أشرف غراب
أشرف غراب


كورونا.. والهوس الفكرى!!

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 08 فبراير 2021 - 02:23 م

بقلم: أشرف غراب

 مازلت أؤكد فى كتاباتى أنه - ومن وجهة نظرى الشخصية، التى تُمثِّلنى فقط، وعلى الله قصد السبيل، وأرجو من الله أن يُعافينا وإياكُم ويجعل لنا جميعًا من كل ضيقٍ مخرجًا، ف‏أعمارنا مكتوبةٌ، وأقدارنا يعلمها اللهُ، فتداركوا نعمة وجُودكم واستغفروه لعله يُحْدث بعد ذلك أمرًا- علينا ألا نخشى الأمراض والأوبئة، فإنها جُندٌ من جنود الرحمن، يُرسلها رحمةً منه، ولتعلم كل الخلائق أنه لا مفر من الله إلا إليه، وأن القوةَ للهِ جميعًا، وأن الأمراضَ والأسقامَ أوجدها الخالقُ ليس للابتلاء أو العقاب فحسب، بل ليُثبِّت كينونته على خلقه، وليعلموا أن القوةَ ليست مرتبطةً بالعنصر المادى للأشياء، لذلك أوجد الفيروسات والكائنات التى لا تُرى بالعين المجرَّدة، وتستطيع بقوةِ الله أن تُشتِّت وتُميت وتُحيِّر أفضل الكائناتِ على ظهر البسيطة ألا وهو الإنسان، بكل علومه وقوته، وذكائه وفطنته، وأنه لن يستطيع رد أصغر الكائنات إذا أراد خالقها ذلك، فخُذوا العِبرةَ قبل الحيطةِ والحذرِ، واعلموا أن الله انفرد وحدهُ بالموتِ والحياةِ، لا يُشاركهُ فى هذا الأمرِ أحدٌ، لا نبىٌّ مُرسلٌ، ولا ملِكٌ مقربٌ، لذا وجب علينا استقبال أقدار اللهِ بلطفٍ وطمأنينةٍ وثقةٍ، حتى يُريكم لُطفه وكرمه، وأنه حقًا وصدقًا عليمٌ بما تصنعون.
كلنا يعلم أن هذا البلاء "مرض الكورونا"، الذى حلَّ علينا منذ عام، وضرب العالم أجمع من أقصاه لأقصاه، لم يستثنِ دولةً، ولا جنسًا، أو نوعًا أو حتى أتباع ديانةٍ بعينها، وبصرف النظر عن كل الأسباب الطبيَّة والعلميَّة، فإن هذا الڤيروس يمتثل بخضوعٍ كاملٍ لإرادة خالقهِ، يأتمر بأمره، ينفِّذ تعاليمه، وهو سبحانه، لا راد لقضائه متى أمر وطلب، فهذا الوباء مِثل غيرهِ من الأسقام والأمراض تأتى بأمرٍ من خالقها الله الواحد الأحد، وأننا مهما ننزعج ونقلق، ونتألم ونضطرب، ونخاف ونحذر، ونعدُّ العُدة دون الأمل فى لطف الله، واليقين وحُسن الظن به وبصنيعه، لن ننجو أبدًا، وأرواحنا بسِياط الوجع ستُضرب؛ لنرجع إليه مرةً أخرى، ونُحسن الظن به، وهذا هو الأهم، لأن الله تعالى هو من قال فى حديثه القدسى: "أنا عند حُسن ظن عبدى بى، فليظن عبدى ما يشاء"، ألا يكفينا هذا التصريح الربانى من ملك الملوك حتى نهدأ ونستقم؟!.
لقد جعل لنا الله من حُسن الظن بهِ، جلَّ علاه، فرجًا من كل همٍّ، ونجاةً من كل كربٍ، بمعنى أنك تجد ما تُريد بحُسن ظنك بخالقك، فما أعظمه من إلهٍ مقتدرٍ رحيمٍ، يُعطى عبده ما يتوسمه فيه، ويزيد فى العطاء، حتى يتعجَّب المخلوقُ من صُنع خالقهِ، وهو ما يستوجب معه الدعاء والتضرُّع لله سبحانه، بعد حُسن ظنك فيه، ويقينك به، ليأتى الفرجُ من السماءِ، كما جاء البلاءُ أيضًا منها، وكى نأمن عاقبة البلاء وننجو بفضل ربٍ رحيمٍ، كما جاء فى كتابه: "إن الله كان بكم رحيمًا"، "وإن الله بالناسِ لرؤوفٍ رحيم"، وأنه حاشاه أن يظلم أحدًا من عباده، فهو القائل فى كتابه أيضًا: "وماربُك بظلَّامٍ للعبيد".
ما يُقدَّر لنا من الله يكون لكلٍ منا على قدْره؛ أى حسب ما يراهُ خالقُه من أمره، بعدله النافذ، وسلطانه الأزلى، وأننا على قدْر الله، بقلوبنا ونوايانا، فقلوبنا إذ يأتى أمرنا من الله تعالى، حيث إن الله ينظر للقلوب ويُجرى أقدارُه على عباده بشكلٍ مُنفردٍ، وليس بالجمع، فأرح قلبك وعقلك، عدلُ الله مُطلقٌ، ولا يظلم ربُك أحدًا، وليس معنى ذلك أن البلاءَ نقمةٌ أو عقابٌ من الله، لا، فنحن لا نُدرك ذلك، حاشا لله، إذ عُقولنا لا تُدرك حكمة الله التى يُجريها على عباده، إلا ما أظهرهُ الله لنا بلطفه ورحمته، لأن عقولنا قاصرةٌ عن فهم ذلك، والله تعالى فى محُكم عدلِه على الخلائق، يتجلَّى فى أننا ننعم ونُبتلى، ونسعد ونشقى، ونمرض ونشفى، وتُوزع علينا أرزاقنا فرادى؛ كما ِجئنا فُرادى، وسنرحل فرادى، وسنُحاسب أمام خالقنا أيضًا فرادى، وفيروس كورونا المزعوم سيأتى إلينا فرادى، لأشخاصٍ دون غيرهم، بإرادة خالقه، وحتى لو أصابنا جميعًا، فهذا أيضًا قدْرُنا كلنا بشكلٍ فردىٍّ، وليس على نمط الجمع، كما يعتقد كثيرٌ منا، وذلك يكون من واقع رؤية الخالق لعبيده، وتنظيم أمورهم، كما يرى بحكمته ولا راد لقضائِه؛ لأنهم خلقه، وهو وحده القادر والعالم ببواطن أمورهم وخفاياهم، وكلٌّ منهم على حِدةٍ، حسب ظن كل واحدٍ منهم فى صنيع الله تجاهه، وكلٌّ منا يعلم جيدًا أين هو مع ربُه، وعلى ظنه يجد خيرًا كان أو شرًا، ولذلك لو تمعَّنا النظر قليلًا فى أحوالنا وفى مُجريات أقدارنا فى أمورٍ حياتيةٍ أخرى، نجد مثلًا وسط كل البؤس والظروف المعيشية الصعبة فى مجتمعاتنا، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، تجد السعادة والطمأنينة والراحة فى قلوبٍ يملؤها الفقرُ والاحتياجُ، ولا تجدها فى نفس ذاك المجتمع مع أصحاب الأموالِ والأعمالِ، وأحيانًا العكس، فيتضح لنا أن مصائب الدنيا ونكبات الدهر لا تحدث بشكلٍ عشوائىٍّ، وليس لمجرد وجود كارثةٍ كونيةٍ أو مرضٍ أو وباءٍ أيًا ما كان من كوارث جماعية أو خلاف ذلك، وحاشا لله فى عدله وقضائه المُطلق أن يأخذ الله أحدًا بذنب أحدٍ، أو لمجرد وجودك صُدفةً فى طائرةٍ تحطَّمت، أو ظاهرةٍ كونيةٍ تعرَّضت لها، أو خلاف ذلك من الابتلاءات التى يُقابلها لها بنو الإنسان.
إن الكون الذى يُدار من قِبل الله، جل جلاله، وعلا شأنه، من المستحيل حدوث أى حادثٍ فيهِ لأحدٍ من خلقه على سبيل الصُدفة، لمجرد وجودك فى الحدث، أو مرورك به، أو حتى بعيدًا عنه، فكلها أمورُ مُقدَّرةٌ على كلٍّ منا بقدرٍ معلومٍ، حتى لو لم نكن داخل ذلك الحدث، سيأتيك قدرك لا مُحالة، وكما الموت مع تعدد أسبابه، لكنه بقدرٍ وموعدٍ معلومٍ عنده سبحانه، بصرف النظر عن الكيفية، ونستلخص من ذلك أنه لابد لكل واحدٍ منا أن يطمئن، ويعلم أن ما أصابك ليُخطئك، وما أخطأك ليُصيبك، وبدلًا من إرهاق النفس فى التفاصيل، وأسباب المرض أو أى ابتلاءٍ وحجمه، علينا أن نبحث أولًا فى قلوبنا عن مُسبِّب الأسباب، وصاحب السلطان، ونترك العلم لذويه ولأهل الاختصاص، وندعو لهم بالتوفيق، ولا ننسى أن نأخذ أيضًا بالأسباب والعلم، كما أمرنا الله، ولكن دون قلقٍ ولا توترٍ، ولا نُحمِّل أنفسنا فوق طاقتها، ونتمسك بالله الذى هو رب الأسباب، ومُجرى الأقدار، ونتيقَّن أن كُلاً مِنا لهُ قدرٌ معلومٌ، يجرى عليه بفرديةٍ مُطلقةٍ، وعدلٍ مُحققٍ، وحكمةٍ بالغةٍ، ورأيى الشخصى أن خوفنا المُريب، واضطرابنا واحتياطنا بهذا الشكل المُبالغ فيه، ليس خوفًا من الموت والمرض على قدر ما هو عدم حُسن ظنٍ ويقينٍ بالله العظيم وأقداره، ولذلك تجِِدنا لسنا على شاكِلةٍ واحدةٍ من الاضطراب والخوف، لأن كلًا منا يعلم أين هو من الله، جل جلاله، الذى هو من يُقدِّر لنا النعِم والابتلاءات، ونعلم جميعًا أيضًا على سبيل التذكُّر والعظة، أنه رغم ظُلمة القبور، وكيف هى موحشةٌ لمن يراها منا فى الدنيا، ونخاف ونخشى من بشاعة منظرها، وتأخذنا الرهبة عند رؤيتها، لكنها ليست عند كل من سكن بداخلها موحشةً، فهى بمثابة منزلة من النعيم عند البعض، والعذاب عند البعض الآخر، وجميعهم فى نفس المكان الواحد، وبتفاصيلٍ ظاهريةٍ واحدةٍ، ولكن شتان بينهما، فسبحانك اللهم العظيم المقتدر. ختامًا يجب علينا أن نطمئن لأقدار الله، ونثق فيمن يُسيِّر لنا الأسباب، فيأتيك على حُسن ظنك ويقينك به، ما لا يأتيك على حُسن تفكيرك وفِطنتك واقتناعك بنفسك، وإذا أراد الله أمرًا هيَّأ أسبابه، وعلى نياتكم تُرزقون، وحاشا لله أن يكون ظلَّامًا للعبيد، وكفى بالله مُعينًا مُعافيًا ودودًا، ويعلم الله صدقى وأنا على ما أقولُ شهيد أننى واثقٌ فى الله، ولا أثق إلا فى سواه، لا أخشى مرض الكورونا، وذلك لحُسن ظنى بخالقى، وأمرى كلهُ بين يديه، فليفعل بى ما يشاء، حفظنا الله وإياكم من كل مكروهٍ وسوء.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة