جمال فهمي
من دفتر الأحوال
الثمــــن
الخميس، 11 مارس 2021 - 07:22 م
الحياة اختيارات ولكل اختيار ثمن يدفعه الإنسان الذى اختار، وقد يكون الاختيار صائبا أو خاطئا لكنه فى أى من الحالين له ثمن مستحق، أما قيمته وحجمه وطبيعته فكلها نسبية وهى مرهونة بنوع الاختيار وما ترتب عليه من نجاح أو فشل، وراحة أم عذاب.
هذا المعنى هو موضوع مسرحية "الثمن" التى كتبها المسرحى الأمريكى الكبير آرثر ميلر 1915) ـ 2005) الذى يعد أهم وأبرز كتاب المسرح الاجتماعى فى الولايات المتحدة، بل ومن أهمهم فى العالم كله خلال النصف الثانى من القرن العشرين.
المسرحية ربما تبدو مملة إذا اكتفينا بوصفها المتعجل والسريع، إذ هى تخلو تماما من أى حدث أو خبطات مسرحية بينما عدد كل شخصياتها أربعة فقط، اثنان منهما أساسيان يدور بينهما طول الوقت حوار وجدل ساخن جدا حول أحداث وأفعال جرت فى الماضى، فيما الشخصان الباقيان يبدوان من خارج موضوع حوار الشقيقين تماما، لكنهما حاضران فى مشهد المسرحية الذى يدور كله فى غرفة واحدة وفى زمن واحد، ومع ذلك فإن انطباع الملل يبدو أبعد ما يكون بمجرد أن ننغمس فى الموضوع الذى كرس له ميلر مسرحيته، سواء بالمشاهدة من على مقاعد الجمهور فى المسرح، أو بمجرد الشروع فى قراءة نصها المكتوب.
شخصيات المسرحية الأربعة هم الشقيقان والتر وفيكتور، بالإضافة لزوجة الأخير وتدعى "إستر"، فضلا عن تاجر الأثاث العجوز "سالمون".. الجميع يدخلون الغرفة التى تدور فيها المسرحية تباعا، أما أول الداخلين فهى إستر وزوجها فيكتور.
وما أن يكتمل اجتماع الأربعة حتى يتفجر فورا حوار الشقيقين اللذين يبدوان وقد بلغا من العمر مطلع سنوات العقد السادس، وفورا نفهم أنهما يلتقيان للمرة الأولى منذ سنوات، وأن اللقاء يتم فى بيت والدهما الذى توفى ويريدان بيع أثاثه لسالمون.
من كلام الشقيقين نعرف أن فيكتور كان رجل بوليس لكنه استقال مبكرا لكى يبقى إلى جوار والده الذى أفلست تجارته فقعد فى البيت لا يأنس وحدته سوى أبنه المستقيل من عمله، أما الأبن الثانى والتر فقد استمر فى الدراسة حتى تخرج وصار طبيبا ناجحا.
بسرعة يتطور الحوار وتزداد حرارته فنكتشف أن فيكتور يشعر بأنه قدم تضحية كبيرة فى سبيل البقاء مع الأب ما أتاح الفرصة لـ"والتلر" أن يكمل تعليمه ويصير الطبيب الناجح الذى أصبحه.. باختصار، هو يشعر ويقولها صراحة: إن فضله على أخيه واضح ولا يمكن إنكاره، فلولا تضحيته ما استطاع هذا الأخ أن يحقق ما حققه.. أنه الآن يريد اعترافا بهذا الفضل، بينما زوجته تنتظر أن يقدم والتر يد العون والمساعدة لأخيه، وهو أمر بدا ممكنا جدا، لو لم يحاول فيكتور بكلامه انتزاع اعتراف شقيقه بفضله عليه.
هنا ترتفع بشدة سخونة الحوار بين الأخوين بينما التاجر الذى يتابع حوارهما يبدو فى قمة المتعة والتسلية، لكن والتر يفاجئنا بأنه لا يعترف لأخيه بأى فضل ولا يراه قدم أية تضحية، بل يراه فعل أمرا لا لزوم له على الإطلاق، وان السبب الحقيقى لما فعله فيكتور كان فشله وكسله، لهذا اخترع حكاية التضحية هذه ليصنع منها شماعة يعلق عليها حقيقته التى يظنها مخفية.
تستمر المبارزة الكلامية بين الأخوين وتنتقل من السخونة إلى الإشتعال، ولكننا نكتشف فى النهاية أن كلاهما يعيش حال تعاسة شديدة، فلا الناجح فى حياته العملية سعيد رغم ما حققه من بحبوحة وسعة فى العيش، كما أن فيكتور البائس طبعا غير سعيد.. لقد دفع كل منهما ثمن الحال التى استقر فيها.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة