علاء عبد الكريم
بداية
وجهان لعملة رديئة
الثلاثاء، 18 أكتوبر 2022 - 02:00 م
..لا أخطر على دولة ما من مد نفوذ التطرف فيها وخلط الخطاب الديني بالسياسي، أو العنف الذي هو نتاج العدوانية، عنف أراه دائمًا مفتعلًا أو زائفًا لدى من يمارسه؛ ومن أسف أن يأخذ مسار العنف طريقه إلى الاعتداء على النفس إلى حد البشاعة في القتل، وكما رأينا سلسلة جرائم القتل الأخيرة باسم الحب وهذا المعنى بريء منهم؛ فلا يمكن أن نصف هؤلاء المعتدين أو نسبغ عليهم صورة البطل المضطهد، وربما كان من المفيد بترهم من المجتمع؛ لأن خسائر العنف على ضحاياهم وذويهم أكثر أضعافًا مضاعفة.
فلا فرق عندي بين المتعصب دينيًا، والمجرم الذي يطفئ غضبه حتى عماه بسفك الدماء والقتل؛ فالاثنان غابا عنهما نور العقل ورزحا تحت وطأة الضلال، فالمتعصب هو شخص لا ينتصر الى رأيه فقط وإنما يسعى بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة الى هدم كل رأي يخالف رأيه، ويرى في نفسه أنه وحده الذي يحتكر الحقيقة المطلقة والعقيدة والفضيلة والأخلاق والإيمان، هو لا يرى نفسه جزءًا من هذا المجتمع بل هو يختزل الكل في نفسه، وهو في سبيل تعصبه وطائفيته التي توقفت وتجمدت عند سنة واحد هجريًا يقتل كل من لا يؤمن به وبأفكاره، ينطبق عليهم قوله تعالى؛ «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها»، شخص جاهل يُمتعه زجر الناس وترويعهم وتعريض حياتهم أو أمنهم للخطر، أنظروا مثلًا بماذا أجاب قاتل المفكر شهيد الكلمة الدكتور فرج فودة أثناء محاكمته في تسعينيات القرن الماضي عندما سأله القاضي؛ لماذا اغتلت فرج فودة؟!، فقال: لأنه كافر، فلما سُئل مرة أخرى من أى من كتبه عرفت أنه كافر؟!، فقال: القاتل: «أنا لم أقرأ كتبه فأنا لا أقرأ ولا أكتب»!، هو إذن سلوك معتاد لدى جماعات تنسب نفسها للدين وأن أي عمل بربري هو من صميم الدين، طالما الأمير أعطى الأوامر فيلبي نداؤه.
هو نفس ما يفعله المجرم عتيد الإجرام عندما يقتحم بيتًا أو متجرًا مثلًا ويرهب صاحبه مصوبًا سلاحه إلى رأسه، فما بينهما تكامل وشبه؛ فالأم الذي نزعت قلبها من بين ضلوعها وأرضعت طفليها الرضيعين سمًا خلطته في اللبن وظلت تراقبهما وهما يصرخان حتى أسلما الروح، هي إرهابية استخدمت العنف لتحقيق غرضها بكل خسة، ومثلها مثل الأم التي تخلصت من رضيعها بالاشتراك مع عشيقها، وكأنها ولدت بلا قلب، والأدهى والأبشع أنها حملت جثته على يديها وظلت تطوف بها في الشوارع بحثًا عن مكان تلقيها فيه، فكيف لأم أن تقتل رضيعها، هل لا نزال نبحث عن تفسير لهذه الجرائم أو بأدق الفواجع؟!، فلا فرق بين هؤلاء المجرمين الجنائيين والإرهابيين، فـ الاثنان الفكر المتطرف هو وقودهما؛ قنص العقول هو الهدف الذي سعت وراءه الجماعة الإرهابية، التي أنشأها حسن البنا مؤسس شجرة الإرهاب الخبيثة في العالم، منذ بدايتها التضليل بالدين هي الفلسفة الجنونية التي اعتمدت عليها الجماعة منذ مهدها وأول نشوؤها، ليس مهمًا البحث عن وظيفة لمن يلتحق بهذه الجماعة، بعد إخضاع المنتسب إليها لاختبارات نفسية صعبة، وإنما شحن العضو بالروح الدينية وإثارته بإصدار الفتاوى التي لا تمت الى الإسلام بصلة؛ فتحولت الفتوى في أدبيات كل جماعات الإسلام السياسي الى شكل من أشكال العنف؛ فهذا الشيء الخطير الذي إذا صدر من غير أهله أو بغير علم، لا يُفضي فقط الى الكذب على الله ورسوله وهذا حرام شرعًا، وإنما الى إلحاق الضرر والأخطار بمن يسمعها ويتعداهم أحيانًا الى التأثير في المجتمعات والدول؛ فخطر الفتوى المضللة يؤدي حتمًا الى بذر بذور الفرقة والشحناء بين أفراد المجتمع الواحد، فتكون ثمرتها الخبيثة إشعال نار الفتنة العمياء، وتأجيج نيران الكراهية بين شعوب الأمة الواحدة، فالمفتي سواء من أعضاء الإرهابية أو من باقي التنظيمات الأخرى لا يفتي وكفى وإنما بفتواه هذه يضع عامدًا متعمدًا السم في الشراب ويترك ضحاياه يتجرعونه على مهل حتى يأتي أثره.
فاستقلال العقل والرهان على جسارته في حرية الفكر والإبداع مرفوض تمامًا عند جماعات الإسلام السياسي على اختلاف مسمياتهم ومشاربهم، لأن الأهم لديهم هو إعداد اتباعهم بعد سلب عقولهم للقتل والاغتيال والتخريب.
والذي يتعاطف مع قاتل في جريمة جنائية أو إرهابي يروع الأبرياء؛ ربما في المستقبل يكون مثلهما، الاثنان وجهان لعملة رديئة.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة