاصرت المحكمة الدستورية، فى مشهد يجسد نهاية دولة القانون فى مصر، وكتبت الجماعة شهادة وفاتها بإصدار رئيس الأهل والعشيرة لإعلان دستورى، يعطى فيه صلاحيات لنفسه، تُمكِّنه من الاعتداء على القضاء، وإصدار القوانين منفردًا، ثم عزل النائب العام، وتعيين آخر على هوى الجماعة.

ثم كان مشهد القتل والتعذيب على أسوار قصر الاتحادية، المرشد أطلق النفير العام من أجل حماية رئيس الأهل والعشيرة، انطلقت عناصر التنظيم تضرب وتُعذِّب المارة من المسيحيين على الهوية، ثم تقتل الزميل شهيد الصحافة الحسينى أبو ضيف.

نامت مصر حزينة على حالها، حتى جاءت الفاجعة الكبرى باختطاف جنود قواتنا المسلحة البواسل فى سيناء، وإصدار رئيس الأهل والعشيرة لبيان يطالب فيه بحماية الخاطفين، والاعتراف العلنى بأن التنظيمات التكفيرية بسيناء فى حماية التنظيم، ثم تأكيد أحد قيادات التنظيم بأن عودة المعزول لقصر الاتحادية مرهونة بوقف العنف والإرهاب فى سيناء.

اهتزت أركان التنظيم مع تحديد المصريين 30 يونيو 2013 يومًا للخروج عليهم، وانحياز القوات المسلحة لطلب الشعب المصرى بحماية دولته، قرر التنظيم أن يكون مشهد النهاية دمويًا، هدد التنظيم عبر أذرعه الإعلامية المصريين بالقتل، وتدمير الدولة وتفكيكها، كل الطرق كانت تؤدى إلى نشوب حرب أهلية واقتتال داخلى بين المصريين، لرفضهم الاعتداء على هويتهم وحالة الفشل التى وصلت لها الدولة.

رفض التنظيم إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وقرر تدمير مصر والانتقام من المصريين بالإرهاب، خبرة التنظيم تنحصر فى الإرهاب وتدمير الدول من الداخل بالشائعات، فأعضاؤه مقاولو هدم للدول والمؤسسات الوطنية، وخبراء فى إشعال الحروب الأهلية والاقتتال الداخلى، وصُنع المجتمعات الموازية داخل الدولة الواحدة.

أن نحكمكم أو نقتلكم.. كان ذلك هو عرض التنظيم الذى رفضه المصريون فى ثورة 30 يونيو، التحم الشعب مع جيشه، وتجددت روح أكتوبر العظيم، واندفعت القوات المسلحة الباسلة تحمى بصدورها الشعب، الذى حمى دولته بثورة غَيَّرت مخططات وموازين جرى التخطيط لها منذ زمنٍ بعيد، أطلق المصريون شرارة الرفض، وتبعتها دول أخرى قبل أن تلقى مصير دول سيطر عليها التنظيم، ودفعها نحو الهاوية.

رفض الفريق أول آنذاك عبد الفتاح السيسى تهديدات الإخوان، وقرر المواجهة، التف حوله الشعب المصرى من أجل استعادة الهوية والوطن، اختار المصريون المشروع الوطنى المصرى، بناء الجمهورية الجديدة، والاتفاق على عقد اجتماعى جديد، يتمحور حول بناء الإنسان المصرى، وأن تتجنب مصر مخاطر وتحديات محيطها المُلتهب، توفير الأمن والحفاظ على الوطن.

تتقوى مصر بشعبها، المصريون يعشقون وطنهم، ومن أجله يتحملون الصعاب والتحديات، من المُحير أن تجد شعبًا يتعرض يوميًا لعددٍ لا نهائى من الأكاذيب القادمة من ماكينة الشائعات الإخوانية، التشكيك فى كل منجز وكل مشروع جديد، قطع المصريون ذراع التنظيم الإرهابى، وفتح التاريخ صفحاته لمجد شهداء القوات المسلحة والشرطة وأبطال الشعب المصرى، دفعت مصر ضريبة بقائها موحدة ومتماسكة، دافع المصريون ولا يزالون عن دولتهم، أدركوا بوعيهم الفطرى الخطر القادم من كل اتجاه، رفض المصريون التدخلات الأجنبية، واصطفوا خلف قرارهم الوطنى مهما كانت الضغوط والعواقب.

أتذكر كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى افتتاح أعمال أول برلمان بعد ثورة 30 يونيو، وقوله نصًا: «علينا ألا ننسى أننا نجحنا فى تعطيل مخطط وإبطال مؤامرة، وعلينا أن ندرك أن هناك مَن هو متربص، ولا يريد لهذا البلد أن يكون استثناءً بين مصائر دول هذه المنطقة المضطربة، وأن يعرقل مشروعنا الوطنى للتنمية والاستقرار».

ستظل مصر – أمس واليوم وغدًا – عصية على الاضطراب والفوضى، بفضل شعبها ومؤسسات دولتها الوطنية، شعبها يحمى دولته، يبنى ويزرع ويصنع، ولا تنال منه حملات إشاعة الإحباط واليأس، رغم التحديات والأزمات الصعبة والمُعقدة، شعب اختار الحياة بحرية على أرضه، ويدرك تمامًا الفرق بين أرضه وأرض الغير. 

شعب راهن على حماية دولته ومؤسساتها.. وكان ذلك هو الرهان الرابح الوحيد.

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة