أحمد عباس
أحمد عباس


تساؤلات

لكن اسمع..

أحمد عباس

الخميس، 26 نوفمبر 2020 - 06:27 م

الأمر يا صديقى بسيط جدا، والمسألة أسهل مما تبدو عليه، نحن فقط نُحمل الأمور أكثر من حقيقتها، فلا شيء أكثر من أن عدلا إلهيا مُدبرا بالسماء، وأنه واقع واقع لا محالة، ونحن بالبديهة لا نشك فى ذلك، ولا ننكره.
ولا شككنا يوما فى الغيب أو تشككنا به، فلا فقدنا إيماننا بحكمته، ولا ارتبنا فى عدل القضاء، الأمر كل الأمر أننا عاجزون عن فهمه، ونحن لا نخاف من شيء أكثر من عجزنا نحن.. وهذا بالقطع كلام مُكرر.
أما عن ن الحياة ظالمة، ولا إنصاف فيها، وأننا كدنا فى أحيان أن نفقد ثقتنا بذلك التدبير، واجترأنا ورفعنا أعيننا إلى السماء نسألها أسئلتنا الطفولية، كأنك مثلا تسألها «لماذا» أو «لمَ أنا» أو «إلى متى»، فصدقنى ذلك ليس قنوتا أو تجرؤا على المكتوب، هذا ليس إلا ثقة فى ذلك العدل الإلهى ذاته، فكر معى مثلا ماذا لو أنك أقلعت عن تصديق شخص ما، هل ستروح وتسأله عن شيء جديد.. أى شيء!، لا والله لن تفعل، كذلك الأمر نفسه ماذا لو أنك لا تصدق فى ذلك العدل الإلهي، إذن لماذا ترفع عينيك إلى السماء أصلا، صدقنى هذه حالة من التصديق والإيمان، المسألة كلها أن تعب ما أتى على نفسك فأرهقها، ونحن نفوس يا صديقى وأرواح تتعب، والسماء تعرف ذلك وتغفره وتحبه فاسألها واطمئن.
وصدقنى المسألة لا تتعلق بقوة ايمان أو ما شابه، ولو كانت كذلك لكنت أنا أول الساقطين، الحكاية تميل أكثر لحالة سكينة، أن تتابع فقط وتلعب هذه اللعبة: «ماذا كان سيحدث لو أن شيئا حدث، أو لم يحدث»، ولا تنتظر الإجابة، فالإجابات عاقلات جدا لا تأتينك متى سألت، تأتينك متى راق لها المجيء، اطمئن المسألة كلها محسوبة ومُدبرة بحكمة مطلقة.
أما هذا التعب الذى يتملكك بين حين وحين فلا علاقة له بخلل ما أصاب هذا التدبير، ولا شبهة فى أن ظلما ما يترصد بك أنت بذاتك، لا والله هذا لا يحدث أبدا..
نحن فقط نتأذى من أدوات تحقيق العدل، بعضها يبدو موجعًا جدا لما يقع ويصيبنا لكنه حتمي، وصدقنى يا صديقى فهمها كانت هذه الأدوات مُتعبة وقاسية لكنها تنفذ العدل بمنتهى الدقة، فالخطوات تقودنا لطريق، وعلى الطريق محطات، وفى كل محطة بشر نلتقيهم للمرة الأولى أو الأخيرة، والناس يا صديقى هم أصل القصص وبدايات الشعور، المهم.. لا تدع أدوات العدالة تفقدك الثقة فى العدالة ذاتها، أنا أثق فى الأصل نفسه، أما المجريات الحادثة، فليست أكثر من أدوات ليس إلا، ولا تتوقع أن يتحقق العدل بأدوات كلها عادلة.
ثم دعنا نُفكر بهدوء وثقة..
أيهما أجمل وأمتع وأكثر لذة، أن تحتجب خوفًا من وجع ما -ربما- يقع، وتغادر كما وصلت إلى هذه الدنيا بلا شعور واحد حتى لو كاد أن يهلكك، أم أن تأت النهاية وأنت تحاول!.. صدقنى الثانية أشرف بكثير، وأكثر قيمة حتى ان زادت أوجاعها.
صحيح أن الأولى هادئة ومُريحة وراكدة ورائجة وسائدة، لكن الثانية متعتها لا توصف.. تعرف مثلا كأنك تمارس الشعور الأول من كل شيء لأول مرة، أول مرة من كل شيء، أول مرة خوف، وجبن، وحب، وقلق، وبرودة، ومرض، وضعف، وحر، وغضب، وصدق، وظلم، وكذب، ووشاية، وبكاء، وافتراء، وتلعثم، وانطلاق، جرأة، هل رأيت كل هذه المتناقضات.. قل لى هذه المشاعر كيف تغادرها دون أن تجرب كل ما فيها، صدقنى المتعة تستحق التجربة.
المهم سر طريقك ولا تتوقف، حتى وإن تعطلت، استرح إن شئت، أو حلت عليك علامات التعب، ولا تبرح حتى تبلغ، ولا ترجع حتى تصل، واسأل السماء متى أردت عن عدلها، وثق أن رحمة ما تسبق دائما كل عدالة.

 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة