عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الاسبوع

كورونا ليست المتهمة الوحيدة فيما يحصل

الأخبار

السبت، 30 أكتوبر 2021 - 08:01 م

عبدالله البقالى

 دخل المجتمع الدولى فى مرحلة جديدة فيما يتعلق بعدد الخسائر الفادحة التى تسببت فيها جائحة كورونا، وإن لم تنته مرحلة المواجهة المباشرة مع هذا العدو الفتاك، حيث لازال يفتك بأرواح الآلاف من الضحايا، ويصيب مئات الآلاف منهم، يصل كثير منهم إلى غرف الإنعاش بين الحياة والموت، ولازال الخبراء المتخصصون يتوقعون موجة جديدة يحتمل أن تحتدم خلال فصلى الخريف والشتاء، ويتواصل النقاش حول عدالة توزيع اللقاحات بين الشعوب والأمم، ويحتدم الخلاف حول جدوى هذه اللقاحات، وتتعاظم التجاذبات حول استمرار العمل بالتدابير الاحترازية التى فرضت أمرًا واقعا حد بشكل غير مسبوق من حرية التجول والتنقل للأفراد والجماعات، ويتواصل الغموض حول مستقبل البشرية فى ضوء سيادة حالة اللايقين من مجمل التطورات المتعلقة بهذا الوباء، والتى أفرزت حالة قلق بالغ وخوف شديد لدى شرائح كبيرة و كثيرة من سكان البسيطة.


هكذا تنامى الحديث خلال هذه المرحلة حول الأمن الغذائى فى العالم فى ضوء الارتفاع المهول فى أسعار العديد من المواد الاستهلاكية فى جميع دول العالم، حيث تفاجأت الشعوب باشتعال النار فى هذه الأسعار بشكل غريب ومريب بصفة مفاجئة، لم يعد كافيا معها القول اليوم بأن هذا الوباء وحده مسئول مباشر عما حدث ونسف بقوة القدرة الشرائية للأفراد، وتسبب فى مخاوف حقيقية حول الأمن الغذائى فى العالم.
نعم، قد يكون لتقليص ساعات العمل فى الحقول والمصانع، وفى مختلف وحدات الإنتاج نتيجة التدابير الاحترازية التى فرضتها ظروف الجائحة طوال أكثر من سنة ونصف، وقد يكون لتضرر سلاسل الإنتاج فى العالم وتقلص وتيرة النقل، نتيجة ما فرضته تداعيات الوباء، وقد يكون للاهتزازات و الرجات التى عرفتها الأسواق العالمية، تأثير فيما حصل، ولكن برأى الخبراء لا يمكن حصر التهمة فى هذه العناصر والمعطيات ، بل إنه ثمة أسباب أخرى وحقائق يجرى التستر عليها للتعتيم عن الأسباب الحقيقية التى أعادت المخاوف من تقلص الغذاء فى العالم إلى واجهة الاهتمام والانشغال.


ويرى الخبراء بأن النظام الغذائى العالمى يعانى فى الأصل من اختلالات فظيعة وخطيرة يكشفها انعدام التوازن الكبير فيما يتعلق بإنتاج الغذاء فى العالم، بين دول ذات اقتصاديات ضخمة تستحوذ على وسائل وإمكانيات وشروط الإنتاج الفلاحى والصناعي، ودول أخرى، وتمثل شعوبها الغالبية الساحقة من ساكنة الكون، تعتمد فى ضمان الحدود الدنيا من غذاء شعوبها على الاستيراد من الدول العظمى، كما أن الهيمنة على الموارد المالية فى العالم من طرف أوساط مالية ، من شركات عملاقة وبنوك كبيرة وبورصات ضخمة ، تمكن المتحكمين فى هذه الهيمنة من التحكم فى مسارات السيولة المالية العالمية، لكن الأكثر من كل ذلك فقد راجت أخبار من مصادر ذات مصداقية، تفيد أن حالة القلق والخوف، التى ترتبت عن الوباء قادت كثيرا من الدول العظمى إلى المسارعة باقتناء مخزون كبير وهائل من المواد الغذائية ، تحسبا لما قد يحدث فى المستقبل المنظور، وهذا ما قاد إلى ندرة فى الكميات المتوافرة من الغذاء ، و انتهى إلى حالة احتكار تسببت فى هذا الارتفاع المهول فى الأسعار، ناهيك على أن المضاربين والوسطاء والسماسرة يتفننون فى استغلال المآسى والمعاناة لمراكمة الأرباح المالية، ويتعلق الأمر بمن اعتاد العالم على تسميتهم بـ ( أثرياء الحروب ). لذلك كله وغيره مما قد يكون كثيرا، لم يعد كافيا اليوم تقديم تداعيات كوفيد كمتهم وحيد وأوحد فيما يتعرض له الأمن الغذائى العالمى من مؤامرات خطيرة تهدد بموجة مجاعة عالمية جديدة.


فى هذا السياق حذرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) فى تقرير حديث لها، من ارتفاع هذه الأسعار بوتيرة غير مسبوقة خلال العشر سنوات الماضية، وكشفت هذه المنظمة العالمية أن مؤشر أسعار المواد الغذائية ارتفع فى العالم بنسبة قاربت 40 بالمائة، منبهة فى ضوء ذلك، إلى أن ملايين البشر قد يعانون من نقص غذائى كبير. وأضافت، بما يمثل تنبيها خطيرا، بأن الارتفاع وصل إلى مستويات عالية جدا تجاوزت ما عرفه العالم خلال الأزمة المالية لسنة 2008، ويقترب من الأزمة التاريخية التى عاشها العالم سنة 1973.

وعزز هذه المخاوف ما أكده خبراء اقتصاديون حينما أكدوا على أن ما تعرض له الغذاء العالمى خلال الأشهر الماضية، ألقى بما يناهز 150 مليون شخص فى العالم إلى دائرة الفقر المدقع، ويؤكدون أن الخسائر التى طالت الدخل الفردى فى كثير من أصقاع المعمور تحولت إلى تراجع فيما يتوفر عليه الأفراد من مبالغ مالية لاقتناء الغذاء، ويوضحون فى هذا الصدد، أن الارتفاع فى أسعار مواد الغذاء التهم ثلث القدرة الشرائية للناس. وهى الحقيقة المخيفة التى أكدها البنك الدولى فى مؤشر أسعار الغذاء فى العالم الذى نشره أخيرا، حيث أوضح أن نسبة عالية من الناس انخفضت مستويات استهلاكهم للمواد الغذائية، وأن المخزون الذى كانوا يتوفرون عليه قد نفد.


لسنا فى حاجة إلى استعراض مزيد من التفاصيل المؤلمة فى هذا الصدد، فهى كثيرة ومتجلية للعيان، ليس أقلها تواطؤ أسعار المحروقات فى الأسواق العالمية، حيث حققت أسعارها مستويات غير مسبوقة طوال الخمس سنوات الماضية ، وليس سهلا الادعاء بأن كل هذا التزامن يحصل من قبيل الصدفة، لأن كل هذه التفاصيل تؤشر على تهديدات حقيقية للأمن الغذائى والصحى فى العالم، و التى ستدفع شعوب الدول الفقيرة فاتورتها الغالية، حيث تجد المجاعة والنقص فى الغذاء مراتع مناسبة لهما، مما ستكون له انعكاسات خطيرة حول الأوضاع الصحية والمعيشية لهذه الشعوب، بيد أن شعوب الدول المحظوظة ستنأى بنفسها عما يهدد البشرية لأنها متحصنة فى مناطق جغرافية تقبض حكوماتها وشركاتها واستثماراتها و رؤوس أموالها بأنفاس الاقتصاد العالمى وبرقبة النظام الاقتصادى فى العالم.


 نقيب الصحفيين المغاربة

 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة