يسرى الفخرانى
يسرى الفخرانى


فنجان قهوة

عتبات بيوتنا القديمة

أخبار اليوم

الجمعة، 28 يونيو 2024 - 06:54 م

أين بيوتنا القديمة؟ البيوت الواسعة وسقفها المرتفع وحِرص المصمم على أن يكون للبيت باب عريض ونوافذ كبيرة تتيح للضوء الدخول بسهولة إلى كل مكان فى البيت ويتسلل الهواء إلى كل زاوية؟ كانت البيوت براحًا حقيقيًا وبسيطة بساطة ثرية بالمعانى التى تجعل الحياة مثل مقطوعة موسيقية رائقة، لم نكن أبدًا أسرى بيوت أسمنتية باردة خالية من الجمال، كانت البيوت بما يضاف لها من ألوان هادئة وقطع أثاث أنيقة تصالح ساكنيها على الحياة..

اليوم نعيش فى بيوت من ورق مهما ارتفع ثمنها أو ارتقى مكانها، فماذا لو كانت فى حى بسيط فى عمارات متلاصقة تئن من الزحام وهشاشة الجدران وعشوائية البناء..

بيوتنا القديمة كانت بيوتًا صحية بكل المعانى، فهى سكن للشمس والهواء، دافئة فى الشتاء لطيفة فى الصيف، كل شقة أمامها بَسطة سلم مريحة ومبهجة، مدخل قيم وواسع للعمارة، علاقات اجتماعية جيدة بين الجيران، لمسات فنية على الواجهات، شرفات تتسع لجلسات مريحة ومبهجة للعائلة لبعد الظهر والمساء..

فقدنا جزءًا كبيرًا من ثقافة حياتنا منتظمة الإيقاع عندما فقدنا القدرة على تصميم وبناء بيوت حديثة كالقديمة، يدهشنى تلك الفرص التى ضاعت من بداية التسعينات لبناء بيوت تعكس إبداع المصمم والمطور فى كل المشروعات التى أقيمت فى الصحراء على أرض فراغ، وكيف كان هناك مساحات لصياغة بيوت عصرية دون أن نفقد كل مواصفات بيوتنا القديمة..

الواجهات التى يمكن أن تحمل كمًا من أفكار مبدع أصبحت صماء تمامًا أو قبيحة، البيوت خاصمت الهواء والشمس، النوافذ أصبحت قصيرة ضيقة، الاستعانة بملاقف الهواء لترطيب البيت بالطبيعة لم تعد فى حسبان أى مصمم، الأسقف قريبة والجدران هشة وهناك خصام متعمد بين الجيران تحت دعوة الخصوصية، أضف لها أسلوب الألوميتال الذى أفسد الداخل والخارج.. المصممون (إلا قليلًا) يبنون من منتصف الثمانينات تقريبًا علب كارتون، يضيف لها مصممو الديكور المزيد من الحياة البلاستيك، أرضيات سيراميك أو خشب مٌصنع، أسقف جيبس وإضاءات صناعية تشبه فاترينات المحلات، عفش عبارة عن كتل ضخمة تملأ المكان بوحشية مثل أى وجبات سريعة عديمة القيمة تُربك المعدة..

ورغم وجود مئات المطورين العقاريين وأرباحهم الخيالية، لا أجد تفسيرًا لتشابه العمارات أو القرى السكنية التى يقدمونها للمشترى، نسخ تكاد تتشابه فى التصميم والتنفيذ والأهم الأخطاء والمبالغات فى الرفاهية أحيانًا على حساب مواصفات البيت المريح (السكن)..

البيوت أمر مهم فى تشكيل الحياة الاجتماعية للشعوب، فإذا فسد ذوق البيوت فسد ذوق الناس خارجه، فى التفرقة بين ما هو جميل وما هو قبيح، بين ما هو صحى وما هو ضار، بين ما هو خير وما هو شر، إذا أردت أن تعرف ماذا حدث للمصريين ابحث فى جزء كبير منه عن ماذا حدث لبيوتنا؟.

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة