هالة العيسوى
هالة العيسوى


من وراء النافذة

آسفين أيها النصر العظيم

هالة العيسوي

الأربعاء، 13 أكتوبر 2021 - 09:24 م

لا أظن أننا تعاملنا مع نصر أكتوبر العظيم بما يليق به على المستوى القومي. اليوم، وبعد مرور 48 عامًا، نجد أن كل مظاهر الاحتفاء الجاد من حيث التوثيق والفحص والتحليل وتناقل تفاصيله بين الأجيال ماتزال غائبة. إن كل ما تبقى فى الذاكرة الجمعية هو بضعة أعمال سينمائية، وأغان وطنية كانت نتاج فورة مشاعر اللحظة،لازالت أبدان أبناء جيلى مما عاصروا الحرب وما بعدها تقشعر لسماعها، أما الأجيال التالية، فربما يصيبها الملل من تلك الأفلام أو الأناشيد.صحيح أقمنا صرح بانوراما أكتوبر لتسجيل اللحظات المهمة والاحتفاظ بها، وهى مزار تثقيفى وسياحى مهم، يجب أن يكون ارتياده فرض عين على كل المدارس بمراحلها المختلفة، ويجب أن يستثمر دعائيًا وسياحيًا مع زيارات الوفود الأجنبية. هناك أيضًا العديد من الدراسات والبحوث التى تناولت حرب أكتوبر وآثارها على السياسة الإقليمية والدولية، لكنها فى الأغلب نتاج جهود فردية، فى المجال الأكاديمي، ينتهى مفعولها بمجرد حصول الباحث على درجته العلمية لتنضم إلى رفاقها من الدراسات على أرفف المكتبات الجامعية، كما إنها لا تغطى كل الجوانب المطلوبة.
تناول نصر أكتوبر فى المناهج الدراسية لا يرقى أبدًا للإبهار العالمى الذى أحدثه هذا النصر وكأن واضعى المناهج يخجلون من الإسهاب فى شرحه، وكل ما يذكر هو بضع سطور بلاغية لا تفى بغرض التوعية بالظروف السياسية والتاريخية التى أحاطت بهذا النصر العظيم وأدت إليه.ولا تؤدى إطلاقًا لاستنهاض مشاعر الفخر والولاء لهذا البلد. لماذا لا تقرر إحدى روايات أكتوبر على أحد الصفوف الدراسية فى مادة اللغة العربية والأدب المعاصر كالرصاصة لا تزال فى جيبى أو العمر لحظة، أو حكايات الغريب أو الحرب فى بر مصر وغيرها؟
حتى المشروعات البحثية الكبرى تتوقف عند نقطة ولاتكتمل. لا أدرى مثلا السبب وراء عدم استكمال مشروع طباعة أجزاء ترجمة وتصنيف وثائق لجنة أجرانات الذى بدأ فى عهد الرئيس السابق للمركز القومى للترجمة د. أنور مغيث وأشرف عليه أستاذ الدراسات العبرية المرموق الراحل د. ابراهيم البحراوي، مع انه مشروع ثقافى وطنى بامتياز، و رغم صدور أربعة أجزاء منه، وجاهزية أربعة أجزاء أخرى للطبع منذ عامين تم دفع أجور مترجميها بالفعل.ولا أدرى أيضًا لماذا لم يستكمل هذا المشروع بالاتفاق على ترجمة الأجزاء الباقية وهى ثلاثة أجزاء؟ مع أن نتاج هذا الجهد الفائق يوفر كنزًا معلوماتيًا وأساسًا ثريا للباحثين من كل التخصصات. إذ لا ينبغى أن يتوقف تناول هذه الوثائق على الترجمة وحسب، بل من الضرورى أن يعكف على دراستها وتمحيصها أطقم كاملة من الباحثين والخبراء فى علوم اللغة والاستراتيجيات، والعلوم النفسية والعسكرية. من المؤكد سنستخلص نتائج غاية فى الأهمية بخلاف كل المنشور عنها بكل اللغات.
كما لا أرى سببًا مثلًا لإهمالنا فكرة تحسين جودة الصور التى توثق للحرب وتركها بجودتها الضعيفة القديمة، ولم نهتم بمعالجتها وتحسينها فنياً، خاصة مع القفزات الهائلة فى وسائط النشر والإعلام ودخول الرقمنة على تقنيات الصور والأفلام؟ ومن أسف ان العدو المهزوم قام بذلك منذ أكثر من عقدين، بينما اكتفينا نحن بتناقل الصور الضعيفة ونشرها.
مع ذلك يجب أن اوجه التحية للمبادرة الذاتية والجهد والإنتاج الغزير، الذى تقدمه للوطن المجموعة 73 مؤرخين، التى تهيل التراب عن بطولات مجهولة، لمقاتلينا البواسل، وتلقى الضوء على أبطال وشهداء مغمورين، وتقوم بترجمة شهادات خبراء عسكريين، واستخباراتيين إسرائيليين عن نجاحات وشجاعة المقاتل المصري. عمل من الضرورى أن يكون لدينا مشروع قومى ضخم متكامل لتوثيق وتسجيل وإظهار ضخامة هذا النصر العظيم. والبحث عن أسراره، والتنبيش عن خباياه من جانبيه المصرى والإسرائيلي، مشروع بحثى تأريخى ثقافى إعلامي. اعتقد أن هذا أقل ما يستحقه منا هذا النصر العظيم.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة