
الكاتب اليوناني
الكاتب اليونانى فى حوار خاص لأخبار الأدب:
هارى تزالاس: الناس العاديون أبطالى لأنهم ملهمون
2021-02-14 05:40
حوار: غادة جاد
ولد الكاتب اليونانى هارى تزالاس فى الإسكندرية عام 1936، لأب يونانى وأم إيطالية. كانت عائلته قد استقرت فى الإسكندرية منذ نهاية القرن الـ 19 وظلوا بها حتى عام 1956 حين خرجت الجاليات الأوربية من مصر. هاجر هارى تزالاس حينها إلى البرازيل وعمل فى إحدى شركات الملاحة لمدة ثلاث سنوات، بعدها تجول فى العديد من مدن العالم.
صدر لـ هاري اسبعة أيام فى فندق سيسيلب وهى مجموعة قصصية تُرجمت إلى الإنجليزية والعربية، كما صدر لهاوداعًا الإسكندرية: إحدى عشرة قصة قصيرة"، و االبحار الثملة بالتى تدور حول ذكريات سنواته الأولى فى الإسكندرية. هنا حوار معه.
* اتخذت أعمالك الثلاثة من الإسكندرية وشخصياتها الكوزموبولوتانية موضوعًا لها، وجاءت كلها فى سياق أحداث حقيقية، سواء تلك التى عشتها أو رصدتها من أحداث التاريخ. متى كانت اللحظة التى قررت فيها الكتابة عن الإسكندرية؟
- عقب رحيلى عن الإسكندرية عام 1956، تعددت أسفارى بين البرازيل ومعظم أنحاء غرب أوروبا قبل أن أستقر فى أثينا.
وتملكنى الشغف لرؤية أماكن جديدة، مع ذلك فقد شعرت حينها بحنين جارف إلى الإسكندرية وسنوات صباي. هكذا فى أحلامى رحت أجوب المدينة التى وُلدت فيها، وفى مستهل السبعينيات كتبت أولى قصصى القصيرة ثم نشرت مجموعة اوداعًا الإسكندرية: إحدى عشرة قصة قصيرةب(1995). حينها قررت السفر إلى الإسكندرية. وكانت العودة فرصة لنشر مجموعة اسبعة أيام فى فندق سيسيل" (2000).
* لطالما كانت مآسى الحرب العالمية الثانية حاضرة فى نسيج أعمالك بقوة، وقد رصدتها بوجدان الطفل الذى عاصر الأحداث. إلى أى مدى ترى أوجه التشابه بين عالم الأمس وعالم اليوم؟
- فُقِدت الجنة الأرضية الخالية من الصراعات حين كف الإنسان منذ آلاف السنين عن جمع الثمار والصيد البري. هجر حياة الترحال واستقر. وكانت حيازة الملكية أولى إرهاصات عدم المساواة الاجتماعية، وقد أسفر الأمر عن المزيد من الطمع. المزيد من الأراضى لزراعتها والمزيد من الأنعام لتربيتها. هدفت الصراعات المسلحة فى الأساس إلى اغتصاب الأراضى المجاورة والاستيلاء على الماشية. ومنذ آلاف السنين لم يتغير شيء، فلم تزل عقلية الطمع والرغبة فى الاستيلاء على المزيد من الثروات بالقوة، وقد استُبدلت بالأسلحة الحجرية والحديدية والبرونزية أسلحة أخرى أكثر تطورًا وفتكًا لتتضاعف المذابح.
* حظيت الدراسات اليونانية الكلاسيكية واللغة اليونانية القديمة فضلا عن الآثار اليونانية باهتمام أكاديمى واسع فى الجامعات المصرية منذ عقود. لماذا لم تنل اللغة اليونانية الحديثة وآدابها القدر ذاته من الاهتمام؟ وهل للعوامل الاقتصادية دور فى ذلك؟
- أثرت الحضارات الإغريقية فى حقبة ماقبل التاريخ والحقبتين الكلاسيكية والهللينستية فى العالم الرومانى وفكره الفلسفى وفنونه وتقنياته، والأثينيون هم من اخترعوا الديموقراطية. ثم حلت قرون من الانحدار، إذ لم تقدم اليونان فى عصر النهضة أو عصر التنوير أى إسهامات. ومن العصور الوسطى المظلمة اتخذ اليونانيون أولى الخطوات نحو العصر الحديث. ويجيء العام 2021 ليصبح علامة مميزة كونه يشهد الاحتفال بمرور مائتى عام على الكفاح اليونانى من أجل الاستقلال.
وحين تحيا حياة طيبة، تكون قادرًا على الإعجاب بشيء، ويراودك الحلم، ويصبح بوسعك الغناء ونظم القصائد. إن يونان اليوم أمة جديدة ذات ماضٍ رفيع المكانة، إنه ذلك الماضى الذى يُدرس فى الكثير من الجامعات حول العالم.
* من هم أبرز الكتاب الذين أثروا فى تكوين هارى تزالاس الأدبي؟
- نهلت التعليم المدرسى حتى المرحلة الثانوية باللغة الفرنسية، ولكنى تحدثت اليونانية مع أبي، والإيطالية مع أمي، والعربية مع أصدقائى المصريين وكذلك الإنجليزية. وكانت معظم قراءاتى المبكرة لكتاب فرنسيين. وكان لڤيكتور هوجو ورائعته االبؤساءب عظيم الأثر فى تكوين شخصيتى منذ الطفولة. فقد علمتنى شيئًا جد مهم، ألا وهو الفرق بين ما هو (قانوني) وما هو (أخلاقي). فقد اتُهم بطل هوجو چان ڤالچان بسرقة رغيف من الخبز وحُكم عليه بالأشغال الشاقة. ولم تأخذ المحكمة بعين الاعتبار أن الخبز كان لأجل عائلة أخته المتضورة جوعًا. وهناك كُتاب فرنسيون آخرون كانوا رفقاء سنوات حياتى السكندرية المبكرة، منهم: ألفونس دوديه، وهيكتور مالو، وجاى دوموباسان، فضلًا عن امغامرات ديفيد كوبرفيلدب النابضة بالحياة لـ تشارلز ديكينز، ولن أنسى ليو تولستوى وفيودور ديستويڤسكي. وكان لهم جميعًا بعض الأثر فى نهج تفكيرى وكتابتي.
* حققت أشعار قسطنطين كفافيس على شهرة عالمية ونالت شهرة كبيرة فى الأوساط الثقافية المصرية، لاسيما بعد ترجمتها إلى العربية، كذلك أصبح اسم نيكوس كازانتزاكيس معروفًا لدينا بفضل روايته الشهيرة ازوربا اليونانيب، التى تحولت إلى فيلم. ماذا عن الكتاب والفنانين اليونانيين المعاصرين؟ ثمة حلقة كبيرة مفقودة، اليس كذلك؟
- ثمة إشكالية كبيرة تتعلق بالأدب ألا وهى اللغة. حين نأتى إلى الترجمة، حتى مع أعظم المترجمين ، فإن النص الأدبى ذ سواء أكان قصيدة أم روايةذ يفقد الكثير من جاذبيته. وليست اللغة اليونانية من بين اللغات المستخدمة كلسان مشترك بين البلدان، والقليلون هم من يستطيعون قراءة اليونانية، وهكذا فإن قسطنطين كڤافيس ونيكوس كازانتزاكيس شأنهم شأن كُتابنا الحائزين على جائزة نوبل وهم چورچ سيفيريس (1963) وأوديسيوس إليتيس (1979) صاروا معروفين من خلال الترجمة. كفافيس السكندرى هو أعظم شعراء القرن العشرين، كما أن نيكوس كازانتزاكيس ليس كاتبًا عظيمًا فحسب، بل إنسانًا ذا طابع مميز. أكنُ الكثير من التقدير لكتابات فاوستا تشالنتيه (1898ذ 1994)وكانت تعيش فى الإسكندرية منذ 1936 حتى فترة مابعد الحرب العالمية الثانية، وألفت بعض الروايات البديعة كان من بينها روايتانتدور أحداثهما فى الإسكندرية. وأظن أنها غير معروفة على الإطلاق لأغلب القراء المصريين نظرًا لأن أعمالها لم تترجم. أما نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل، فهو بلا شك كاتب عظيم قريب جدًا من الناس العاديين وقد تُرجمت أعماله إلى اللغة اليونانية.
* ما أكثر الموضوعات جذبا للقاريء اليوناني الآن؟
- لابد أن نعى أن القراءة منذ آلاف السنين هى حق مقصور على الفئة القليلة المتعلمة من البشر. وحتى لدى اختراع الطباعة كانت القراءة مقصورة على القليلين جدًا ممن استطاعوا توفير سبلها ، أما بالنسبة لبقية الناس فكان الحكائون هم من يكررون القصص شفاهةً. واستمر تواتر القصص شفاهة مرة تلو الأخرى على لسان الجدات والحكائين الشعبيين حتى قرن مضى فى بعض الأماكن. ثم فى مستهل القرن العشرين طُبعت كمية كبيرة من الكتب ، وصارت القراءة متاحة للسواد الأعظم من الناس. لكن الأشياء تغيرت مجددًا. والآن يتضاءل عدد القراء حيث يمضى أغلب الناس أوقات فراغهم أمام التلفاز أو فى اللعب على أجهزتهم الذكية.
* فى أولى رواياتك (وداعًا الإسكندرية) لم تكتب عن شخصيات عظيمة ولكن عن إناس عاديين، أمثال عم أحمد، وتاوا، أسطى أنطون وفراوجريت. ماالذى أثار اهتمامك فى تلك الشخصيات السكندرية العادية؟
- لطالما منحنى عملى كمستشار ملاحى متخصص فى اليخوت، الفرصة للقاء علية القوم من أصحاب المليارات والشخصيات الملكية ونجوم التمثيل والساسة، والأسماء البارزة فى عالم الصحافة والأخبار. لكن هؤلاء جميعًا لم يشكلوا مصدرًا للإلهام لكتاباتي. إنهم البسطاء من البشر الذين كان لديهم شيء ليقولوه، لكن يجدر بك الدنو منهم والإنصات إليهم.
* فى اسبعة أيام فى فندق سيسيلب، إلى أى مدى كان تصوير أحداث القصة وتجسيد شخصياتها حقيقيًا؟
- كل قصص اسبعة أيام فى فندق سيسيلب حقيقية؛ إلا أنه ثمة تغيرات على أسماء بعض الشخصيات. لكن ما من أحداث متخيلة. الأمر ينطبق كذلك على كل قصص القصيرة الموجودة فى كتبى الأخرى.
الكلمات الدالة
مشاركه الخبر :
الاخبار المرتبطة















