جمال فهمى
جمال فهمى


من دفتر الأحوال

الملك «آبو» يعبث

جمال فهمي

الثلاثاء، 06 يوليه 2021 - 05:57 م

ربما هى أول مسرحية عبثية فى تاريخ الأدب، أو هكذا اعتبرها المنظرون الأوائل لمذهب العبث قبل أن يفيض إنتاج هذا النوع من الأدب المسرحى ابتداء من مطلع النصف الثانى من القرن العشرين، والمسرحية  التى نقصدها هى تلك التى كتبها أديب فرنسى متوسط القيمة ـ لكى لا نقول مغمورا ـ اسمه ألفريد جارى (1873 ـ 1907)، لكن مسرحيته الأولى «الملك آبو» صارت شهيرة جدا وفاق صيتها بكثير صيت وشهرة صاحبها.. لماذا؟
لأسباب عديدة منها اللغة العجائبية الساخرة التى استخدمها جارى فى كتابتها، فضلا عن تكنيكها الجرئ وقتها (عرضت على أحد مسارح باريس فى العام 1896) ، بيد أن أهم عوامل شيوعها وشهرتها هو شخصية بطلها «بيرى آبو» الذى جسد رحلة صعود وهبوط حاكم ديكتاتور يجمع إلى استبداده وقسوته البالغة، شرها وطمعا بل وجبنا أيضا، لا حدود لهم.
 تُفتتح المسرحية التى استقبلها الجمهور فى أول عروضها باستهجان وغضب شديدين، ببطلها بيرى آبو واقفا يهتف ثم سرعان ما نعرف أنه الآن فى بولندا بعدما كان ملكا على مقاطعة أراجون  الإسبانية merde غاضبا بكلمة فرنسية بذيئة لكنه صار حاليا قائدا عسكريا يتمتع بثقة ملك البولنديين «فنسلاس»، بيد أنه لا يقنع بهذا المصير، وإنما بإلحاح كثيف من زوجته ينقلب على الملك لكى يصبح هو ملكا، وبدا واضحا أن الزوجة لعبت على نوازع الطمع الراقدة فى نفس «آبو»، إذ أدخلت فى روعه أنه لو فعل ما تطلبه سوف يحظى بالسلطة والمال والأبهة والحياة المترفة التى يعيشها الملوك.
إذن يذعن «آبو» لمطالب زوجته ويستجيب لإلحاحها المتكرر، ومن ثم يصنع مؤامرة لاغتيال ملك بولندا وينجح فى تنفيذها فيرتقى عرش المملكة فعلا، وينطلق كالمسعور فى جمع المال والثروات المغموسة فى شلال من الدماء الناجمة عن عمليات الاغتيال والتصفية البدنية واسعة النطاق التى راح يمارسها يوميا تقريبا بينما هو يحكم الشعب البولندى بالحديد والنار.
طبعا هذه الفظائع المروعة لم تكن لتمر من دون تفجر ضيق الناس وغضبهم، لكن «آبو» كان يقمع بالعنف الشديد تارة وبفيض الكلام الديماجوجى الفارغ تارة أخرى، كل تحرك شعبى يستهدف الثورة على حكمه الإجرامى.
 النهاية المحتومة تأتى عندما يلجأ ابن الملك المقتول لإمبراطور يحكم دولة مجاورة ويطلب منه العون فى التخلص من الملك القاتل، ويلبى الإمبراطور طلب المساعدة، عندئذ يقرر «آبو» بحماقة وبلغة متغطرسة إعلان الحرب على البلد المجاور نفسه، وتقنعه زوجته أن يقود بنفسه الجيش الذى سيذهب للحرب وأن تبقى هى تدير شئون الحكم وتستأنف جمع ثروات وكنوز المملكة. 
غير أن الزوجة تفشل فشلا ذريعا فى مهمتها وتضطر للهرب والاختباء فى أحد الكهوف المهجورة، وهناك تكتشف أن زوجها الذى اندحر جيشه يختبئ فى الكهف نفسه هاربا تاركا جنوده مشتتين.. ووسط الظلام فى الكهف تكلم الزوجة «آبو» زاعمة أنها ملاك هبط عليه وتأمره أن يسامح زوجته على تحريضها له وما سببته له من خسارة، ورغم أن هذه الحيلة لم تنطل على «آبو» إلا أنه يخاطبها كأنها ملاك فعلا، متوعدا إياها بعقاب قاسٍ عندما يلاقيها.. غير أنه فى مشهد النهاية يظهران معا على ظهر السفينة التى عادت بهما إلى إسبانيا، ولا يفعل «آبو» شيئا مما قاله فى الكهف، وإنما نسمعه يشكو حاله بعد كل ما فعل خاتما بعبارة عبثية تقول: «لو لم تكن بولندا ما كان هناك بولنديون».
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة