التشكيلية في متون
تراتيل جيهان فايز التشكيلية فى «متون»
الإثنين، 11 يناير 2021 - 01:13 م
للوهلة الأولى تدرك أن بإمكان الفنانة جيهان فايز أن تستعير من جدارياتها سمات تمنحها لشخوصها، ففى معرضها الأخير الذى استضافه جاليرى النيل تحت عنوان امتونب بدت شخصياتها شامخة راسخة كما جاءت مسطحاتها محملة بالملامس المتداخلة والطبقات المتتالية كتلك التى تحملها الجداريات عبر رحلة زمنية، وكلما اقتربت من المسطح الذى صنعته جيهان باستخدام مزيج من الأوراق المختلفة التى تداخلت وذابت فى بعضها البعض لتستعد لتلقى الألوان، وتأملت تفاصيله، أدركت ثراءه بالملامس والألوان والزخارف، وكلما اقتربت من التفاصيل تأخذك للتجريد، بينما حين تتراجع للخلف عدة خطوات فإنك ترى شخوص جيهان واضحة.
تقدم الفنانة جيهان فايز على المسطح محملة بخبرات تخصصها فى التصوير الجدارى، وكذلك بطاقة كبيرة للتجريب والتعامل مع مختلف الخامات، وربما هو ما يفسر تلك الطاقة الفنية الهائلة التى قدمتها فى أعمالها، طاقة نابعة من تجربة ممتدة، فمنذ بدايتها الفنية تهتم الفنانة بتوظيف الخامات غير الاعتيادية فى الجداريات ومنها الخزف على سبيل المثال، إذ سبق وأن قدمت جداريات بتقنية فن الخزف، تلك الخامة الثرية التى تحمل فى طياتها طاقات لا تنتهي،استنطقتها بألوان مختلفة تبعا لدرجة الحرق، ودونت نتائجها لمن يريد أن يستمر فى البحث، قبل أن تتعامل مع خامة الأسمنت التى قدمت به أكثر من جدارية، ذلك بخلاف استخدام عجينة الورق فى فن التصوير.. ومن الجدار للمركب كما حدث من خلال تجربتها فى البرلس، للأشكال المجسمة، للمسطح بمختلف أحجامه اختبرت جيهان كذلك مختلف المساحات والأبعاد، لتترك كل تلك التجارب ثراءً امتزج بخبرتها الأكاديمية التى حاولت من خلالها أن تقفز خارج قيود النمطية فى تقديم تجارب تعليمية ثرية للطلاب.. كل تلك الطاقات اجتمعت معا فى مسطحها التصويرى مهما كان الموضوع الذى تعالجه.
ولا ينفصل اهتمام فايز بالخامات عن اقترابها من روح الإنسان المصرى البسيط، إذ أخبرتنى أنها تسعى دائما للخامات القريبة من الناس التى توجد فى متناول الجميع لتقدم من خلالها أعمالها الفنية منهم وإليهم، ولكن ليست الخامات وحدها التى تقترب فيها جيهان من حياة الإنسان البسيط، ففى معرضها السابق االتقينا بالجنوبب الذى تشاركت فيه مع الفنانات سوزان شكرى، وهالة شافعى، ومروة عزت، قدمت فايز تجربة مبهجة وملونة لعالم العشوائيات بخامتى الأكريلك والزيت،كما سبق لها أن قدمت تصميم تجميل لمنطقة عشوائية اأبوسويلمب بالمنيا ٢٠١٥، مستخدمة فى التصميم عنصر الورد وعناصر زخرفية من الخيامية المتعارف عليها لتقترب من الإنسان العادى ومن تراثه.. إذا فاحتفاء فايز بالإنسان هو ذلك الاحتفاء الذى اتضح فى معرض امتونب الذى احتفت فيه كثيرا بالمرأة وبشموخها وبإدراكها لتفاصيل العالم.
فى امتونب تبدو شخوص جيهان وكأنها تغزل المدن والأماكن التى تنساب على أجسادها أو تحتويها، تبدو شخوصها وكأنها تروى حكاية الماضى وتصله بالحاضر، ويتضح تأثر جيهان فايز بجذورها وبالمصرى القديم، فثمة ملامح وتفاصيل تحيلك للمصرى القديم دون مباشرة، وقد تنوعت الأعمال التى قدمتها بين الشخوص الكاملة، والبورتريه والطبيعة الصامتة ومزيج بينهما. ولكن السمة الرئسية التى جمعت بين كل أعمالها قوة البناء التشكيلى الذى بدا فى الغالب تصاعديا.
وقد جاء اختيار اسم ا متونب ليكون خير معبر عن تلك التجربة، إذ أن أول ما يتبادر إلى أذهاننا حين نستمع إلى ذلك اللفظ هو متون الأهرام، أقدم نص دينى معروف، ولكن بالرجوع لأصل الكلمة نجدها ذات دلالات متنوعة لها علاقة بالأساس، إذ يعلو اللفظ فوق كونه تنويعة وإنما هو المنبع الذى تخرج منه التنويعات ولذا ترفض فايز استبدال امتونب بمفردة انصوصب إذ يحمل المتن فكرة الأصل، تقول فايز المُتُون نصوص قديمة موجزة، كثيفة المبنى والمعنى، عميقة المغزى والدلالة. وللفن المصرى على طول تاريخه مُتُون فنية ذ أكثر إيجازا وأبعد مغزى وأروع دلالة - تتوازى وتتقاطع مع فنوننا التشكيلية المعاصرة، وعلينا أن نتواصل معها ونبحث فيها عن جذورنا ونفهمها ونقدم إبداعا فنيا متمايزاً ومبتكراً، من خلال تجارب فنية ذاتية تقدم لغة تشكيلية أصيلة بأدوات عصرية، نستلهم فيها روعة فنوننا السابقة وغموضها وثراء عناصرها وتعدد رؤاها . وتضيف: قدمت فى امتونب أعمالى الفنية المحملة بتراتيلى التشكيلية التى تنتشر فى فضاء اللوحة مشكلة عالم من الخطوط والألوان والملامس )عالم من الخصوصية(.
الحقيقة أننى زرت معرض امتونب أكثر من مرة، إذ لم تكن زيارة واحدة كافية، فكل عمل يحتاج لوقت طويل لا تتأمله فحسب بل لتستشعر طاقته كذلك، حتى الطبيعة الصامتة كان لها مذاق مختلف فى هذا المعرض أعطتها فايز حياة ثانية لتتنفس وتتحرك على المسطح.
جدير بالذكر أن الفنانة جيهان فايز حصلت على دكتوراه فى فن التصوير الجداري، وهى عضو نقابة الفنون التشكيلية فى القاهرة، وتعمل مدرسة فى قسم التصوير بجامعة المنيا ومن معارضهاـ معرض خزف عام 2007، ومشروع جدارية أسمنت عام 2008، ومعرض جداريات بجماليات الخط الهندسى والعضوى عام 2010، ومعرض تعويذة مصرية عام 2013.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة